السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
لي جيران كان لهم ابن وانتحر، وطلبوا مني أن أؤدي الحج عن هذا الشاب ، وأبلغوني أن هذا الشاب الذي انتحر كان مريضًا نفسيًا ، وأعطوني المستندات التي تثبت أنه مريض نفسي ، لكني كنت لا أراه في حياته يصلي أبدًا ، وكان غير ملتزم بدينه ، وكان دائمًا ما يتناول المخدرات. أخاف أني لو أديت عنه الحج ، أن يغضب الله عز وجل عليّ ، كما غضب الله سبحانه وتعالى من نبيه إبراهيم حينما دعا لأبيه آزر، وكذلك سيدنا نوح عليه السلام حينما دعا لابنه ، فغضب الله عليه. ماذا أفعل وكيف أتصرف في هذا الموقف ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا شك أن الانتحار من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال ، ولكن صاحبه لا يخرج به عن ربقة الإسلام . راجع إجابة السؤال رقم (45617) ، (111938) .
ثانيا :
تارك الصلاة بالكلية كافر كفرا أكبر على الصحيح من أقوال أهل العلم ، راجع إجابة السؤال رقم (5208) .
وتقدم في إجابة السؤال رقم (9400) ، وإجابة السؤال رقم (170404) بيان أنه لا يجوز لأحد أن يدعو لمن مات تاركا الصلاة بالمغفرة والرحمة أو يحج عنه لأنه كافر مشرك .
فإذا مات العبد منتحرا وكان في حياته لا يصلي فقد هلك ، ولا يجوز لأحد أن يدعو له ولا أن يحج عنه .
ثالثا :
إذا ثبت أن هذا الشخص كان مريضا مرضا نفسيا فإن كان لا يعقل معه فهو مجنون فلا حج عليه بالإجماع ، قال في "حاشية الروض" (3/504) :
" ولا يجبان – أي الحج والعمرة - على مجنون إجماعًا ، ولا يصحان منه إن عقده بنفسه إجماعًا ، لأنه لا قصد له ، وقصد الفعل شرط " انتهى .
وإن حج عنه وليه أو من ينيبه صح نفلا ، جاء في "الموسوعة الفقهية" (17/40) :
" يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ وَيَقَعُ نَفْلاً " انتهى .
وإن كان مريضا مرضا يعاوده ، إلا أنه في الجملة عاقل فلا يسقط التكليف بسبب المرض النفسي إلا إذا أذهب العقل .
والحاصل : أننا لا نرى لك أن تحج عمن كانت هذه حاله ؛ فإن كان معذورا فيما بينه وبين الله ، ولم يكن عاقلا مكلفا ، فهو غير مطالب بالحج أصلا ، وليس مسؤولا عما فعله بنفسه .
وإن كان يعقل ما فعل ، أهلا للأمر والنهي : فهو أولى ألا يحج عنه ، حتى وإن كان مسلما في حقيقة الأمر ، لم يترك الصلاة بالكلية ، زجرا عمن كانت هذه حاله . ولمن صح عنده أنه معذور من أهله أن يحج عنه ، إن شاء ؛ هذا مع أن الدعاء والاستغفار له ، والصدقة عنه : أنفع له من ذلك .
رابعا :
قولك : " أخاف أني لو أديت عنه الحج ، أن يغضب الله عز وجل عليّ ، كما غضب من نبيه إبراهيم حينما دعا لأبيه آزر ، وكذلك نوح عليه السلام حينما دعا لابنه ، فغضب الله عليه " .
فنقول : لم يغضب الله تعالى على نبيه نوح ولا على نبيه إبراهيم عليهما السلام .
أما نبي الله نوح : فإنه لما أراد أن يسأل ربه نجاة ابنه الكافر ، ولم يكن عنده علم بأن ذلك محرم ، وعظه ربه ، فندم عليه السلام ندما شديدا على ما صدر منه وقال : ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) هود/47 .
قال تعالى : ( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) هود/ 45، 47 .
راجع : "تفسير السعدي" (ص382)
ثم قال تعالى حين أرست السفينة على الجودي : ( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) هود/48 .
فلم يغضب ربه عليه ، وإنما غفر له وقال : ( اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ).
وأما إبراهيم عليه السلام : فقد كان وعد أباه أن يستغفر له كما في قوله تعالى : ( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) مريم/ 47 ، فظل يستغفر له حيث لم يُنه عن ذلك حتى تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه ، قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) التوبة/ 114 .
فلم يغضب عليه ربه ، بل عذره .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب