د. شاكر مطلق
دراسة - وترجمة نصوص( عن الألمانية )
تمهيد :
لم يكن الأدب الفرعوني ، برغم قراءتي له منذ زمن طويل ، من ضمن اهتماماتي ودراساتي الأدبية ، لأنه - بالنسبة لي على الأقل - أدب موتٍ وقتامةٍ بشكل عام ، بخلاف تعاملي مع الأدب الرّافدي العظيم ، الزّاخر بمختلف تجليات الفكر البشري من موتٍ وصراع وبعثٍ ... الخ ، الذي وسَم ، ولا يزال ، جُلَّ مجموعاتي الشعرية ، ناهيك عن الدراسات والكتب المختلفة التي أصدرتها عنه .
- لماذا أتعاطى إذن الآن مع هذه النصوص الفرعونية ؟
في بحثي مؤخراً - ضمن أرشيفي الفرعوني - عن صورة لـ " بُرديّة إيبرت " التي تحتوي على معلومات هامة في الطب ، وجدت مجموعة من النصوص الأدبية الفرعونية التي احتفظت بها منذ أن كنت طالباً في ألمانيا ( غ ) لأكثر من أربعين عاماً ، مطبوعة على ورق فاخر باللغة الألمانية ، ووجدت تعليقات على تلك النصوص كنت قد كتبتها من ذلك الوقت ، فأخذت أقرأ فيها لأكتشف أنها تحتوي على مجموعة هامة من النصوص الأدبية ، ولاسيما تلك المتعلقة بتاريخ منطقتنا وبخاصة ( معركة قادش ) - " تل النبي مندو " ( حالياً ) ، قرب القصير على تخوم حمص - الشهيرة بين الحثيين والفراعنة .
كانت النصوص الألمانية مترجمة من قبل علماء ألمان متخصصين في الآثار المصرية واللغة
" الهيروغليفية " مباشرة ، فعزمت على ترجمة مختارات منها إلى العربية ، أقدمها الآن ، آملاً المتعة والفائدة من ذلك .
اعتمدت في ترجمت أسماء العلم على النص الألماني ، وربما كان نطقها أو كتابتها مخالفاً بعض الشيء لما ترد عليه عندنا ، فاقتضى التنويه .
نشيدُ عازف " الهَارْف " - القيثار – الأعمى
السّلالاتُ تَمضي ، وأخرى تَبقى .
منذ زمنِ الأجدادِ
كانت الآلهةُ تَرقُـدُ في أهراماتِها
هكذا أيضاً ( يَـرقدُ ) النّبلاءُ والمبارَكونَ
المدفونونَ في أهراماتِهم .
الذّين بنَو ْ البيوتَ يوماً
تَـهدّمتْ جدرانُها
وأماكنُهم لمْ تعدْ موجودةً
وكأنّها لمْ تكنْ .
اِتبعْ قلبَكَ طالما أنتَ حيٌّ
اِمسحْ ( جسَدَكَ ) بمَرهَمِ العجائبِ الحقيقيّـّةِ
للأشياءِ الإلوهية .
أَكثِرْ من ( أعمالكَ ) الحسَنةِ
لا تَدعْ قلبَكَ يتـراخى .
اُنظرْ ، لا أحدَ اصْطُـفِـيَ
ليأخذَ ما يَملكُ معهُ
اُنظرْ ، لا أحدَ ممّنْ ذهبوا يعودُ .
نشيدٌ للقيثارة ( الهارْف )
لا أحدَ يستطيعُ أن يُطيلَ
حياتَه على الأرضِ
ولا أحدَ إلاّ عليه الذّهابُ
إلى العالمِ الآخرِ .
زمنُ وجودِنا الأرضيِّ
ليسَ بأطولِ من حُلُمٍ .
اجعلْ بيتَكَ في مدينةِ الأمواتِ رائعاً
من خلال الجُهدِ الصّادقِ والعمل الصّادقِ
الذي يستطيع قلبُ الإنسان الاعتمادَ عليه .
فضائلُ العمل الصّالحِ
يتقـبّلُها الإلهُ بمحبةٍ
أكثرَ من أُضحِيةِ البقرةِ من الخاطئ .
-----------------
حِكمةٌ فِرعَوْنيةٌ
أولئكَ الذين بنوْ بـالغرانيتِ
( أولئكَ ) الذين شيّدوا قاعةً في أهرامٍ
طاولاتُ قرابينهم فارغاتٌ
مثلَ ( طاولات ) التّعَساءِ
الذين يموتون على الشاطئِ
من دونِ أن يخلِّفوا ( أحداً ) .
