يمرّ العظم بعملية تسمى «إعادة التشكيل» على مدى حياة الفرد؛ إذ تتحلل العظام القديمة وتستبدل بعظام أخرى جديدة وقوية. والاهتمام بالغذاء الجيد المتوازن منذ الطفولة حتى سن الثلاثين تقريباً، من حيث تناول المواد البروتينية وكذلك شرب الحليب الغني بمادة الكالسيوم والتعرض للشمس، من أهم العوامل الأساسية لبناء وتقوية العظام. ومن المعروف أن النسيج العظمي يتكون من مادة بروتينية تسمى «الكولاجين» وهي مادة تحفظ للعظم هيئته وتديم مرونته، وكذلك يحتوي على الكالسيوم والفوسفات اللذين يكسبان العظم القوة والصلابة.
وفي تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» تحدث الدكتور عبدالمعين بن عيد الآغا أستاذ مساعد كلية الطب واستشاري طب الأطفال والغدد
الصماء والسكري بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، مشيرا الى أنه ثبت علميا أن النسيج العظمي يكون في أقصى حالات البناء منذ الطفولة حتى بلوغ سن الثلاثين، فإذا بلغ المرء سن الثلاثين فإنه يصل إلى الحد الذي تكون عنده العظام أكثر قوة وصلابة. وبعد سن الأربعين تبدأ صلابة العظم في الانخفاض تدريجيا على مدى سنوات عديدة حتى تصبح العظام أكثر رقة وهشاشة وذلك مع زيادة عمر الإنسان. وقد ارتبط مرض وهن العظام وهو نفس مصطلح هشاشة العظام Osteoporosis باشتعال الرأس شيبا، بمعنى زيادة عمر الإنسان وكبر سنه.
ويواصل الدكتور عبدالمعين الآغا أن هذا المرض لم يعد يقتصر في العصر الحاضر على كبار السن فقط بل تجاوز ذلك الى صغار السن (الأطفال) وذلك للأسباب التالية: ثبت أن بعض الأمراض الوراثية مثل مرض أوستيوجنسيس إمبيرفكتا Ontogenesis Imperfecta يصيب العظام بالوهن منذ تكوين العظام داخل الرحم ويستمر هذا المرض بعد الولادة. وفي الحالات الحادة قد يؤدي إلى وفاة الطفل في السنوات الأولى من عمره بسبب كسور حادة في الجمجمة. وهذا المرض ينشأ بسبب نقص وراثي في مادة الكولاجين المسؤولة عن قوة العظم وحمايته من الكسور، وقلة أو عدم تناول الحليب بالكميات المطلوبة خلال فترة بناء العظم؛ فالحليب غني بالمواد البروتينية وكذلك بعناصر الكالسيوم والفوسفات، وكذلك قلة أو عدم التعرض لأشعة الشمس الضرورية لتكوين فيتامين (د) داخل جسم الإنسان.
وقلة الحركة وقلة ممارسة الرياضة من العوامل التي تساعد على هشاشة العظام، ونقص الوزن الحاد أو ضعف البنية؛ فكلما كان الشخص نحيفا إلى حد غير عادي يكون العظم أكثر عرضة للإصابة بوهن العظام، وكذلك العلاج الطويل بمركبات الكورتيزون؛ فهناك أمراض كثيرة في عصرنا الحاضر تحتاج إلى العلاج الطويل الأمد بمركبات الكورتيزون مثل (أزمات الربو الشعبي الحادة المتكررة، التهاب المفاصل الروماتيزمي، الذئبة الحمراء، مرض الزلال البولي Nephrotic Syndrome والتهابات الأمعاء Inflammatory Bowel Disease وكذلك أمراض المناعة الذاتية. هذه الأمراض من أكبر العوامل التي تؤدي إلى هشاشة العظام عند الأطفال والمراهقين.
ومن ذلك أدوية الصرع بأنواعها المختلفة لفترات طويلة، وأيضا بعض أمراض الغدد الصماء مثل النشاط الزائد للغدة الدرقية، والنشاط الزائد للغدة الجار درقية، والنشاط الزائد للغدة الكظرية ومتلازمة كوشنج Cushing"s syndrome وأمراض الكبد.
وهناك أسباب غير معروفة تصيب عظام الأطفال والمراهقين بالهشاشة مثل مرض Idiopathic Juvenile Osteoporosis
ويؤكد الدكتور عبدالمعين الآغا أن أسس الوقاية من مرض هشاشة العظم عند الأطفال تتمثل في طرق بناء عظام قوية وسليمة وحمايتها من التلف وفقدان صلابتها خلال فترة بناء العظم القصوى والتي تبدأ منذ الولادة حتى سن الثلاثين تقريباً. ويمكن لأي طفل أو مراهق أن يتخذ التدابير اللازمة لبناء عظامه بقدر عال وذلك كما يلي: التغذية الصحية المتوازنة، والتركيز على المواد البروتينية وشرب الحليب، بمقدار كوبين يوميا (500 مليلتر من الحليب)، وتجنب شرب المشروبات الغازية، فلقد ثبت علميا أن مادة الكافيين الموجودة في المشروبات الغازية مثل مشروبات الكولا تعيق امتصاص الفوسفات الضروري لبناء العظم، مع التعرض لأشعة الشمس غير الحارقة يوميا لمدة 15-20 دقيقة، ويجب التنبيه على عدم التعرض لأشعة الشمس في فترات الظهيرة وعندما تكون الشمس عمودية وذلك تلافيا لحدوث ضربات الشمس. وكذلك الرياضة اليومية سواء كانت مشيا أو جريا أو سباحة، وتناول الكالسيوم وكذلك جرعة وقائية من فيتامين (د) بمعدل 400 وحدة دولية يوميا وذلك إذا تعذر شرب الحليب أو التعرض للشمس. ويجب التنبيه على أن الأغذية التالية تعتبر مصدرا جيدا لفيتامين (د) وهي: الكبد، زيت السمك، الحليب ومشتقاته المعززة بفيتامين (د).
وأخيرا يجب التنبيه على أن مرض هشاشة العظام Osteoporosis مختلف عن مرض لين العظام Rickets فالأول مرض يصيب كتلة العظم وكثافته والأخير يكون بسبب قلة ترسبات الكالسيوم أو الفوسفات في العظم وكلاهما مختلف في الأعراض المرضية وطرق العلاج.