التوحيد في مناسك الحج
عبد الله بن صالح القصير
لبيك اللهم لبيك
</SPAN>
الحج توحيد كله في مقاصده وأذكاره وأعماله، فأهم شروط قبوله أن يبتغي به وجه الله تعالى؛ ذلك لأن الإخلاص شرط لقبول جميع العبادات، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]. وقال I: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]. وقال I: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. فهو حق لله تعالى على العباد مرة في العمر.. لشرطه، والإخلاص أداء حق الله تعالى إليه وعدم الالتفات بشيء فيه إلى الخلق، فمن جمع بين الإخلاص في القصد واتباع السنة في الكيفية فقد جمع أسباب القبول والمثوبة، قال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].
والتلبية هي شعار الحج - توحيد صريح؛ لأنها تتضمن التصريح بإجابة الله وحده ونفي الشريك عنه والثناء عليه بأن الحمد والنعمة والملك لله وحده لا شريك له، وفي ذلك براءة من تخليط المشركين وتنقصهم لرب العالمين، حيث كانوا يقولون في تلبيتهم: (لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك). فيشركون في التلبية ويجاهرون بالشرك. من أجل ذلك جاء شعار الحج التوحيد الصريح: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لا شريك لك). وفي الصحيح عن النبي r قال: "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ورمي الجمرات لإقامة ذكر الله تعالى"؛ ذلك لأن جميع هذه الشعائر المعظمة والمشاعر المحترمة إنما تقصد على وجه التعبد لله تعالى، والتقرب إليه I بما شرع من النسك فيها، وذكر الله تعالى هو توحيده أي إفراده فيما هو مختص به، وعدم قصد غيره في شيء من عبادته.
وقد ثبت في السنة الصحيحة أن النبي r وقف على الصفا والمروة وفي عرفة والمشعر الحرام وعند الجمرة الصغرى والوسطى، ودعا الله تعالى رافعًا يديه يكرر ذلك، والدعاء هو العبادة؛ لأن أدل وأجعل مظاهره العبودية والافتقار والاضطرار إلى الله U.
ومن مقاصد الأذان بالحج أن يأتي الناس من كل جهة رجالاً وركبانًا ليشهدوا منافع لهم، ومن ذلك ذكرهم الله تعالى على ما رزقهم من بهيمة الأنعام في الأيام المعلومات والمعدودات؛ فإن النسك من أعظم مظاهر التوحيد والعبودية لله تعالى من العبيد، وقد جعل الله تعالى النحر قرين الصلاة، وأثنى به على المؤمنين؛ لأنه من أجلِّ الأعمال الصالحات.
وهكذا أيام منى فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله U، وذكر الله هو توحيده بالأقوال والأعمال والمقاصد والأحوال، وبهذا يتجلى أن الحج توحيد كله وجهاد من أجل توحيده... ولذلك كان خامس أركان الإسلام، وكان أداؤه لله -تعالى- وعلى الكيفية المأثورة عن نبيه r مع اجتناب الرفث والفسوق والجدال، من أسباب محو الآثام ودخول الجنة دار السلام وسعة الرزق ومرضاة الحق.
فهنيئًا لمن أدى فرضه على وجه الإخلاص والإحسان، وتنفَّل به ما أمكن طاعةً للملك الديان
. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الحج ومغفرة الذنب وسعة الرزق والنجاة من النار، ودخول الفردوس مع الأخيار، وأن يجمعنا والمسلمين بمنافعه العاجلة والآجلة، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر: موقع الألوكة.