=================
الفرعون " آمين أمحيت
الفرعون " آمين أمحيت – Amenemhet " ( 1992- 1962 ق.م ) ، ويعني اسمه ( آمون الذي في الطليعة ) ، ويطلق عليه الإغريق اسم " آمين إميس - Amenemes" ، كان وزيراً وصل إلى الحكم بالقوة بعد أن أزاح آخر فراعنة الأسرة 11 عن العرش ، وأسّس حكم الأسرة 12 التي حكمت مدة ( 205 ) عام ما بين ( 1991 – 1786 ق.م ) التي سُـمِّي كلّ فراعنتها باسمه وباسم ابنه " سيسوستْريس - Sesostris " - حكم ما بين ( 1971- 1928 ق.م ) - .
ازدهرت في عصره مدينةُ " طيبة " - المصرية ، وليست مدينة طيبة الإغريقية التي بناها هناك
" قدموس " ابن ملك صيدا وصور في بحثه عن أخته " أوروبا ". هناك اتّحد فيها إله الشمس " آمون " مع الإله " رع " وأصبح يسمى " آمون – رع " وبذلك ازداد نفوذ " معبد الكرنك " وقوته ، وبرغم ذلك تمَّ في عهده نقل المركز السياسي والديني إلى مدينة " ليشْت – Lischt " على مقربة من مدينة " مِـيمْفِس " حيث لا تزال بقايا هرمه وهرم ابنه المخربين موجودة حتى اليوم .
( كانت طيبة موجودة ، قبل أي مكان آخر . الماء والأرض كانا فيه – موقع طيبة – منذ البَدء ، وجرى خلْق العالم والآلهة في طيبة من قِبل إلهها آمون ) .
هذا نشيد قديم يمجدُ الإلهَ آمون ، الذي اعتمده فراعنة " الإمبراطورية الجديدة " التي أسّسَتْ في طيبة الأسرةَ ( 18 ) – 1750 ق.م – كمنطلقٍ ومُرتَـكزٍ لـتسيير أمورهم السياسية والدينية .
في الماضي السّحيق كان الإله آمون متخفّياً ، ولكن في عهد طيبة تمَّ رفع مكانته ، لتتساوى مع مكانةِ إله الشمس العظيم " رَع " ، ومع مكانة إله مدينة " مِمْفِـيس " " بتَعْ – Ptah " ، وفيها تمَّ ، فيما بعد ، إعلان الإله " آمون " كإله أعظم وأقدم من كل شيءٍ ، وهو الذي من خلاله جاءت بقية الآلهة إلى الوجود .
تشير الأبحاث الأثرية الحديثة إلى وجود استيطان بشري في المغائر والكهوف الواقعة حول طيبة ، يعود إلى عشرات آلاف السنين قبل ظهورها في منتصف الألف الثالث ق.م . بدأ ظهور أمراء طيبة مع حكم السلالة ( 9-10 ) – 2190 – 2020 – وأصبحوا أجدادَ فراعنة الأسرة ( 11-12 ) – 2143- 1778 –
الذين وطّدوا حكم طيبة بعد انهيار حكم الأسرة 12 ، حيث استطاع أحد أفراد أسرتها من تأسيس حكم الأسرة ( 17 ) في جنوب البلاد في عام 1600 ق.م.
لا توجد وثائق عن عدد سكان طيبة في ذلك الوقت وإن كان هناك مغالاة في الأمر تجعل عددهم يصل إلى مليون إنسان .
الشاعر الإغريقي " هوميروس – Homer " – صاحب " الإلياذة – Elias "\ و الأوديسّا – Odyssey " كتب في الكتاب التاسع منها صفحة 381 – 384 ما يلي :
" طيبة المدينة المصرية ، بيوتها غنية بالكنوزِ
لها مئةُ بوابةٍ
من كلِّ واحدةٍ يخرجُ
مئتا ألفٍ من الفرسانِ المسلحين للقتالِ "
بعد صعود مصر كإمبراطورية عالمية ، مدّتْ نفوذها من النيل حتى الفرات ، وأصبحت طيبة محطَّ ركاب القادمين إليها من كل جهات العالم القديم المعروف . شهدت المدينةُ إنشاءَ المعابد – الكرنك ، الأُقصُر " والقصور الباذخة ، والفن المعماري الرفيع .
امتدت مساحتها حوالي 7-12 كم مربع ، أحاطها من الشرق جدار ضخم . كانت البيوت فيها تتكون من طبقات عديدة ذات فسحات داخلية كما هو معروف من طراز البيت العربي القديم .
