خطة لقتله r !!
وأحياناً يخبر r بشيء وقع .. لكنه وقع في موضع غائب عنه ..
كأن يخبر بشيء وقع في مكة .. أو فارس .. أو اليمن ..
ومن ذلك :
بعد معركة بدر وهزيمة مشركي قريش فيها ..
رجع كفار قريش إلى مكة ..
وقد قتل منهم من قتل .. وأسر من أسر ..
كانت مصيبة عظيمة على قريش ..
أقبل عمير بن وهب .. إلى الكعبة فرأى صفوان بن أمية جالساً في الحجر في ظل الكعبة ..
فجلس عمير إليه ..
وجعلا يتبادلان الآهات .. فكلاهما مصاب .. عمير ابنه مأسور .. وصفوان أبو مقتول ..
فقال صفوان : قبح الله العيشَ بعد قتلى بدر ..
قال عمير : أجلْ .. والله ما في العيش خير بعدهم ..
ثم تحمس عمير فقال : لولا دينٌ عليَّ .. لا أجد له قضاء .. وعيالٌ لا أدع لهم شيئاً .. لرحلت إلى محمد فقتلته .. إن ملأت عيني منه ..
فإن لي علة أعتل بها إن دخلت المدينة .. أقول : قدمتُ على ابني أفدي هذا الأسير ..
فرح صفوان بقوله .. وشعر أنها فرصة للانتقام ..
فقال : عليَّ دينُك .. فأنا أقضيه .. وعيالك أسوة عيالي في النفقة .. فاذهب إلى محمد فاقتله ..
شعر عمير أنه أوقع نفسه في فخ .. ولكن لا سبيل للتراجع ..
قام صفوان مسرعاً .. وجهز لعمير راحلة .. ودفع إلى عمير سيفاً مصُقِولاً مسموماً ..
وودع عمير أهله .. ومضى يسير مغادراً مكة وقد تكون نظراته إلى بيوتها وجبالها هي النظرات الأخيرة ..
وصل عمير إلى المدينة ..
توجه إلى المسجد ..
نزل عند بابه .. وعقل راحلته ..
وتناول سيفه المسموم .. وعلقه في عنقه ..
ودخل المسجد .. وتوجه إلى رسول الله r ..
رآه عمر .. فصاح : هذا عدو الله .. الذي حرَّش بيننا يوم بدر ..
انطلق عمر ليمنعه من الوصول إلى رسول الله .. لكنه وصل ..
وقف عمير بين يدي النبي r ..
وكانت خطته .. أن يغافل النبي r .. ويضربه فجأة بالسيف ويقتله .. ثم لا يهمه ما يقع بعد ذلك .. فقد قضى دينه .. وأمّن عياله ..
مسكين .. كان يظن المسألة سهلة إلى هذه الدرجة !!
نظر النبي r إلى عمير .. ورأى السيف معه .. فقال :
ما أقدمك ؟
كان عمير متوقعاً هذا السؤال .. وبالتالي فالجواب جاهز .. قال :
ابني أسير عندكم .. وجئت أفتديه .. ففادونا في أسرائنا .. فإنكم العشيرة والأهل ..
فقال r : فما بال السيف في عنقك !!
فعلاً!! من جاء ليفتدي أسير يعلق في عنقه كيس مال .. لا سيفاً ..
فقال عمير : قبحها الله من سيوف .. فهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر ..!! إنما نسيته في عنقي حين نزلت ..
فقال له رسول الله r : اصدقني .. ما أقدمك ؟؟
قال : ما قدمتُ إلا في أسيري ..
فقال r : فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر .. ؟؟
ففزع عمير .. وقال : ماذا شرطت ؟!!
قال : تحملت له بقتلي .. على أن يعول بيتك .. ويقضي دينك .. والله حائل بينك وبين ذلك ..
انتفض عمير .. وعجب كيف علم النبي r بخبره مع صفوان !
فقال : أشهد أنك رسول الله .. وأن لا إله إلا الله ..
كنا نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء ..
وهذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر .. لم يطلع عليه أحد غيري وغيره .. فما أأخبرك به إلا الله .. ([1])
ودخل عمير في الإسلام .. وصار من خيار المسلمين ..
فهذا من آيات نبوة محمد r التي رآها عمير فدخل في الإسلام بسببها ..
* * * * * *
الشاة المسمومة !!
وكذلك ما وقع منه r مع اليهود لما أرادوا قتله ..
فإنه r وقعت له غزوة إلى اليهود في خيبر .. فحاصرهم .. حتى طال الحصار ..
ثم استسلموا .. ودخا عليه الصلاة والسلام فاتحاً ..
فأقبلت امرأة يهودية حاقدة .. وطبخت شاة .. وشوتها .. وجعلت فيها سماً ..
ومن حقدها سألت : أي الشاة أحب إلى محمد ؟
فقيل لها : الذراع ..
فزادت السم في الذراع ..
فلما استقر r مع بعض أصحابه في خيبر ..
أقبلت اليهودية بطعامها .. ووضعته بين يدي النبي r وأصحابه .. وزعمت أنه هدية لهم !!
عجباً !! هل رأيت أحداً يهدي الموت ؟!
