ظُلمة نور .. سنواتُ الضياعِ المظلمة
حقا إنها سنوات الضياع .. ضاعت أعمارهم هباء .. ولن يعلموا ذلك إلا عند معاينة سكرات الموت ولقاء الله .. أي ضياع ، وأي نور بل أي ظلمة ، يوم ينقلبون إلى الله سيعلمون ثمرات أفعالهم هم وأتباعهم يقول الله تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً [الفرقان :27] ) ، ويقول عز من قائل : ( ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [ يس :65] ) .
قال ابن القيم : واحتضر رجل ممن كان يجالس شُرَّاب الخمور .. فلما حضره نزعُ روحه .. أقبل عليه رجل ممن حوله .. وقال : يا فلان .. يا فلان .. قل لا إله إلا الله ..
فتغير وجهه .. وتلبد لونه .. وثقل لسانه .. فردد عليه صاحبه : يا فلان .. قل لا إله إلا الله ..
فالتفت إليه وصاح : لا .. اشرب أنت ثمّ اسقني .. اشرب أنت ثمّ اسقني .. وما زال يردّدها .. حتى فاضت روحه إلى باريها .. نعوذ بالله .. { وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل} .
ألا يخشون تلك اللحظات ؟
هل ينقُصكِ يا أمتي ضياعٌ أشد من الضياع الذي أنت فيه من كسر عصيِّك ، فلم يبقى في أيدينا إلا القليل من العصيّ ..
ترفَّق بقلبـي فالأعاصيـر تـزأر وسود الرزايا فـي الظـلام تزمجـر
ترفَّق بقلبـي فالجـراحُ كثيـرةٌ وذي أسهـمٌ شـتَّـى عليـه تكسـّر
أن يكون الإنسان عاصياً على نفسه ، فالله غفور رحيم ، ولكن أن يمتد عصيانه لإفساد الآخرين وإغراقهم في جحيم الشهوات فهذا منزلقٌ خطير ، وتحدياً كبيراً ، وإصراراً على عزل شبابنا عن الدين ، وعجز الملتزمين عن خوض أية مواجهة اتجاه هذه ( السيناريو ) ولا صوت يعلو فوق صوت الفضائيات ومدبريها ..
لقد أصبحت هذه القنوات مصدر للفتن فلا نعلم ماذا يخبِّئون لنا وأظنُّهم لو طالت بهم حياة سيجهزون لنا وجبات شهية من لا عين رأت ، ولا خطر على عقولنا ، والكل ينتظر بدور ما هي مفاجآت الأشهر القادمة ، والسنوات التالية ، ليبدد شمل إسلامنا .. إنه وضع كارثي .
تتحرق قلوبنا على بناتنا وشبابنا ، ما ذنبهم وهو يتابعون بشغف خيالات هذه المسلسلات .. ما ذنبهم وهم يتسلسلون كل يوم لمدة الساعة تقريباً ، يفارقون فيها عقولهم إلى دنيا ( نور ورفيقها الهايم ) يعبثون بغرائزهم ، ويستحلون إثارتها ..
ما ذنب مجتمعاتنا المسلمة وهي تتلقى هذا الغثاء ، ولماذا الدبلجة بالعربية ليسهل على الصغير والكبير في ديار المسلمين فهمها .. والتعايش معها .. ما ذنبهم وهم يراقبون نور وزوجها الذي الذي يسكب عليها من العواطف الكاذبة التي تحرك مشاعر الجبال ..
علموا من أين يدخلون على ضعاف الإيمان من المسلمين ، وإن من البيان لسحراً ..
كل فتاة الآن تتبابع نور وعشيقها الزوج ، تتمنى أن تتزوج عاجلا غير آجل لتجرب هذه الحياة ، وبالطبع سوف تُصدم ..
وأي زوجة البوم تتابع هذا المسلسل تتمنى أن تتخلص من زوجها ، لتحصل على زوجٍ كهذا ، وبعد تورطها ستكتشف أن هراء الفضائيات لن يتوقف عند هذا الحد .
لماذا كلما تمنينا أن نرتقي جاء من يدفع بنا إلى الهاوية .. يتلقفنا في طريقنا ، ويعترض مسيرتنا ؟ إلى متى ستظل هذه الشياطين تطرق أبوابنا ليلاً ونهاراً ، تؤز أمتنا نحو الخطيئة أزاً لتسوقها ذليلة إلى درب الغواية رحماك يا رب .. رحماك !
لماذا لا تقام محكمة إسلامية توقف أصحاب هذه القنوات عند حدهم ، لماذا لا يهبُّ الجميع لرفع قضية على أصحابها بالتهييج والتهديد ، وشنِّ هجومٍ سريع عسى أن يبطل الله تحركاتهم ولو لبضع سنين ؟
إلى متى يظل إعلامنا مخذلاً لأمتنا ، غاشاً لها ، يقذفها بسهام النكوص والرجعية ؟!
لماذا لا يصرخ الإسلاميين صرخة واحدة تدوي ، تصمُّ آذانهم ، وتجلل أفعالهم ؟
لماذا لا ندخل معهم في حرب طاحنة بالقلم ، بالإعلام ، بالمواجهة ، بالضغط .. بسهام الليل عسى أن تسكن زوابعهم ، وتشل حركتهم .. فتُحرس الفطرة ، وتُهذب الأهواء
إن المستقبل بل كل المستقبل لهذا الدين ، فلتكن كلك للإسلام دينك لحمك ، عرضك ، دمك .
سـر فـي الزمان وحدث أننا نفرٌ شـم العرانين يـوم الهـول نفتقد
عدنا إلى الله في أعماقنـا قبـس من السموات لا يغتالهـا الأبــد
جئنا نعيـد إلى الإسـلام عزتـه وفوق شـم الرواسي تنصب العمد
أ. خيرية الحارثي
داعية .. ومشرفة على بعض مدارس تحفيظ القرآن التابع لمعهد الدراسات القرآنية بمكة المكرمة