يشير المؤرخ الإغريقي المعروف " هيرودت " – حوالي 450 ق.م – الذي زار مصر وبالطبع طيبة إلى غرائب رآها هناك ، مثلاً :
تحدث عن أن عملية البيع تتم عادة بواسطة النساء ، بينما الرجال يجلسون في البيوت ويغزلون القماش ـ، وبأن الرجال يحملون الأثقال على رؤوسهم بينما النساء يحملونها على أكتافهن . يبول الرجال جلوساً بينما تبول النساء وقوفاً . يتناولون طعامهم في الشارع ، ويقضون الحاجة في المنزل . يعجنون العجينَ بأرجلهم ويعجنون الطوبَ لبناء البيوت بأيديهم ، ويمسكون براز الحيوان" البقر " - الجَلّة - بأيديهم ... الخ .
انسحبَ هذا الفرعون أواخر أيامه إلى قصره وترك أمر الدفاع الخارجي عن المملكة لابنه" سيسوستْريس " ، الذي كان في حملة عسكرية ضد " ليبـيا " عندما قامت ثورةٌ في مصر أودَت بحياة والده ، ووصله الخبرُ عن طريق رسول سريع فعاد فوراً إلى مصر وعزل الفرعون المُغـتَصِب وتسلم الحكم لتوّه.حتى يُبعد النظرَ عن الثورة تلك أرسل جيشه جنوباً حتى وصل الشلال الثاني للنيل ، وهو ما لم يصله أي فرعون قبله .
وجه الفرعون " سيسوستْريس الأول "
أقام في مدينة الشمس " هيليو بوليس – Heliopolis " - المدينة التي زارها المؤرخ الإغريقي
" هيرودوت " والفيلسوف " أفلاطون " وغيرهما - أوّلَ نصب حجريٍّ مفرد ( مِسلّة ) من النوع المسمى
" أوبِِليسْكْ - Obelisk " بارتفاع ( 20.27 م .) ووضع على رأسه هرماً صغيراً ، نُـقشَ عليه النص التالي :
في هذا البيتِ
سيذْكـرُ المرءُ جمالي
اِسمي هو الهرمُ الصّغيرُ
ونصْبِيَ ( التَّذكاريُّ ) هو البحرُ .
أَخذَ الأوروبيون من هذه النُّصُب الحجرية المفردة الطويلة ( المسلاّت – أوبليسكا ) أعداداً كبيرة إلى بلادهم ، ومن مخلّفات هذا الفرعون وحده أخذوا خمسَ مِسلاّت:
ثلاثة إلى روما ، لا تزال إحداها تنـتصِب أمامَ كنيسة القديس " بطرس " البابوية في الفاتيكان ، واحدةٌ أخرى تسمى " إبرة كليوباترا " أُخذت إلى " لندن " ، وأخرى من نفس الاسم والنوع أُخِذت إلى " نيويورك " .
الحِكمة التالية أوصَلها الأبُ - الفرعون القتيل " أمين أمحيت " - إبّان حياته إلى ابنه كنصيحةٍ مستقبليّةٍ له ، وهي تعكس المرارةَ وخيبة الأمل الذين خَبِرَهما إبان حُكمه :
أَصغِ لما أقولُـه لك َ ( : )
لتكونَ ملكاً في الأرضِ
لا تتّخذْ لكَ صديقاً
ولا أميناً ( على أسراركَ )
لا كمالَ في هذا .
عندما تنامُ ، اُحرسْ بنفسِكَ قلبَكَ
(لأنّه لا أحدَ للإنسانِ بجانبه)
يومَ الفَجيعةِ .
لقد استقبلتُ الوَضيعَ والمَرموقَ
لكنّ الذين أكلوا خبزي
تذمّروا ( وثاروا )
مَنْ مَدَدْتُ له يدي ، أثارَ الرّعبَ .
--------------
ألّفَ الشعراءُ المصريون العديدَ من الأغاني والأناشيد التي تُمجّد الابن ، البطل " سيسوستْريس " ، واحدةٌ منها تقول :
كَمْ هي عظيمةٌ مدينةُ المَلِكِ ؟!
ملايينُ الأسلحةِ ( فيها ) :
حُكّامُ النّاس الآخرونَ
ليسوا سوى شعبٍ عاديٍّ .
كمْ هي عظيمةٌ مدينةُ المَلِكِ ؟!
إنّـه كالصّخرةِ
التي تَصُدّ الرّياحَ
عندَ العاصفةِ .
-----------------------
إله " طيبة " آمون " على شكل كبش .
