2-جفاء اللقاء الأول
22222222222222222222222222
قرأت ستاسي علامة الطريق التي كتب عليها : ماكلاود _ 10 أميال ,ثم أحنت ظهرها , وفردت عضلاتها المتقلصة , فقد أثرت فيها قيادة السيارة لمدة يومين ونصف .ولكنها كادت أن تصل , نظرت في مرآة السيارة...لم يظهر الإجهاد إلا في عينيها , وكانت ثيابها المكونة من بنطلون زيتوني وقميص أصفر ليموني محتفضة برونقها . فيما سترتها المكملة للبنطلون في المقعد الخلفي إلي جوار كلبها النائم.
كان حصانها هادئا في مقطورة خاصة ملحقة بالسيارة بعد أن أثار ضجة عندما شحنته في بيكوس.
أبطأت ستاسي من سرعتها وهي تقترب من المدينة وتستوعب معالم المنطقة , ووقفت عند محطة بنزين علي مشارف المدينة . أشارت لكلبها أن يتبعها . أعجبت ستاسي بنظافة المكان علي رغم من قدم المبني . وجاءها فتي من المكتب وفي عينيه نظرة إعجاب لم تلحظها وسأل :
"هل أملأها ياآنسة؟"
أجابت مبتسمة للهجته الجنوبية الرقيقة:
"نعم من فضلك , وافحص تحت غطاء السيارة ".
تركت ستاسي الكلب يلهو إلي جوار المحطة , ودخلت المكتب هربا من لظى الشمس فوجدت رجلين بالداخل, أحداهما وهو الأكبر سنا , يرتدي ثياب العمال . أما الآخر فكان ظهره إليها , وكان يرتدي بنطلونا أزرق وقميصا ذا مربعات . كان شعره داكنا من السواد تحت قبعته البنية التي بقعها العرق . وحجبت قامته الطويلة وعضلاته القوية ستاسي عن نظر العامل , إلي أن مشت جانبا إلي الطاولة حيث وضعت بعض الحلوى . وقال العامل:
" عن إذنك يا كورد . هل يمكنني معاونتك ياآنسة ؟"
" نعم , أريد قطعة من هذا الشوكولا تة ".
"بالتأكيد .لا تظنيني متطفلا ياآنستي , ولكن لكنتك تنم عن أنك لست من هذه المنطقة ؟"
ضحكت ستاسي وقالت:
" لم أكن أعرف أن لدي لكنة خاصة , ولكن هذه مسألة نسبية . إنني من نيويورك وساقضي الصيف هنا ,هل يمكنك أن تدلني علي عائلة تدعي نولان .فقد استأجرت كوخ الصيد الخاص بهم".
في هذه اللحضة استدار الرجل الثاني إلي ستاسي , ودهشت لنظرة العداء البادية في عينيه , وشعرت بالحيرة, وسمعته يودع العامل ويخرج إلي سيارته الجيب . ماذا فعلت لتستحق تعبير العداء في عينيه؟ حاولت التخلص من التفكير في نظرته , واستدارت للعامل الذي كان يخاطبها قائلة:
"آسفة . ماذا قلت ؟"
" قلت إن آل نولان يديرون دكان البقالة في المدينة ".
ثم وصف لها كيف تصل للدكان وشكرته.
دخل الفتى الذي تركت له سيارتها وقال :
"لقد وضعت أيضا بعض الزيت . يالها من سيارة . أراهن أنها تترك باقي السيارات خلفها في الطريق".
قال الرجل الكبير :
" كفي يا بيللي لا شك أن الآنسة تقدر إعجابك بذوقها في السيارات".
دفعت ستاسي حسابها وضحكت قائلة:
"يجب أن أتصل فورا بآل نولن وإلا سيحل ال؟لم قبل وصولي لمنزلي الجديد".
" اتبعي توجيهاتي ولن تضلي . إا موللي نولن تكون هناكدائما بعد الظهر , وهي تعلم مكان زوجها".
صفرت ستاسي لكاجون وأشارت مودعة العاملين , وبدا لها أن أهل المنطقة ودودون ,أوعلي الأقل اثنين منهم , لكنها لن تدع العداء الظاهر لرجل غريب يفسد أول زيارة لها للمدينة. ولو لم يكن كريها لاعتبرته رجلا وسيما , فشعره داكن وعيناه بنيتان وقامته طويلة ,ولكنه تصرف كما لو كانت تحمل عدوى الطاعون . حقا لم يكن هناك أي داع للتفكير في نظرته هذه , فربما لا تراه مرة آخري . وشعرت ستاسي من ملامحه الواضحة , وخطوط فكيه , وذقنه المستقيم أنه رجل لا يستسلم أبدا.