كان الصحابة جائعين .. وكذلك كان r .. حصار طويل .. وزاد قليل .. وحر وتعب .. ثم شاة مشوية !!
وضع لصحابة أيديهم آكلين ..
ورسول الله r أخذ قطعة من الذراع فرفعها إلى فمه الطاهر .. ونهش من لحمها نهشة ..
وفجأة صاح بأصحابه .. أن يتوقفوا عن الأكل ..
فتوقفوا .. مندهشين ..
ثم قال r : اجمعوا إليَّ من كان هاهنا من يهود ..
فجمعوهم له ..
فقال r : إني سائلكم عن شيء .. فهل أنتم صادقي عنه ؟
قالوا : نعم ..
فقال r : من أبوكم ؟
كان لهذه القبيلة من اليهود جد .. لا يفتخرون بالانتساب إليه .. فيدعون الانتساب إلى جد آخر ..
فقالوا : أبو نا فلان ..
فقال r : كذبتم .. بل أبوكم فلان ..
قالوا : صدقت ..
قال : فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه ؟
فقالوا : نعم .. يا أبا القاسم .. وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ..
فقال لهم : من أهل النار ؟
قالوا : نكون فيها يسيراً .. ثم تخلفونا فيها ..
فقال r : اخسئوا فيها .. والله لا نخلفكم فيها أبداً ..
ثم قال : هل أنتم صادقي عن شيء .. إن سألتكم عنه ؟
قالوا : نعم .. يا أبا القاسم ..
فقال : هل جعلتم في هذه الشاة سماً ؟
قالوا : نعم .. نعم ..
قال : ما حملكم على ذلك ؟
قالوا : أردنا إن كنت كاذباً .. نستريح منك .. وإن كنت نبياً لم يضرك ..
ولكن !! من أخبرك ؟
فرفع r الذراع وقال : أخبرتني هذه الذراع .. ([2])فصلوات ربي وسلمه عليه .. حتى الذراع أنطقها الله .. لما لم ترد أن تضر نبيه r ..
* * * * * *
ربي قتل ربكما !!
ومن إخباره r أيضاً بالمغيبات ..
أنه r بعث عبد الله بن حذافة t إلى كسرى ملك الفرس .. يدعوه إلى الإسلام ..
وصل الكتاب إلى كسرى .. وهو ملك عظيم في قومه .. يملك فارس كلها .. إيران .. وأفغانستان .. وباكستان .. وغيرها ..
فلما قرأ كسرى الكتاب غضب .. ومزق الكتاب .. وقال :
يكتب إليَّ بهذا الكتاب وهو عبدي ..!!
كان كسرى متكبراً متغطرساً .. فلم يكتف بتمزيق الكتاب .. لا .. وإنما كتب إلى أمير اليمن باذان :
بلغني أن في أرضك رجلاً تنبأ .. فابعث إليه من عندك رجلين جلدين فليربطاه وليأتياني به ..
فبعث أمير اليمن باذان رجلين .. ليربطا النبي r ويحضراه إليه !!!
خرج الرجلان حتى قدما المدينة .. فدخلا على رسول الله r ..
فقالا له : انطلق معنا .. وإن أبيت فكسرى مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك ..
فنظر إليهما النبي r .. فإذا هما قد حلقا لحاهما وأبقيا شواربهما..
فكره النظر إليهما .. وقال : ويلكما !! من أمركما بهذا ؟؟
قالا : أمرنا بهذا ربنا .. يعنيان كسرى ..
فقال r : لكن ربي عز وجل .. أمرني بإعفاء لحيتي وبقص شاربي ..
ثم قال لهما بكل هدووووء :
ارجعا حتى تأتياني الغد ..
وجاء الوحي إلى رسول الله r .. أن الله سلط على كسرى ابنه فقتله ..
فلما أتيا رسول الله r قال لهما :
إن ربي غضب على ربكما فقتله .. فدمه في نحره ساخن الساعة ..
يعني : مات الآن ..!! فلا يزال دمه يجري منه حاراً ..
فاستعظما الأمر .. وقالا له : هل تدري ما تقول ؟! أنكتب بهذا عنك ؟ أنخبر الملك به ؟
فقال r بكل ثقة : نعم .. أخبراه ذلك عني ..
إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى .. وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ..
إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء ..
فخرج الرجلان من عنده r .. يخبان السير إلى اليمن .. حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر ..
فإذا هو لم يبلغه ما وقع في فارس لبعد المسافة ..
فقال باذان : والله ما هذا بكلام ملك .. وإني لأرى الرجل نبياً كما يقول .. ولننظرن ما قد قال .. فلئن كان ما قد قال حقاً فإنه لنبي مرسل .. وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا ..
فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه ابن كسرى .. يخبره أنه صار الملك .. ويأمره بالطاعة ..
فنظر باذان في وقت مقتل كسرى .. فإذا هي الساعة التي أخبر النبي r بها الرجلين ..
فقال باذان : إن هذا الرجل لرسول الله .. ثم أسلم باذان لله تعالى .. وأسلم أهل اليمن ..([3])
* * * * * *
( [1] ) أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه .
( [2] ) رواه البخاري عن أبي هريرة .
( [3] ) ذكره ابن إسحاق في السيرة .