الفرعون " آمين أمحيت الثالث "
أهم ملوك السلالة 12 – الإمبراطورية الوسطى – الفرعون " آمين أمحيت الثالث " ( 1842 – 1797 ق . م ) . قام بأعمال هامة في مجال بناء وترميم القنَوات المائية وبخاصة في " واحة الفيوم " التي كانت إبان فبضان النيل تتحول إلى بحيرة وسيعة، بسبب اتصالها بمجرى طبيعي مع النهر ( قناة يوسف )، واستطاع بذلك زيادة المحاصيل الزراعية بشكل مبهر ، وأقام جداراً واقياً بطول 40 كم واكتسب أرضاً زراعية بمساحة 11 ألف كم مربع . أقام السلام في بلده حوالي نصف قرن . كانت له صلاتٌ تجارية مع سورية وجزيرة كريتا – اليونان - وبابل .
دُفن في جزيرة الفيّوم " أهرام حوّارة " . هناك نصٌّ يمجّده ويقول :
لقد جعلَ مصر أكثرَ اخضراراً من النّيلِ
ملأَ البلدين ( الشَّمال والجنوب ) بالقوّة ...
أطعمَ مَن وَطِئَ دربَهُ .
الملكُ هو الغذاءُ
فمُه هو ( الخيرُ ) الفائضُ .
----------------
مِن تعاليم وحِكَم الكاتب " أني – Ani " :
قدِّمْ لأمِكَ كلَّ ذلكَ
الذي فعلتهُ من أجلِك .
ضاعفْ ( لها ) الخبزَ
الذي أعطتهُ أمُّكَ لكَ
واحمِلْها كما حَملتكَ .
إنَّ حَمـْـْلَكَ كان ثقيلاً لها.
============
( نشيدٌ عاطفيٌّ )
سبعةُ أيامٍ لمْ أرَ فيها الحبيبةَ .
السَّقامُ ألَمَّ بيَ .
قلبي ثقيلٌ .
لقدْ نسيتُ ذاتي .
عندما يعودني الأطباءُ
لا أرضى بدوائِهمْ .
طاردُوا الأمراضِ
لا يجدون وسيلةً ( لعلاجي )
مرضي لمْ يُـكْتَشفْ .
إذا قالَ لي أحدٌ :
انظرْ إنها هنا
فهذا يحييني .
اِسمها هنا ، وهو ما يُحْييني .
ذَهابُ وإيابُ الرُّسُلِ بيننا
هو ما يحفظُ قلبي .
أفضلُ من أيِّ دواءٍ لي
هي الحبيبةُ .
إنها أكثرُ لي من كتابُ الوَصْفاتِ .
دخولها من الخارجِ هو حِرْزي .
عندما أراها أشفى .
متى فتَحتْ عينَيها
يعودُ جسدي فتيّاً .
متى تكلّمتْ ، أصبحُ أقوى .
متى أضمُّها تطردُ عنّي السّوءَ .
لقد هجرتني منذ سبعةِ أيامٍ .
=======================
نقشٌ على قبرِ " نِيفِرْحوتِبْ - Neferhotep " :
اِحتفلْ بيومٍ فَرِحٍ .
اتبعْ حظـَّكَ طالما أنتَ على الأرضِ
لا تُجهِدْ قلبَكَ
حتى يأتي اليومُ
الذي فيه يَـنوحُ المرءُ .
==============
من طقوس الموت – نصٌ إلى فِرْعون :
أنتَ إلهٌ بينَ الآلهةِ
وفي نفسِ الوقتِ
فأنتَ تملكُ كلَّ ما كانَ
على الأرضِ ملكاً لكَ .
==================
" أخناتون " وعبادةُ التَّوحيدِ
الفرعون " أمينو فيس الثالث – Amenophis III " ( 1400- 1362 ق.م . ) عاش في رخاء وسلام بعد أن قام الآباء بتوسيع وتثبيت حدود الإمبراطورية التي امتدت على مساحة ثمان عشرة درجة عرض ، غير أنه ظلّ طويلاً ينتظِر ولادة وريث العرش إلى أن ولد الوريث الذي حمل اسم والده ولقب الرابع . كان هذا الابن ضعيف البنية ، حالماً ، قلقاً ، حساساً ، ومتعلقاً بأمه . شاركه والده في الحكم وهو لا يزال فتياً ، بعد أن ورث العرش اهتم بأمور الآخرة أكثر من اهتمامه بأمور الدنيا . أدخل عبادة التوحيد
، لأول مرة ، في مصر الفرعونية متعددة الآلهة عندما ألغى عبادة كل الآلهة ووحدها في عبادة إله الشمس " آتون - Aton" وأثار بذلك عليه نقمة الكهنوت ، وأدى ذلك بعد موته إلى تخريب ما كان أنشأه من معابد وتماثيل وغير ذلك ، حتى اسمه " أمينو فيس " الذي يتضمن اسم الإله " آمون " ويعني ( آمون راضٍ ) غيّره إلى اسم " إخناتون " الذي يتضمن اسم الإله " آتون " ويعني ( إنه يُعجِبُ آمون ) . وأما العاصمةُ " طيبةَ " - مدينةُ " آمون " الجميلةَ فقد هجرها وبنى بين مدينة " مِيمفس " المقدسة ، ذات المئة بوابة والأسوار البيضاء ، وموقع رمليّ على النيل لا يخص فرعوناً أو إلهاً مدينة لإله الشمس أطلق عليها اسم " أخِت – آتون " أي ( أفق آتون ) ، بناها من الخشب والقِِرْمِد الطينيِّ غير المشويِّ الملون. وبنى فيها معبداً كبيراً لإله الشمس والمساكن الفاخرة والحدائق بأشجارها الجميلة التي جعلتها تشبه فِرْدوْساً على الأرض .
