هناك فرق شاسع بين نضج العاطفة وعاطفة النضج !
فعاطفة النضج هي شربة الماء الأخيرة في صحراء الأيام
هي كسرة الخبز الأخيرة على طريق العمر!
وانت عاطفة النضج / شربة الماء الاخيرة /كسرة الخبز
فاجأتني في مرحلة موحشة من العمر/ كرصاصة طائشة أصابتني وانا نائمة !
جاءتني بغتة / وداهمتني على غفلة مني / فأرعبتني رعب النائم المغدور!
نعم ارعبتني !
لانك أعدتني الى السطر الاول من الكتاب الاول من العمر الأول من المرحلة الأولى !
لانك الى أعدتني إلى النبض الأول في الحلم الأول في التجربة الأولى في الحكاية الأولى!
لانك سحبتي من الخلف عكس إتجاه الزمن !
قددت قميصي من دبر / وأدخلتني المدرسة الثانوية للبنات
أقعدتني على المقعد الخشبي بالزي المدرسي
وخلف ظهري حقيبة الكتب / وأمامي السبورة السوداء
وبجانبي رفيقة مراهقتي تسكب في أذني / وأسكب في اًدنيها لذيذ الأسرار !
لانك عبثت بمراحل عمري / وتصفحت مراحلي بفضول
فأعدتني إلى المرحلة الجامعية إلى قلق البداية / الى اليوم الدراسي الاول!
الى المظروف الأصفر الذي كتب عليه (طالب مستجد)
الى رهبة المدرجات ودفء المدرجات /وذكريات المدرجات وحنين المدرجات !
لأنك فتحت نوافذ القلق بي على مصراعيها
لأنك جردتني من برودة عواطفي / وبرودة أحلامي / وبرود غضبي وبرود اعصابي/ !
لأنك عبثت بفصول مشاعري / فجئتني بالشتاء قبل الشتاء /
والصيف قبل الصيف / والربيع قبل الربيع والخريف قبل الخريف !
لانك نسفت ذائقتي في الرجال
فماعادت وسامة الرجل تعنيني /ولا تحضره هاجسي الوحيد
ولا قصر قامته أعظم مصائبي / ولا قلة ثقافته أكبر همي!
لأنك جئتني بالأنثى التي أطلقت سراحها مني / و فررتُ سنوات منها
وهزمت بي الرجل الذي صنعته في داخلي من تمر أحزاني / وعشت متنكرة به!
لانك جددت علاقتي باهتمامات المرأة / فأعدتني إلى قافلة النساء
وسرب النساء ..وشؤون النساء / وأحاديث النساء وأسرار النساء
وأحذية المرأة وفساتين النساء / و حقائب النساء وأسواق النساء /
وسخافات النساء!
لأنك عرضتني لارهاق تكرار التجارب/ فكررت في عمري تجربة البلوغ
وتجربة المراهقة وتجربة الاشواق وتجربة الافتقاد / وتجربة الاحتراق !
لأنك أايقظت بي خبث الأنثى وكيد الأنثى
لانك جعلتني أخطط كيف اراك / وكيف أخترع الأسباب كي أمر على بابك
وكيف أتخلص من فردة حذائي حين تكون أنت خلفي !
أرعبتني .......!
لأنك جعلتني أعيد اكتشاف وجودي / و أطيل النظر إلى يدي
واطيل النظر الى اناملي / واطيل النظر الى عيني
و أرى من تفاصيل جسدي / وهالات إرهاقي وخطوط وجهي مالم أكن أرى !
وزرعتني فوق فوهة البركان فجعلتني أراقب تفاصيل الهاتف /رنين الهاتف
ومكالمات الهاتف / واضاءات الوارد ... واهتزازات الصادر !
لانك جعلتني أتدرب على الجرأة / وعلى القسوة / وعلى الحدة /
وعلى الشدة !
كي أستر أمامك مشاعري / و أبدو في حضورك الأصلب والأقوى!
لأنك أعدتني إلى عادة السهر وعادة القلق / وعادة القهوة /وعادة التفكير
وعادة التفسير / وعادة استرجاع المواقف وعادة قضم الاظافر وشرود الذهن!
لانك زرعتني على محطات الليل / و محطات السهر ومحطات التعب
وصلبتني على عتبات الانتظار / والاحتضار.. والشتاء .. والبرد
وأعدتني الى فيروز وعبدالحليم وأم كلثوم!
واصوات عشق دافئة هجرتها ذات وهن / خشية ان توقظ عميق الجروح بي!
لانك ذكرتني بفرسان الزمن الجميل / بالناصريين !
بالهتافات العربية القومية بالدم الواحد والمصير الواحد /
بالارض التي كانت تتحدث العربية !
لانك علمتني التمثيل والتزييف والتزوير / فمثلت كراهيتك ومثلت تجاهلك !
ومثلت رفضك ومثلت النفور منك وأخفيت عنك ارتباك وخفقان وتلعثم
وبرودة أطراف وارتعاش روح!
لانك اعدتني الى تفاصيلي الصغيرة / الى مشط الصندل الخشبي !
الى عروستي التي لم تكبر معي / الى شرائط شعري الملونة / الى قلم الكحل !
الى علبة التجميل الى زجاجة العطر!
لانك نبهتني للنصف الفارغ من السرير / وللوسادة الخالية في النصف الفارغ
وللجانب المخيف من الشتاء
وللساعات المخيفة من الليل وللمراحل المرعبة من العمر!
أرعبتني !!
لانك نبهتني ان الذاكرة مرحلة / وان الشباب مرحلة / وان الجمال مرحلة!
