تفاحة القلب وريحانه العين
تفاحة القلب وريحانه العين
أ عبده الاقرع
الحمد لله المنعم المتفضل بجزيل العطايا والإحسان، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فلقد كانت البشرية في فترة من عصورها قد التوت بها سبل الحياة، فانطفأت في قلبها مشاعل الرحمة والفهم المستنير، وأظلمت في نفسها معاني السمو والشفقة، فقتلت الأبناء مخافة الفقر،
ووأدت البنات خشية العار، كان ذلك شذوذًا خرجت به البشرية عن دائرة العقل السليم، وعاطفة الأبوة الرحيمة، وخسرت بسببه كثيرًا من النعم، هذا الأمر الذي عبر عنه القرآن الكريم
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّـهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّـهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ «الأنعام »
وجاء عرب الجاهلية فأكملوا الجرم بوأد البنات خشية من عار التزوج بزوجٍ دون أبيها في المكانة والشرف، أو عار الفاحشة
قال الله تعالى وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ «الأنعام »
انظر إلى هذه القسوة وغلظ القلب وقتل البنات البريئات بغير ذنب سوى خوف الفقر والعار، قال الله تعالى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ «النحل »،
وجاء الإسلام فانتقل بهذه الأمة الجاهلية نقلة كبيرة واسعة، فبعد أنْ كانت البنات عارًا يلاحقهم، صاروا يُكَنَّوْنَ بهنَّ ولا يجدون في ذلك حرجًا أو ضيقًا ولا عيبًا أو أذى، وربما رضي بالبنت واحدة قسمًا وحظًا من
الذرية، فأبو أُمامة صدى بن عجلان الباهلي، وأبو أُمامة إياسُ بن ثعلبة الأنصاري الحارثي، وأبو رقية تميم بن أوس الداري، وأبو كريمة المقدام بن معد يكرب وغيرهم، رضي الله عنهم جميعًا
وكان من أثر هذه الوثبة أن صار أدباء الصدر الأول يصوغون في مدحهن ما هو أبهى من عقود الجمان، فمن ذلك قول معن بن أوس
رأيت رجالاً يكرهون بناتهم
وفيهن لا نُكْذب نساء صوالح
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى
خوادِمُ لا يَمْلَكْنَهُ ونوائحُ
وحُكِيَ أنَّ عمرو بن العاص رضي الله عنه دخل على معاوية رضي الله عنه وعنده ابنته،
فقال من هذه يا معاوية ؟ فقال هذه تفاحة القلب وريحانة العين وشمامة الأنف
وفي رقعة للصاحب بالتهنئة بالبنت أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون
والآن من الزوجات من تُبكر ببنت، وتُثنِّي ببنت، وتُثلث ببنت، وقد تربع ببنت، فلا تجد هذه الحالة قبولاً لدى كثير من الأسر، فيهجرها زوجها، ويقاطعها أو يجبرها على أخذ مانع يمنعها من الحمل، وتصبح الزوجة وتُمسي وهي تسمع عبارات عدم الرضى واللوم والنقد والتوبيخ تقرع أذنها، وتنظر النساء في الأسرة إليها نظرة ازدراء واستخفاف، وتصبح حياتها حياة تعسة لما ترى من المعاملة، ولما تحس من التحقير، إننا نؤكد أنَّ هذه النظرة نظرة جاهلية حرمها الإسلام تحريمًا قاطعًا، لأنها تحمل في طياتها الأمور التالية
أولاً الرجوع إلى الجاهلية الظالمة التي تبرأ منها المجتمع الإسلامي منذ العصر النبوي
ثانيًا الاعتراض على قدر الله، والسخط على عطائه
والسبب في ذلك يعود إلى ضعف الإيمان، وزعزعة اليقين، لكونهم لم يرضوا بما قسمه الله لهم من إناث، لم يملكوا هم ولا نساؤهم، ولا مَن في الأرض جميعًا،
أن يغيروا من خلق الله تبارك وتعالى في تدبيره المبرم، وإرادته النافذة ومشيئته المطلقة وأمره الغالب في شأن الإناث، وشأن الذكور لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ «الشورى »،
فهو سبحانه وتعالى بحكم سلطانه على الأرض والسماء، يتصرف كيف يشاء، وهذا ناتج عن علم أحاط بكل شيء، وقدرة أخضعت لها كل شيء، فالواجب أن يُسلمَ العبد لربه فيما وهبه وأعطاه، ومن السفه الاعتراض على حكم الله، فالتشاؤم من البنات مرفوض شرعًا وعقلاً
عن حذيفة بن أُسيد رضي الله عنه قال قال رسول الله «إذا مرَّ بالنُّطفةِ اثنتانِ وأربعونَ ليلةً، بعثَ الله إليها ملكًا فصوَّرها، وخلق سمعَها وبصرَها، وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال يا ربِّ أذكرٌ أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتبُ الملكُ، ثم يقولُ يا ربِّ أجله، فيقول ربك ما شاءَ، ويكتب الملك، ثم يقول يا رب رزقه، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصَحِيفةِ في يَدهِ، فلا يزيدُ على أمرٍ، ولا ينقصُ» «صحيح الجامع »
فيجب على الأسرة المسلمة الرضى بما قسم الله لها من البنين والبنات، وترضى كذلك إذا حرمها فلا تسخط إذا جاء القسم على غير هواها ومرادها وهذا الرضى ينم عن إيمان عميق في القلب، ولكي يقتلع رسول الله من بعض النفوس الضعيفة جذور الجاهلية خصَّ البنات بالذكر، وأمر الآباء والمربين بحسن صحبتهن والعناية بهنَّ، والقيام على أمورهنَّ،
ليستأهلوا دخول الجنة وبالتالي حتى تكون تربية البنات وتحقيق الخير لهنَّ على الوجه الذي يرضي الله سبحانه، ويأمر به الإسلام، وإليكم بعض التوجيهات النبوية في وجوب العناية بالبنات والاهتمام بهن عن أنس رضي الله عنه، عن النبي قال «مَنْ عَالَ جَاريتين حتى تَبلغا جاء يومَ القيامةِ أنا وهو كَهَاتَيْنِ، وضَمَّ أصابعهُ» «مسلم في النكاح»
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله «ليس أحدٌ من أمتي يعول ثلاث بناتٍ، أو ثلاثَ أخواتٍ، فيحسنُ إليهن، إلا كُنَّ له سترًا من النار» «صحيح الجامع »
وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله «من كان له ثلاث بنات يؤويهنَّ ويكفيهنَّ ويرحمهنَّ فقد وجبتْ له الجنةُ البتة» فقال رجل من بعض القوم وثنتين يا رسول الله ؟ قال وثنتين» «الصحيحة »
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله «مَنْ عال جاريتين حتى يُدركا، دخلتُ أنا وهو الجنة كهاتين، وأشار بأُصبعيه» «صحيح الجامع »
فما أعظم نعمة الإسلام على الإنسانية بأسرها، وهل بعد هذا الفضل فضل في تربية البنات؟
مجلة التوحيد