هذا الموقع يعرف الآن باسم " تل العمارنة " ، ولمْ يُبنَ فوقه – كما كان الأمر شائعاً في القديم ، وحافظ بذلك على شكله الأصلي – تمّ الكشفُ عنه من قبل عالِم الآثار البروفيسور الألماني " لودْفيش بورشارد – Borchardt L. " عام 1912 م . ، وعثر فيه على التمثال النصفي الفريد ، الموجود الآن في برلين ، للفرعونة أخت " أخناتون " وزوجه " نُفرتيتي - Nofretete " وكذلك احتوى الموقع على الكثير من الوثائق الهامة تاريخياً ، ومنها ما يعرف بـ " أرشيف تل العمارنة " الذي يحتوي إلى جانب الوثائق للعلاقات بين مصر وغيرها من الدول ، يحتوي أيضاً على وثائق أدبية ، أناشيد وقصائد التي تنسب إلى الفرعون نفسه ، وتمكننا من إلقاء المزيد على فكره وتصرفاته ، ومنها " نشيد الشمس " المعروف التالي :
الشمس الفرعونية المجنحة مع رمز الخلود " أورِيوس - Urea's " المزدوج – أفعى برأس النسر الأصلع - .
" نشيدُ الشمس "
هو نشيدٌ شهيرُ جدّاً ، كان يُنقش على جدران مقابر النّبلاء في زمن العَمارنة :
مُشِعّاً تَصعدُ على طرَفِ السّماءِ
" آتونُ " ، أنتَ تحيا منذ البَدءِ
أنتَ تجولُ عالياً
وتملأُ العالمَ بجمالِكَ .
عالياً تَلمعُ فوقَ البلادِ
أشعّـتُكَ تَحتضِنُ ما خلَقـتَه .
أنتَ بعيدٌ ، لكنّ أشعّتَكَ تُلقِّحُ التّـربةَ
والعشبُ يعلو ، عندما تقبّلُ الأرضَ .
( عندما ) تغيبُ عنّا في الغربِ
ينتشرُ الظّلامُ على الأرض ، وكأنّها تموتُ .
النّاعسونَ يرتاحونَ في حُجراتِهم
( لو ) أخذَ أحدٌ شيئاً من تحت رؤوسِهم
لما شعروا به .
العالَمُ مُلقى في الصّمتِ .
لكن صباحاً ، عندما تعودُ ، على طرَفِ السّماءِ متوهّجاً
تَهربُ من أمامِك العَـتمةُ
البَلَدانِ ( الوجه البحري والقبَلي ) يَسعَدانِ بشعاعِكَ
الكلُّ يَـصحو وينهضُ
يغسلونَ أجسادَهم ويلبسون ثيابَهم
مصلّينَ يشمّرونَ عن أذرعِهم
( أيها ) المُشِعُّ ، مُبتهلينَ إليكَ
وكلُّ العالَمِ يُنجزُ أعمالَه .
كلُّ الحيواناتِ ( الأليفةِ ) تفرحُ بالمَرجِ .
الحقولُ والأعشابُ ( الطّبيةُ )تَخضرُّ
الحِملانُ يقفزونَ على أقدامهم .
من أعشاشها تَخرجُ الطيورُ
وبأجنحتِها تُسبِّحُ لأجلِكَ
كلُّ الدروبِ مفتوحةٌ ، لأنكَ تتلألأُ .
السّفنُ تَعبرُ التّيارَ
الأسماكُ في المياهِ تقفِزُ أمام وجهِكَ
أشعّتُكَ تقتَحمُ حتى أعماقِ البحرِ
أنتَ تعطي كلَّ مخلوقاتِكَ النَّفَسَ يومَ الولادةِ
وتفتحُ فمَهُ وتَهَبُ من يحتاج .