وان النضارة مرحلة / وان الصحة مرحلة
وان الانوثة مرحلة وان الربيع مرحلة !
لانك دفعتني الى الشعور ان العمر فرصة / وان الفرح فرصة وان الامان فرصة /!
وان القطار فرصة / وان الامومة في منتصف العمر فرصة !
لانك جعلتني افكر في عكازات العجز / وسنوات الانحناء وخطوات الوهن /!
ووحشة الخريف وانتكاس الخلق / وارذل العمر
لانك اربكتني بعد السنوات/ ومراقبة الأيام / وتقصي الشعيرات البيضاء!
وانكماش الجلد / والانتكاسات والاحباطات والهزائم !
لانك قلصت المساحات بي / فأصبحت مساحة الجرأة اصغر
ومساحة المواجهة اصغر ومساحة الامان اصغر /
ومساحة القوة اصغر ومساحة الهدوء اصغر !
لانك ضفرت شعري وخلعت حذائي / واطلقتني حافية القدمين في طرقات طفولتي !
واعدتني الي الحي القديم!
الى ازقة كبرت بها وممرات دفنت شقاوتي بين زواياها
فدخلت المنازل المهجورة / وبحثتُ عن جدي وجدتي
وعن المسن صاحب الذقن البيضاء / بكيت على اطلال زمن
بقيت منه الجدران والاوراق والرسوم والصور!
ارعبتني
لانك جئتني بالاحساس الصح في التوقيت الخطأ / والمكان الخطأ والعمر الخطأ !
لانك جئتني بعد ان وهنت صحة الأحلام بي / وأصبحت السفينة في آخر البحر !
أتدرك ماذا يعني ان توهن صحة الأحلام بنا ؟
أتدرك أي ألم يخلفه موت الأماني بنا ؟
أتدرك أي سخرية يزرعها وصول السفن المتأخرة بنا !
أرعبتني جدا .... !
فهنا كان بحر / وهنا كانت سفينة / وهنا كانت أماني / وهنا كانت أنثى !
أنثى في حالة انتظار وترقب !
أنثى انتظرت السفينة حتى جف البحر / ولم تغادر المرسى
كانت قدماها مقيدة برمال الشواطىء
وكانت عند كل غروب / تقبل البحر قبلة الحياة
كانت تمنحه انفاسها عله يعود للحياة يوما
فحكايات الجدة علمتها ذات طفولة ان البحر لايموت !
انثى البحر هذه ياسيدي كانت أنا
وانا كنت مختلفة بينهم حد الغربة والغرابة / فلم أشعر يوما ان هذا الزمن زمني
كنت في حالة غربة دائمة !
لم يكن لمساحات الوحشة في داخلي حدود!
كنت أشعر اني بقايا زمن ما !
زمن رحلت السفينة بأهله أجمعين / وبقيت وحدي !
لهذا كنت أطيل النظر الى البحر طويلا !/ وعيني معلقة بآخره
كالمرتقبة لوصول سفينة ما!
سفينة غادرت ذات زمن / وكان يجب ان اكون على متنها!
فعشت عمري أغلبه / وفي داخلي شعور بحنين مؤلم لزمن آخر!
لوجوه أخرى / لـ أصوات أخرى / لــ أرواح أخرى !
فدائما كان في أعماقي انثى تنادي سفينة نوح برعب تائه!
وكثيرا ماكنت اتساءل لماذا رحلت السفينة بدوني؟
لماذا نسوني ورحلوا
واي غفوة غفوتها عنهم / فدفعت ثمنها زمن بأكمله!
فكل شىء في هذا الزمن ياسيدي لا يشبهني
والله لايشبهني!!
فمازال طول ضفائري يثير دهشتهم !
ضفائري التي أطلتها حتى كادت تلامس الارض
برغم يقيني ان لاأمير سيقف خلف شرفتي!
ولا امير سياتي يوما لانقاذي من زنزانة زمن لاتشبهني تفاصيله
فلم يكن الأمير يوما في أحلامي
كنت أنفر من كل ارتفاع يسرقني من الأرض/ كنت أنفر من كل حلم مطلي بالذهب
كنت انفر من كل رجل لايمت للبساطة بصلة
لهذا عشقت بن الحطاب كثيرا/ وعشقت بن الصياد كثيرا
وعشقت اسمر القبيلة كثيرا !
فهؤلاء كانوا فرساني ياسيدي
ففي احلامي كنت في حالة بحث عن رجل يمنحني الحب قبل المال
والامان قبل الحب!
وفرساني كانوا ورق في حكاية
كانوا اشبه بحالة من مستحيل
كان يفصل بين اقدامهم والارض مساحات مرعبة من الوهم
لهذا عشت غريبة في زمن لاتهتم حكاياته بتفاصيل الامان كثيرا
وليس للامان في زوايا حكاياته اثر!
فأصبحت انثى الغرابة في نظرهم / واصبحوا يتهامسون بغرابة أحلامي !
ففي زمن القصور / حلمت بكوخ ورد صغير !
وفي زمن التكنولوجيا / حلمت بحمام زاجل !
وفي زمن الايميل كنت أحنُ الى غبار رسائل البريد الورقية!
وفي زمن البواخر واليخوت / حلمت بقارب خشبي صغيرا !
وفي زمن الاحجار الكريمة حلمت بأساور الفل وعقود والياسمين
وحين حلموا بالوصول الى الكواكب الأخرى / حلمت أنا بالوصول إلى جزيرة ( فلونة ) !
وحين تقاتلوا على ملذات الحياة / كنت أقاتل من أجل حكاية حب بيضاء!