وصلت ستاسي إلي دكان البقالة . أوقفت سيارتها . كان الطريق العام جذابا , وكانت فيه صيدلية عند المنعطف يليها دكان البقالة , ثم مكتب البريد ثم متجر للملابس ومقهى ,وفكرت ستاسي : إنها ليست مدينة كبيرة ولكنها تكفي احتياجات مجتمع المزارع حولها.
دخلت الدكان فوجدت سيدة صغيرة الحجم ,يبدو علي ملامحها حنان الأمومة , في حوالي الأربعين من عمرها, تجلس خلف طاولة . كان شعرها رماديا ويغطي قوامها البدين ثوب منزلي بسيط مما ذكر ستاسي بمطبخ يمتلئ برائحة الفطائر الطازجة . قالت لها ستاسي:
" معذرة , هل أنت سيدة نولان؟"
"نعم ,أيمكنني مساعدتك؟"
"أنا ستاسي آدامز , وقد استأجرت كوخكم لهذا الصيف".
"طبعا يا طفلتي ! كان يجب أن أعرفك في الحال , فليس لدينا زوار كثيرون , لقد قلت فعلا أنك ستصلين في أوائل شهر مايو ولكني نسيت , أعتقد أنك حريصة علي الوصول للكوخ قبل حلول الظلام".
"نعم , فأنا أنوي قضاء الليلة هناك يا سيدة نولان ".
"يا إلهي . ناديني بموللي وإلا ظننتك تخاطبين إنسانة أخرى . سيصل زوجي فورا ليصحبك . نظفنا الكوخ ولكنه ما زال قاحلا . فالرجال لا يهتمون كما تعلمين . فإذا وجدوا مكانا للجلوس , وآخر لاعداد الطعام لا يهمهم وجود ستائر علي النوافذ , أو مفرش علي المائدة".
أجابت ستاسي وقد أدركت أن السيدة لاحظت ثيابها الأنيقة وظنت أنها تتوقع مسكنا فاخرا:
"أنا واثقة أن الكوخ مناسب لي . وأرجو أل تكوني قد أجهدت نفسك من أجلي".
قال صوت خلف ستاسي:
"معذرة ..."
استدارت فوجدت نفسها وجها لوجه مع الغريب الذي قابلته في محطة البنزين , وبدون أن تقصد رفعت عينيها لتلتقي بعينيه ولكنه لم يبدأنه عرفها .
قالت موللي نولان وهي تمد له يدها مبتسمة :
" إنني سعيدة لمجيئك يا كورد , أريدك أن تقابل آنسة ستاسي آدامز , لقد استأجرت كوخ الصيد عند التل الملاصق لسلسلة الجبال الشرقية. ستاسي هذا هو كورد هاريس مالك الكوخ الرسمي , وتبعد مزرعته حوال عشرة أميال عن الكوخ".
دهشت ستاسي للقاء الغريب مرة ثانية , وأجابت بأدب ثم رفعت عينيها فوجدت نفس نظرة العداء والسخرية في عينيه , وراح ينظر إلي وجهها ثم إلي بلوزتها الصفراء والبنطلون المكوي , والحذاء الأنيق ثم عاد ينظر في سخرية إلي وجهها .شعرت ستاسي أن أناقة ثيابها أكثر من أن ترتدي في هذه البلاد الخشنة .
أحست بالاحراج , وقد التهبت وجنتاها وأغضبها أن هذا الـ كورد هاريس استطاع أن يشعرها بأنهامتصنعة بشكل رخيص , فدفعت ذقنها إلي الأمام في تحد .
وقال الرجل ورنة السخرية في صوته :
" أرجو ألا تجدي بلادنا قفرة ومنعزلة بالنسبة لك ".
"أنا واثقة من أنني سأستمع بوجودي هنا , لقد أشعرني معظم الناس أنني في بلدي".
قالت السيدة نولان:
"فعلا . إننا لا نري الكثير من الشابات الجميلات مثلك هنا ,وبمجرد أن يعرفوا أنك في الكوخ هذا الصيف سيدق شبابنا طريقا لبابك".
ابتسمت ستاسي قائلة :
" أشك في هذا , ولكن مجاملتك لي لطيفة ""
وتدخل كورد قائلا :
" ألا تخشين الحياة وحدك في كوخ مهجور؟ بعد عدة ليال من الوحدة ربما تهربين بصحبة احد شبابنا ".