الصّوصُ في طاستةِِ ( قشرته ) تُعطيه الهواءَ
( الذي ) يجعلُهُ قوياً ، على كسْرِ البيضةِ
يمشي على قدميه الصّغيرتينِ ، منذ خروجه ( منها ) .
أنتَ الإله الأوحدُ ، الذي لا مثيلَ له
خلَقتَ الأرضَ حسب ( رغبة ) قلبـِكَ
أنتَ الواحدُ الأحدُ .
خلقتَ " النّـيلَ " ، الذي يَفيضُ من العالمِ السّفليِّ
حتى يحافظَ على حياةِ الشّعبِ
( و )أيضاً على السّماءِ وضعتَ " نيلاً "
حتى يفيضَ ، هابطاً ، ليروي تُربةَ الحقلِ
خلقتَ الفصولَ حتى تُتِمَّ ( هيَ ) عمَلَكِ
( خلقتَ ) الشّتاءَ حتى يُبرِّدَ
وحرارةَ الصيفِ حتى يتذوّقونَكَ .
صنَعتَ السَّماءَ البعيدةَ
حتى تُشرقَ عليها
( و ) حتى ترى كلَّ ما خلقتَه وحدَكَ .
الكلُّ يتطلّعُ إليك ( يا ) شمسَ اليومِ .
أنتَ تحيا في قلبي
لا أحدٌ يعرفُكَ هكذا
كما ( يعرفكَ ) ابنُكَ أخناتونَ .
منذ أسّــسْتَ الأرضَ
هيَّأتها من أجلِ ابنِكَ
الذي من ذاتِك أنتَ ، خرَجَ
ملكُ مصرَ العليا والسُّفـلى
سيّدُ التّيجانِ ، أخناتونَ ، طويلُ العمرِ
ولزوجته الملكيّةِ " نفرتيتي " .
============================
قصيدةُ قادِشَ
عندما حوصر الفرعون " رعمسيس II " في معركة قادِش ( تل النبي مندو ) على العاصي – نهر قدَش
( المقدس ) – قرب حمص - من قبل جيوش الحثّيين تحت قيادة ( موفاتالي ) – أيار من عام 1286ق.م. - وكاد يُؤسَر من قِبَلهم ، ناجى ربّه آمون – إله الشّمس – ليساعده ، واستطاع ، بشجاعته وبجهده النّجاة والعودة سالماً إلى مصر .
يُعتبر هذا الفرعون أهم من قام بالعمران في الإمبراطورية الجديدة ، وجدّد كذلك المعابد الموجودة قبل عصره . تمتاز الأبنية بالضخامة المفرطة التي فاقت كل ما كان معروفاً قبله ، ومن أهمها قبره ( 270 م طولاً X 70 م عرضاً ) في " طيبة " والمعبد الجبلي في " أبو سنبل " . يحتوي هذا المجمع الضخم من الأبنية على العديد من المشاهد الجدارية التي نقشت حول حروبه في سورية ، في العام الثامن من حكمه وتمثل تدميره لحصونها وكذلك حروبه ضد الحثيين ، وفي الجناح الجنوبي ثمّة مشاهد عن معركة " قادش " " العالمية ، التي ضمّ كل فريق منها أكثر من عشرين ألف محارب ، والتي أثّرت في مستقبل العلاقات بين مصر والإمبراطورية الحثّية لزمن طويل ، ومن هنا جاءت صفتها العالمية وتُظهر المشاهدُ بالتفصيل سيرَ المعارك كما وثقها الفرعون ولم تكن دوماً صحيحة كما نعرف اليوم عن سير المعركة .
كتبَ شاعرُ قصر ٍمصريّ مجهولٍ ، لاحقاً ، هذا النّشيد حول المعركة وابتهال الفرعون الذي يقول فيه :
" ماذا الآنَ يا أبي " آمون " ؟
هلْ نسِيَ الأبُ ابنَـه ؟
هلْ فعلتُ شيئاً من دونِكَ ؟
أناديكَ يا أبي " آمون "
أنا وسطَ ( أناسٍ ) غرباءَ لا أعرفهُم .
كلُّ البلدانِ تَحالفتْ ضدِّي
وأنا وحيدٌ ولا أحدَ معي .
مقاتلويَ هجروني
ولا أحدَ من مُحاربي عرباتِ قتالي
تَلفّتَ نحوي .
عندما ناديتُهم – صارخاً –
لمْ يسمعْني أحدٌ منهم .
ولكنّي أُنادي وأشعرُ
أنّ " آمون " أفضلَ إليَّ
من ملايينِ (المحاربينَ ) المشاة ِ
من مئاتِ آلافِ محاربي عرباتِ القتالِ
( أفضلَ لي ) من عشَرةِ ألفِ رجلٍ
منَ الأخوةِ والأبناءِ
الذينَ يقفونَ بثباتٍ ( معي ) .
