احترام الذات ينبوع سعادة لا ينضب
( أثق في نفسي، احترم ذاتي وانظر الى المستقبل بتفاؤل)
لوكنت ممن يقولون هذا الكلام، فإنك حتما تسير في درب السعادة! فاحترام الذات رائع، لكن الإفراط فيه قد يجعلك معقدا نفسيا، فكيف تكون أنسانا سليما من العقد النفسانية؟
يعتبر علماء النفس احترام المرء لذاته ركيزة أساسية يحتاجها في مواجهة تحديات الحياة، ومن هذا الاحترام تنطلق معظم قرارت المرء وتصرفاته، وبذلك يحدث التوازن النفسي.
واحترام الذات في رأي علماء النفس لا يعني الثقة في النفس، لأن الثقة في النفس لا تنطبق إلا علي تصرفاتنا، فهي تلعب دورا في خوفنا او عدم خوفنا من الفشل او من الحكم الخاطئ على الآخرين.
ويمكن القول ان الثقة في النفس هي احد مظاهر احترام الذات، فهناك أيضا حب الذات والنظرة إليها، وهي أمور تحدد انطلاقنا السلبي او الايجابي في المستقبل.
وليس من الضروري ان تكون هذه المكونات الثلاثة (اي حب الذات والنظرة إليها والثقة في النفس) متوازنة فيما بينها، لكنها في كل الأحوال تؤثر في بعضها البعض. وعلى سبيل المثال، يمكن ان ينجح المرء في حياته المهنية لأن نظرته إلي ذاته ايجابية، لكن ليس من الضروري ان يكون محبا لذاته!
فائدة احترام الذات
يشبه علماء النفس ومنهم الدكتور الفرنسي كريستوف اندريه، احترام الذات بمقدمة السفينة، فهي التي تسمح باستقرار الإبحار والحفاظ على التوازن. فأمام مصاعب الحياة، يلعب احترام الذات دورا توازنيا، فهو مثل جهاز المناعة في الجسم، يتيح لنا مقاومة العوامل الخارجية، ويلعب دور الحماية على الصعيدين العاطفي والنفساني.
والجدير بالذكر ان احترام الذات يختلف من فرد إلى أخر، فالبعض يحترمون أنفسهم كثيرا وبشكل مستقر جدا، مما يساعدهم على الانطلاق في الحياة بإرادة قوية، فتراهم يحددون أهدافهم بسهولة، ويتطورون في كل المجالات، المهنية والعائلية والاجتماعية. ومثل هؤلاء الناس يستطيعون إدارة حياتهم بكل استقلالية، ويعرفون كيف يكونون سعداء، ويستفيدون من الحاضر لحظة بلحظة.. وهم بشكل عام، لا يعلقون أهمية على الانتقادات ويركزون على مكامن القوة في أنفسهم. واذا واجهوا الفشل فإنهم لا يعانون مثلما يعاني الآخرون، لأنهم يعرفون كيف ينتقلون الى مغامرات أخرى، ذلك ان احترام الذات لا يقي تماما من المعاناة.
اما الأشخاص الذين يحترمون أنفسهم لكن بصورة غير مستقرة، فهم غالبا ما يتعطشون الى المعرفة، ويدافعون عن أنفسهم أمام الانتقادات التي يشعرون أنها هجوم حقيقي عليهم، فيردون بدفق من التبريرات ومثل هؤلاء الناس .يمكنهم ان يخصصوا جزءا كبيرا من طاقاتهم لإعطاء صورة مثالية عن أنفسهم أمام الآخرين، فنراهم يحيون أمجادهم السابقة، ويتحدثون كثيرا عن تلك الأمنيات التي سوف يحققونها مستقبلا. ويعرف مثل هؤلاء الناس، تماما كما الفئة الأولى، كيف ينجحون في أعمالهم وكيف يحققون أهدافهم، لكنهم يغرقون في الأسى عند الوقوع في ابسط المشكلات، وهم يعتبرون الآخرين مسؤولين عن فشل يتعرضون له!
كيف يعيش من لا يحترم ذاته؟!
عندما يكون احترام المرء لذاته ضعيفا، فإنه يحتاج دائما الى من يبعث في نفسه الاطمئنان، لأنه يشك في انه قادر على النجاح وإسعاد الآخرين واكتساب محبتهم.