أجابت ستاسي وقد أغضبها استخفافه بها :
" هذا ممكن , ولكنه مستبعد , جئت إلي هنا لأكون وحدي . إني أنوي يا سيد هاريس أن يكون لي أصدقاء ولكن لا أنوي الانخراط في المجتمع".
" أنوي! قلتها بلباقة , إنها تعطيك حرية أن تفعلي ما تشائين . لا يبدو عليك أنك تستطيعين الحياة في عزلة مدة كبيرة ".
حاولت موللي أن تمنع الصدام بينهما فقالت:
" كورد , لا أعتقد أن هذا مجال الحكم علي آنسة آدامز وخططها . والآن اعتذر عن سوء أدبك".
لمس قبعته بسخرية وقال :
"أعتذر إذا كان كلامي بلا أساس , أرجو أن تستمتعي بإقامتك هنا مهما طالت يا آنسة آدامز ".
أومأ المزارع المتجرف مودعا السيدة نولان وأخذ مشترياته وخرج قبل أن ترد عليه ستاسي ,وقد بلغ بها الغضب حدا جعل الكلمات تخذلها . أنها لم تلتق أبدا بمثل هذا الرجل الوقح المتعجرف الساخر . واستدارت للمرأة المندهشة قائلة:
"من يظن نفسه هذا الرجل ؟"
" لا تهتمي لكورد , إنه صريح في التعبير عن رأيه , ولكنه حقا جذاب بالرغم من كل هذا الصخب".
" أتمني لو أنه يعيش علي بعد عشرة ألاف ميل وليس عشرة فقط, ماذا فعلت لأستحق هذا الهجوم؟"
"لا شئ يا عزيزتي بالطبع . ربما ذكرته بشخص آخر . أعتقد أنك تودين شراء بعض الحاجيات , سيكون زوجي هنا في أي وقت".
دأت ستاسي في انتقاء حاجياتها وعادت لموللي فوجدتها تتحدث مع رجل أصلع نحيل , فخمنت أنه السيد نولان .سألتها موللي:
"حسنا يا عزيزتي هل وجدت كل ما تحتاجين ؟"
ثم استدارت للرجل الواقف إلي جوارها قائلة :
"هذه آنسة آدامز يا هاري , وهذا زوجي وسيصحبك إلي الكوخ".
مدت ستاسي يدها إلي الرجل وهي تقول:
"يسعدني لقاءك يا سيد نولان".
وسلم عليها بحماسة قائلا :
" قالت موللي أنك شابة جميلة ولكن لم تقل إلي هذا الحد . بالتأكيد ستضيئين مدينة رعاة البقر هذه , وأرجو أن يناسبك الكوخ فهو ليس أنيقا".
" أنا واثقة أنه سيناسبني , فقد اعتدت الحياة الخشنة مع والدي".
سألتها مولي :
" هل سيلحق بك والدك ؟"
"لا ... لقد قتل في حادثة طائرة منذ شهر".
وبدات موللي تتكلم :
"إنني جد آسفة . لم أقصد..."
وقاطعتها ستاسي:
" ما كنت لتعلمين ".
ثم سألها نولان :
"ماذا عن والدتك؟ هل توافق علي سفرك وحدك ؟"
" لقد توفيت والدتي بعد ولادتي بمدة قصيرة , فأنا الآن وحيدة . ولكن لا تقلقوا علي لوجودي وحدي , فمعي كلبي الراعي الألماني , وأنا واثقة أنه يستطيع التغلب علي أي حيوان من ذوات الأربع يضايقني , والصنف ذي القدمين أيضا".
وضحكت ستاسي وهي تفكر في كورد هاريس .
" إن هذا النوع من الكلاب طيب , وسيرعاك حقا ".
ودفعت حسابها وهي تقول :
" أرجو ألا يضطر إلي هذا . حسنا يا سيد نولان إنني مستعدة للذهاب إذا كنت أنت مستعدا".
"أين أوقفت سيارتك ؟"
" أمام الصيدلية ".
" سألقاك بعد خمس دقائق بسيارتي الجيب , وتستطيعين أن تتبعيني".
ثم خرج فقالت موللي:
" إذا احتجت لأي شيء ,أو شعرت بالوحدة , ما عليك إلا الحضور للمدينة , فأنا وزوجي يسعدنا وجودك معنا في أي وقت ".
أثر فيها حنان المرأة واهتمامها فقالت :
"سأتذكر كلامك ولكني أريد أن أستمتع بالهدوء فترة".