عمَلُ الكثير من الناسِ ، لا شيءَ
" آمون " أفضلَ منهم .
لقد أتيتُ إلى هنا ( يا ) " آمون "
ولمْ أَحِدْ عن أفكارِكَ " .
==========
نقشتُ هذه القصيدة على أعمدة الجناح الأيمن الخارجي من القاعة الكبرى لمعبد " ا لكرنك " . وعلى لفافة بردى وصلتنا . بعد نجاة الفرعون واستجابة ربه " آمون " لدعائه ، وبعد أن أبدى شجاعة فائقة في المعركة أقسم أن يُطعِم خيولَ عربته بـيده ، لأنهم أخرجوه سالماً من حصار الأعداء له .
=========================
للمَزيد حول الموضوع انظر دراستنا المنشورة في " مجلة البحث الـتاريخي " الصادرة بحمص العدد 3/1984 وفي كتاب ( ندوة حمص الأثرية والتاريخية الأولى ) 11 / 1984 .
المرجع :
" مصر والشرق الأدنى في العصر القديم " المؤلف : إميل ناك – دار نشر اتحاد الكتب الألماني - شتوتغارت برلين – 1965 .
في حفريات تمّت في مدينة طيبة المصرية عثر في القسم الغربي منها على بناء مدرسة تضم عدداً كبيراً من الألواح التي كان التلاميذ يستعملونها ، وعثر على بعض منها على نصوص أدبية معروفة لنا من مواقع أخرى تتحدث عن حروب وانتصارات " رعمسيس II " وهذا أنموذجاً منها :
لو صلَّيتُ في أقاصي البلادِ ( البعيدة ِ )
لما وصلَ صوتي إلى أبعَدَ من " هِرمونِسْ " ( جبل حَرَمون ؟ )
( لكن ) " آمون " يسمعُني ويحضُرُ ، عندما أناديه .
يمدُّ يدهُ إليَّ ،فأصبحُ سعيداً
يناديني : إلى الأمامِ ، إلى الأمامِ ، أنا معَكَ ، أنا والدُكَ
يدي معكَ ، وأنا أنفعُكَ أكثرَ من مئة ألفِ رجلٍ .
أنا ، سيدُ النّصرِ الذي يحبُّ القوةَ
أنا استعدتُ شجاعتي ، قلبي يرتفعُ سعادةً .
================
ملاحظة : ترجمة النص هذا قمت بها ، كغيرها من النصوص عن الألمانية ، وفي هذا النص تحديداً عن ترجمة العالم ج . رودَرْ – G.Roedr " كما وردت في كتابه الموسوم بـ " المصريون والحيثيون " الصادر في مدينة " لايبزغ " – ألمانية عام 1919 ، ضمن تقريره عن معركة قادش .
الفرعون " تَحوتمِس - توت موسيس III "
الشاعر المصري القديم يدعو في قصيدته الإله " آمون " ، ليجعلَه يتحدث إلى الفرعون " توت موسيس III " – ( تحوتمِس ) إبّان غزواته للشرق الأوسط - ويقول :
" أتيتُ لأدعَكَ تدوسُ أمراءَ فلسطينَ
حتى يكونوا تحت عرض قدميكَ في بلادهم
حتى أُريهم جلالتَكَ كسيِّد متألقٍ
عندما تَشعُّ ، مثلي ، في وجوهِهم .
أتيتُ لأدعَكَ تطَـأُ (رؤوس ) سكان آسيا
( و ) تضرب رؤوسَ السوريين في ( موقع )
" ريتينو – Retenu "
حتى أُظهرَ جلالتَكَ ( بكامل ) زينتكَ
عندما تمسِكُ بسلاحِ الحرب في عربتِكَ .
* * *
أتيتُ لأدعَكَ تدوسُ بلَدَ الشرقِ
لتسحَقَ ( بقدميكَ ) سكانَ
منطقةِ " تو – نوتر - To – Nuter " (1)
( و ) لأدعَهم يرونكَ كالنّجمِ " سيشيد – Sesched "
عندما يَنشرُ لهيبَه ناراً ، ويجري نداهُ .
أتيتُ لأدعَكَ تدوسُ سكانَ بلاد الغرب
( جزيرتا ) " كريتا – Kreta " و " قبرص – Cypern "
في هَلَعٍ أمامكَ
لأدعَهمَ يروْنَ جلالتَكَ كثورٍ فتِيِّ
بقلبٍ ثابتٍ ، مسلّحاً بالقرونِ ، لا سبيل لمقاومتهِ .
