السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال
هل يمكن لأحد من المسلمين اليوم أن يصل إلى مرتبةالصحابة ؟
الجواب
للشيخ عبد الرحمن السحيم
قد يظن بعض الناس أن شأن الصحبة يسير أو يُقلل من شأن الصحابة رضي الله عنهم .
وقد عظّم الله شأن الصحابة وزكاهم الله عز وجل في كتابه ، وأثنى عليهم خيراً ، فمن يُدرك هذه الفضائل ولو أمضى عمره ساجدا لله عز وجل ؟
قال الله عز وجل : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
وقال جل جلاله في وصفهم : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
وقال تبارك وتعالى : (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وقال جلّ ذِكره : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي . لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبا ما أدرك مُـدّ أحدهم ولا نصيفه . رواه البخاري من حديث أبي سعيد ، ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم .
يعني لو أنفق مثل جبل أُحد من الذهب ما بلغ نصف أحدهم في الفضل والمنـزلة والمكانة .
وقال عبد الله بن مسعود : إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه ، ثم نظر في قلوب الناس فاختار أصحابه فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم وأنصار دينه . رواه الإمام أحمد وغيره .
وقال جبير بن نفير : جلسنا إلى المقداد يوما فمرّ به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، فاستمعت فجعلت أعجب ، ما قال إلا خيرا ، ثم أقبل عليه فقال : ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غـيّـبه الله عنه لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه . والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يُصدقوه . أوَ لا تحمدون الله لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم وقد كفيتم البلاء بغيركم ؟ والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشدّ حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بِفُرقان حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرا وقد فتح الله قفل قبله للإيمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار ، فلا تقرّ عينه وهو يعلم أن حميمه في النار .
ويكفيهم شرفا وفخرا ومَحْمَدة أن ثبتت لهم صُحبة خير خلق الله وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام .
ولا شك أن مراتب الصحابة متفاوتة ، فليست رتبة أبي بكر رضي الله عنه كرتبة من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد رؤية أو لقيه مجرد لقاء .
والعلماء يُثبتون الصُّحبة لمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك .
وهذا لا يُعرف لغير النبي صلى الله عليه وسلم .
والصحابة رضي الله عنهم فدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم وأموالهم وأهليهم ، وبالغالي والنفيس .
ولا يُمكن أن يبلغ أحد مرتبة الصحابة ولا مرتبة التابعين ، ذلك أنهم خير الناس بعد الأنبياء ، لقوله عليه الصلاة والسلام : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . رواه البخاري ومسلم .
بل قال عليه الصلاة والسلام : يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيُقال لهم : فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس ، فيُقال لهم : فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من رأى مَنْ صَحِب مَنْ صَحِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم . رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتي السماء ما تُوعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون . رواه مسلم .
قال الإمام النووي رحمه الله : وقوله صلى الله عليه وسلم : " وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون " أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب ، واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحا ، وقد وقع كل ذلك .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك ، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم . اهـ .
وألّـف غير واحد من العلماء في فضائل الصحابة مجتمعين أو في فضائل آحادهم ، وما ذلك إلا لفضلهم وعلو مكانتهم ومنزلتهم في الأمة .
المصدر
شبكة المشكاة الإسلامية
دمتم بخير