" الناس هنا ودودون ويسعدهم معاونتك . فلا تترددي في طلب المساعدة , إذا صافتك أية مشكلة . إن الهدوء شيء جميل ولكن لا تنعزلي تماما عن الناس , تذكري أننا نرحب بك دائما ولا تخجلي من طلب المساعدة".
" لن أخجل . أشكرك مرة أخري وسوف نلتقي ثانية".
وصلت إلي سيارتها ووضعت مشترياتها في الخلف ثم هدأت من روع كلبها وبحثت عن سيد نولان . بدأ ديابلو يحدث جلبة في الشاحنة , فدخلت إليه وأدار الحصان رأسه لها ونفخ في وجهها , وأخذت تحدثه برقة لتهدئة وهو يحرك أذنيه لالتقاط كلماتها , ولكن عينيه ظلتا تتدحرجان في ضجر . ونظرت لأعلي فوجدت سيد نولان في سيارته , وخرجت من الشاحنة بينما خرج هو من سيارته لملاقاتها وسألها :
" هل أنت مستعدة للذهاب؟"
" نعم , كنت أتأكد من أن كل شيء علي ما يرام في المقطورة ,أخشي أن يكون حصاني سيئا في السفر".
" هذا حصان براق للغائة . ماهي سلالته ؟"
"غالبا عربية ".
"أنا لا أميل لها فهي متقلبة , وأفضل حصانا مستقرا في أي وقت . حسنا من الأفضل أن نذهب وسيكون من السهل أن تتبعيني , فالطريق ليس في حالة سيئة ".
لم يكن من الصعب أن تتبعه . مرا ببعض المنازل ثم أتخذا طريقا مرصوفا بالحصي يتجه شمال المدينة , وبعد فترة دخلا طريقا وسط التلال ثم الجبال , ثم مضيا في طريق جانبي صغير بعد حوال عشرين ميلا . وخافت ستاسي من التفكير فيما يمكن أن يحدث لسيارتها , داعية ألا تسقط في أحدي الحفر وهي تركز تفكيرها علي مؤخرة السيارة الجيب المتأرجحة أمامها , ونظرت للمقطورة في المرآة وهي قلقة , سيكون حصانها عصبيا لأقصى درجة عند وصولهم الكوخ.
كانت غابات الصنوبر من الكثافة بحيث تحجب الرؤية علي الجانبين، وأشعة الشمس قادمة تمر من خلال فتحات في الأشجار. وقلت كثافة الأشجار عندما هبطت السيارة الجيب تلا صغيرا. وعند وصولها لقمة التل رأت ستاسي مرجا يانعا يهدر خلاله جدولا, ورأت علي يسارها كوخا صغيرا يحتضنه حائط أخدود جبلي ,وإلي جانبه حظيرة ومبني ملحق , وعندما نظرت إلي يمينها رأت المروج تنحدر من الجبال إلي النهيرات .
كان الوادي رائعا أكثر من أية صورة رأتها في حياتها . وعندما وصلت ستاسي كان هاري نولان واقفا إلي جوار شرفة الكوخ الخشبية.
وهتفت وهي تنظر للجبال :
"يا للجمال !"
"نعم . سأريك دأخل الكوخ".
ابتسمت ستاسي وتبعت الرجل المتغضن إلي الكوخ. كانت في الغرفة الرئيسية مدفأة مملؤة حطبا فوقها رأس غزال محنط , وإلي جوراها كمية كبيرة من الحطب , وضمت الغرفة أريكة واحدة وكرسيا هزازا. أما المطبخ فكان مكونا من بعض الخزائن المعدنية فوق حوض من الصيني , له حنفية بمضخة , ولحسن الحظ وجدت ستاسي موقد غاز . وفي وسط المطبخ كانت هناك مائدة وكرسيان . ورأت لمسة موللي نولان في المفرش والستائر الحمراء , وربما كانت المرأة الحنونة مسؤولة عن وجود الوسائد علي الأريكة والبطانية المصنوعة من شعر الخيل . وشرح لها هاري نولان كيفية إضاءة مصابيح الغاز , ثم أراها غرفة النوم وقد ملأ الغرفة الصغيرة سرير كبير ذو أربعة أعمدة عليه لحاف بألوان مختلفة , وخمنت ستاسي أنه من عند آل نولان , وكان في الغرفة أيضا خزانة صغيرة ومكان لتعليق ثيابها خلف الباب . ابتسمت ستاسي في بهجة قائلة:
"إن هذا رائع . لا أستطيع التفكير في شيء ينقصه".