* * *
أتيتُ لأدعَكَ تدوسُ سكانَ ( منطقة )
" مارشين – Marshen "
بلدان " ميتين – Meten " ترتجف خوفاً منكَ
لأدعهم يروْنَ جلالتَك كالتمساح
سيد الخوف في الماء ، ( الذي ) لا يُقتَربُ منه .
* * *
أتيتُ لأدعَك تدوسُ سكانَ الجزرِ
الذين سمعوا صرخةَ حربِكَ ، في وسط
" البحر الأخضر " الكبير
لأدعَهم يروْنَ في جلالتِك المنتقِمَ
الذي يظهرُ منتصراً ( واقفاً ) على ظهر أعدائه المهزومين
أتيتُ لأدعَك تدوسُ اللّيبيينَ
الـ " أوزينتيو – Uzentiu " استسلموا (2 )
لسيطرتِكَ الشجاعةِ
سأريهم جلالتَك كأسدٍ ناريِّ العينينِ
عندما تُحيلُهم إلى جثثٍ في واديهم
أتيتُ لأدعَك تدوسُ أقصى نهاياتِ البلدانِ
ما يحيطُ المحيطُ ( من البلدان ) تمسكه بقبضتِكَ
سأريهم جلالتَك كسيِّد الأجنحةِ (3 )
الذي يقبض على ما يراهُ وكما يرغبُ .
* * *
أتيتُ لأدعَك تدوسُ سكانَ البلدانِ القريبةِ
لأدعَك توثقُ سكانَ الرّمالِ كأسرى أحياء
لأريهم جلالتَك لـ " شاكال - Schakal "( 4 )
من " شاكالاتِ " من مصر العليا
كسيّدِ السّرعةِ " كعدّاءٍ يجولُ البلدين ( 5 ) .
أتيتُ لأدعَك تدوسُ بَدْوَ ( بلاد ) النّوبةِ
حتى " شِت – Schet " كما كلُّ شيءٍ في قبضتِكَ
حتى أريهم جلالتَكَ كأخويْكَ ( 6 )
( الذين ) وَحّدتُ أيديهم في النّصر ( لأجلكَ ) .
========================
( أنشودةُ حبِّ شعبيّةٍ )
فيها ( الحديقة ) ورودٌ حمراءُ
تحْمرُّ خجلاً أمامَكَ
أنا حبيبتُكَ الأولى.
أنا لكَ كالحديقـةِ
زرعتُها بالورودِ
وبكلِ أصنافِ الشُّجيراتِ
ذواتِ الرَّوائحِ العذبةِ .
مثيرةٌ حفرةُ الماءِ فيها
التي حفرَتها يداكَ .
عندما تهبُّ ريحُ الشَّمالِ الباردةِ
( على ) المكانِ الرَّائعِ الذي أجولُ فيه
يداً بيدٍ معكَ
يمتلأُ قلبي سعادةً
لأننا نجولُ معاً .
يُخدِّرني سَماعُ صوتِكَ
وأنا أحيا ، لأنني أسمعـه
وكلّما رأيتُكَ
كانَ أفضلَ لي من الطّـعام والشّرابِ .
==========
الخَـلْقُ
كمْ هي متنوِّعة أعمالُكَ
إنّها محجوبةٌ عنّا
أيّها الإلهُ الأوحَد ، الذي لا أحدَ له قوّتُهُ
خَلقتَ الأرضَ ( العالَمَ ) استناداً إلى رغبتِكَ
عندما كنتَ وحيداً :
الإنسانَ ، الحيوانَ ، كبيرَهُ وصغيرَهُ
كلَّ شيءٍ يمشي على الأرضِ
ما يمشي على قوائِمَ
كلَّ شيءٍ ( موجودٍ ) هناكَ في الأعالي
ما يطيرُ بأجنحتِهِ
( خلقتَ ) البلدانَ ، سوريةَ والنّوبةَ
وبلدَ مِصرَ
جعلتَ كلَّ شخصٍ في مكانهِ
وأعطيتهم ما يحتاجونهُ .
لكلِّ ملكيّتَهُ
وأيّامَهمُ معدودةٌ .
ألسنَـتُهم تَنطِقُ لغاتٍ مختلفـةً
وأيضاً أشكالُهم وألوانُهم مختَلفـةً
نعم ، لقد جعلتَ البشرَ مختلفينَ .
================
- نصّ من عصر ( الرّعاميس ) ، ربما من زمن رعمسيس III ( 1250 – 1168 ق.م. ) .
- أُلقيت محاضرةً في " جمعية العاديّات-حمص " بتاريخ 26/2/2008 .