السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:
فإن من أعظم ما يعود على المسلم من النفع في هذا الشهر الكريم توبته وإنابته إلى ربه، ومحاسبته لنفسه، ومراجعته لتاريخه..
باب التوبة مفتوح، وعطاء ممنوح وفضله تعالى يغدو ويروح، ولكن أين التائب المستغفر؟
قال تعالى: {قل يا عبادي } [الزمر: 53]
وهذا الشهر هو موسم التوبة والمغفرة، وشهر السماح والعفو، فهو زمن أغلى من كل غالٍ، وأنفس من كل نفيس.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها».
الإساءات منا كثيرة، والعفو منه أكثر، الخطأ منَّا أكبر، الزلل منَّا عظيم، ومغفرته أعظم:
سبحان من يعطي ونخطئ دائماً *** ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه *** جلاله عن العطا لذي الخطا
قال تعالى: { والذين إذا فعلوا } [آل عمران: 135]
لم يصروا أبداً أخطأو فاعترفوا، وأذنبوا فاستغفروا، وأساءوا فندموا، فغفر الله لهم.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «رغم أنف من أدركه رمضان فلم يغفر له».
إنها فرصة لا تتكرر أبداً ولا تعود إلا نادراً فهل من مجتهد حريص؟
ذنوب العام كل العام تمحى لمن صدق مع الله في رمضان إذا اجتنب الكبائر، النقص طيلة السنة، العيوب المتراكمة تصحح في رمضان.
صح في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول: «يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم».
من طبيعتنا الذنب ولكن منا من يتوب وينيب ويستغفر مولاه، ومنا من يصر ويكابر، وهذا هو المغبون المخذول عن طريق الهداية.
أتوب إليك يا رحمـــن مما ***جنت نفسي فقد كثرت عيوب
صح في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي»
يا صائمون هذا الشهر فرصتنا للتوبة النصوح، وهذه الأيام غنيمة لنا، فهل نبادر الغنيمة والفرصة؟
وبادر بالتوبة النصوح *** قبل احتضار وانتزاع الروح
لا تحتقر شيئاً من المآثم *** وإنما الأعمال بالخواتم
صام معنا قوم في العام الماضي، ثم ردوا لمولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين، مضوا بأعمالهم وتركوا آثارهم.
فيا ليت شعري ما نقول وما الذي *** نجيب به والأمر إذا ذاك أصعب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا *** وفي كل يوم واعظ الموت يندب
ومن علامات قبول الصائمين الصدق في التوبة، والعزم على عدم العودة، والندم على ما فرط العبد في جنب الله عز وجل.
يقول سبحانه: {وهوالذي يقبل التوبة } [الشورى: 25]
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم».
متى يتوب من لم يتب في رمضان؟
ومتى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان؟
إن بعض الصائمين يستقيم حاله ويصلح باله في رمضان، فإذا انتهى الشهر وانصرم الصيام، عاد إلى حالته القديمة وسيرته الأولى فأفسد ما أصلح في رمضان، ونقص ما أبرم في رمضان، فهو عمره في هدم وبناء ونقض وإبرام قال تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } [النحل: 92]
كان كثير من السلف إذا انتهى شهر الصيام بكوا لفراقه، وتأسفوا على رحيله وندموا على انتقاله وذلك لكثرة صلاحهم وصفاء قلوبهم وإشراق نفوسهم.
اللهم وفقنا لما وفقت إليه عبادك الصالحين، واهدنا صراطك المستقيم.
مدار الوطن
د.عائض القرني