الدانمارك والفاتيكان.. وعام الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ثم الصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه
الدانمارك والفاتيكان.. وعام الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم
كتبه الاستاذ :
محمد عبد العاطي
سيظل العام 2006 شاهدًا على حدثين بارزين في تاريخ العلاقة بين العالمين الإسلامي والغربي، الأول متعلق بتداعيات الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم, والثاني خاص باستشهاد بابا الفاتيكان بنص يتهم الإسلام بالعنف ويقر بأن نبيه لم يأت إلا بما هو شرير ولا إنساني.
الرسوم والأزمة
شهد العام 2006 تداعيات أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من مظاهر تلك التداعيات احتجاجات رسمية وشعبية ومقاطعات اقتصادية وحرق لبعض مقار البعثات الدبلوماسية.
البداية كانت في الـ30 من ديسمبر/ كانون الأول 2005 حينما نشرت صحيفة دانمركية تدعي ييلاندز بوستن رسومًا كاريكاتورية عبارة عن مسابقة نظمتها من قبل في إطار تحضيرها لكتاب موجه للأطفال الدانمركيين يتحدث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كان عدد الرسوم التي نشرتها الصحيفة 12 رسمًا كلها تصور نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في أوضاع مهينة وتسقط عليه صفات مسيئة.
اعتذار غير كاف
الاعتذارات التي قدمت للمسلمين سواء في الدانمارك أو في الفاتيكان بسبب إهانة النبي صلى الله عليه وسلم كانت اعتذارًا عن سوء الفهم وأسفًا للتداعيات وليست اعترافًا بخطأ قد ارتكب.
فور نشر الرسوم احتجت الجالية المسلمة المقيمة في الدانمارك، ولفت احتجاجهم أنظار وسائل الإعلام الأخرى، وذاع الخبر وشعرت الصحيفة الدانمركية بالحرج فكتب رئيس تحريرها اعتذارًا باللغة الدانمركية والإنجليزية والعربية ونشره على موقع الصحيفة على الإنترنت وأعرب فيه عن "اعتذاره وأسفه العميق" مبررًا ذلك بأن القائمين على الصحيفة لم يقدروا مدى حساسية الموضوع بالنسبة للمسلمين. لكن المسلمين في الدانمارك اعتبروا هذا الاعتذار غير كاف، وقالوا إنه يقدم تبريرًا لما حدث أكثر مما يقدم أسفًا واعتذارًا للخطأ الذي ارتكب، ومن هنا اتخذت القضية أبعادًا جديدة، وانقسم الرأي العام العالمي بشأنها.
قسم نظر إليها على أنها "حرية تعبير" لا يحق لأحد أن يحد منها أو يعترض عليها، مهما كانت "قدسية" الموضوع الذي تتناوله. وقسم آخر اعتبر أن ما حدث لا يدخل في نطاق "حرية التعبير" وإنما هو "إساءة لمقدسات الآخرين".
ردود أفعال غاضبة
تفاعلت القضية على خلفية هذا الانقسام، وقدم سفراء عشر دول إسلامية شكوى لرئيس الوزراء الدانمركي، ثم عاد واجتمع مع وفد يمثل 70 دولة إسلامية وحاول إقناعهم أن المسألة متعلقة بحرية التعبير وأنه لا يملك أن يفرض على الصحيفة شيئًا لكنهم خرجوا من اللقاء غير مقتنعين بالنتيجة التي توصلوا إليها.
وما حل يناير/ كانون الثاني 2006 حتى صبت صحيفة نرويجية مزيدًا من الزيت على نار الغضب المشتعلة في نفوس المسلمين فأعادت نشر الرسوم ثم تبعتها في الأشهر التالية صحف ومجلات فرنسية وألمانية وإسبانية بحجة أن ذلك مساندة لحرية الرأي.
اندلعت في العديد من العواصم والمدن الإسلامية المظاهرات، وهاجم متظاهرون سوريون السفارتين النرويجية والدانمركية، كما هاجم متظاهرون في غزة مكتب الاتحاد الأوروبي، وسقط جراء تلك المظاهرات التي اندلعت في العالم الإسلامي بعض القتلى، كما أعلنت السعودية عن سحب سفيرها من كوبنهاجن ، وقالت ليبيا إنها ستغلق سفارتها هناك، وتحدث رئيس الوزراء الماليزي عبد الله بدوي عن الهوة التي اتسعت بين العالمين الإسلامي والغربي نتيجة لهذه الرسوم.
وحاول بعض الدعاة الإسلاميين معالجة الأمر بطريقة مختلفة عن المظاهرات، فسافر عمرو خالد والحبيب الجفري وطارق سويدان إلى الدانمارك وأجروا حوارات مع بعض الشباب الدانمركي هناك، وقد سبب سفرهم انقسامًا في الرأي داخل الشارع الإسلامي الذي كان كله متوحدًا حول المظاهرات الغاضبة ومقاطعة السلع والبضائع.
البابا وعودة بركان الغضب
استهل بابا الفاتيكان تاريخه البابوي الجديد بالاستشهاد بنص فيه إساءة للإسلام ولرسوله صلى الله عليه وسلم مما أثار مخاوف من عودة أجواء الحروب الصليبية القديمة وما رافقها من حملات تشويه وإساءة, وما إن بدأت حدة أزمة الرسوم تخف بمرور شهور العام حتى عاد بركان الغضب يتفجر من جديد في سبتمبر/ أيلول إثر محاضرة ألقاها بابا الفاتيكان الجديد بنديكت الـ16 في إحدى الجامعات الألمانية كانت تتحدث عن العقل والدين واستشهد فيها بنص منسوب لإمبراطور بيزنطي في القرن الـ14 الميلادي يقول فيها لمحاوره المسلم الفارسي "فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف".
ولم يعقب البابا نفسه على هذا الاستشهاد موضحًا أنه لا يتفق مع وجهة نظر الإمبراطور الأمر الذي اعتبره المسلمون "إهانة" جديدة لنبيهم لم تجئ هذه المرة من صحيفة وإنما جاءت من رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وطالبوا البابا بالاعتذار.
واندلعت المظاهرات مرة أخرى في العديد من مدن وعواصم الدول الإسلامية وحاول البابا تهدئة الغضب فأصدر بياناً أعرب فيه عن "أسفه لإساءة فهمه" ولم يرض هذا الاعتذار المسلمين لأنه كما قالوا ألقى باللائمة على "سوء فهمهم" وليس على "خطأ الاستشهاد بنص مهين للإسلام ونبيه دون تعليق بما يفيد رفض الفكرة التي تأسس عليها".
ومرت الشهور أيضا كما مرت من قبل عقب أحداث الرسوم الكاريكاتورية وهدأت الشوارع، لكن يبدو أن النفوس التي أهينت مقدساتها بهذا الشكل الحاد وعلى هذا المستوى في عام واحد لم تهدأ بعد.