الرحمة .. في القرآن هدى ورحمة
جاورت «الهدى» .. «الرحمة» في مواقف عدة، نقلتا نصوص قرآنية، لتصوغ دلالات جديدة تقدمها المعاني التي احتضنتها «الرحمة» التي لا خلاف على انها من اعظم واكمل وأجمل نعم الله تعالى على بني آدم كلهم، ذلك ان
«فعل الرحمة» بأبعاده المتنوعة، خالط وزاوج وداخل كل عمل من اعمال الدنيا سواء اكان هذا العمل قراراً الهياً واجب التنفيذ او كان هبة من الله تعالى حفظها لبني آدم الى يوم الحشر العظيم، وما يتبعه حين يفيض كرم الله تعالى بالتسع وتسعين جزءاً من رحمته سبحانه وتعالى التي حفظها لعباده يرحمهم بها يوم القيامة.
من هنا، فان كامل اشكال ومظاهر الرحمة التي نعيشها او نلتقيها في النص القرآني، وتتحدث عن معطيات في الحياة الدنيا، انما تنتسب الى الجزء الواحد من مائة التي انزله تعالى من رحمته الى اهل الارض، هكذا حين نقف لنقرأ بتمعن حالة رحمة نقلها النص القرآني، فانما نكون في فضاء ودلالة واحدة من دلالات الرحمة هذه والتي جاءت من جزء واحد من المائة جزء التي قسم الله تعالى اليها رحمته ليحتفظ بالباقي للحياة الآخرة، فهو الخبير العليم الذي علم مسيس حاجتنا لرحمته عند بدايات الحياة الآخرة.
وعلى امتدادات النصوص التي حملت «الرحمة» او «مشتقاتها» كانت هذه اللفظة بدلالاتها، تفيض على كل ما جاورها من الفاظ فيضاً من معانيها وامتداداتها التي كانت بدورها توسع من دائرة دلالات الكلمات التي حظيت بدخول فضاء الرحمة، ولعل اوسع ما صنعته الرحمة من امتدادات ودلالاتها جاء حين جاورت لفظة الهدى، فصاغ تجاور الهدى والرحمة، حالة بنيوية ممتدة لكريم عطاء الله تعالى، حين يفيض عطاؤه ويمتد ليشمل حتى من كان على يقين بسقوطه من حسابات الرحمة وبالتالي المغفرة يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده تأكيداً للدلالات التي وضعها سبحانه وتعالى في لفظة الرحمة معاني او آثار تترتب عليها.
انظر - مثلاً - في قوله تعالى الآية 64 من سورة النحل:
«وما انزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».
ان أبرز ما يمكن ان نلحظه هنا، ونحن نتفكر في قوله تعالى هذا، ان التنزيل جاء بما جاء عليه، وما كان فيه وما قدمه لمن تنزل عليهم وجاء من اجلهم، انما كان لبيان حقيقة ما صار الاختلاف فيه، من اركان العقيدة المنار الهادي للانسان وللانسانية في هذه الحياة، ذلك ان المجتمعات البشرية انما ضلت حين افتقدت لعقيدة حياة تنظم حراكها من الف هذا الحراك الى يائه، ولئن تشويهاً وتزيراً خال ما سبق التنزيل القرآني، افضى الى اختلاف لم تكن غايته البحث عن الحقيقة العقائدية التي غيبت خلف تداعيات تشويه القيم السليمة للعقيدة خدمة للمصالح الذاتية، مما افضى الى «عبادة الاصنام» تحت مبررات الزلفى اضافة الى ابتداع قيم مجتمعية لم تقرها العقائد، هنا نجد ان «الكتاب» الذي انزله الله تعالى على خاتم انبيائه جاء يحمل ابعاداً ثلاثة هي:
تبيان للذي اختلفوا فيه، وهدى ورحمة، وهذه الابعاد هي التي صاغت بعداً جديداً لمعاني ودلالات «الرحمة» التي يمكن ان تأتي نتاج الحقيقة والهداية.. والله اعلم..