ويعتقد الشخص الذي لا يقدر ذاته ان النجاح والحب والسعادة تأتي بالصدفة او بفضل أرادة الآخرين، لذا نراه يعيش غير مرتاح على الصعيدين النفسي والعاطفي.
وفي اغلب الأحيان، يقع هذا النموذج من الناس فريسة انتقادات داخلية عنيفة تغرقه في الشك. مما يجعله قلقا، مضطربا لا يستطيع ان يستفيد من اللحظات الممتعة في الحياة لأنه يتساءل دائما عما إذا كانت مثل هذه اللحظات ستستمر ام لا!
وليس من الضروري ان يكون فاقد الاحترام لذاته محتقرا لها، لكنه غالبا ما يركز على هذه الذات، ويعاني من نرجسية سلبية يوجهها نحو نقاط ضعفه.
لكن من لا يقدر ذاته قد يتمتع ببعض الخصائص الايجابية مثل التواضع، فعندما يحظي بتهنئة على عمل ما يجيب بأنه لا يستحق ذلك.
ويعتبر الحذر والحرص على عدم خداع الآخرين من الصفات الحميدة أيضا فيمن لا يقدرون ذاتهم، فهم عادة يملكون حساسية معينة تجاه الانتقادات ويعملون بنصائح الغير مما يساعدهم على التطور، ويصبحون محط اهتمام من يسعى إلى شخص يحب ان يستمع إليه!
أصل احترام وتقدير الذات
يقول علماء النفس ان تقدير الذات يتكون في السنوات الأولى من العمر، وذلك تبعا للبيئة التي ينشأ فيها الإنسان حيث يكون الأبوان نموذجا يقتدي به.
كذلك فإن للحب الذي يحظي به الفرد ولأسلوب التربية تأثير كثير في تكوين شخص يحترم ذاته ويقدرها. علما أن دور العاطفة لا يقل أهمية عن دور التربية، فادا كانت الأولى تجعل احترام الذات في أعلى مستوياته، فإن الثانية تساعد المرء على احترام الآخرين وتقبلهم.
ولو تخيلنا طفلا منحه أبواه الكثير من العاطفة، لكنهما لم يعرفا كيف يرسمان له حدودا لتصرفاته، اي أنهما لم يعلمانه كيف يكون مهذبا ولطيفا وخدوما، فإن مثل هذا الطفل سوف يصبح من الفئة التي تحترم ذاتها بشكل غير مستقر، لأنه لا يعرف ان عليه بذل مجهود كي يتقبله الآخرون فيدخل معهم في صراعات مستمرة.
من ناحية أخرى، فإن التربية السلمية التي تنشئ فردا يحرم ذاته لا يجب ان تركز على فرض حدود ونظام سلوكي معين، بل يجب ان تعتمد أيضا على التشجيع، لأن الطفل الذي يخطئ، يمكنه أيضا ان يحقق النجاح. واذا لم نعرف كيف نشجع أطفالنا علي تصرفاتهم الجيدة، فإننا ندفعهم إلى التركيز على نقاط ضعفهم وعلى النقص الموجود فيهم، ونعلمهم إلا يسعدوا بما يحققوا أبدا!
ويبني الطفل عادة سلم القيم درجة درجة تحت تأثير الأشخاص الذين يشكلون مرجعا بالنسبة إليه، وهم غالبا أبواه ومدرسوه وأصدقاؤه المقربون، وكذلك زملاؤه في المدرسة.
ويغذي الطفل حكمه على نفسه وتقديره لها من خلال هذه المصادر الأربعة، فإذا فشل في الحصول على مايريد من احدها، فإنه يتوجه تلقائيا إلى الأخرى. فإذا لم يحظ الطفل على سبيل المثال بتشجيع وثناء أبويه ومدرسيه، فإنه يتحول للبحث عن محبة أصدقائه وزملائه، إذا وجد فيهم أشارات ايجابية.
من هنا، كان من الضروري جدا الانتباه لأطفالنا، واخذ شكواهم وشكوكهم بعين الاعتبار.
والجدير بالذكر، أن الطفل في سن المراهقة يصبح أكثر احتراما وتقديرا لذاته عندما يلمع في دراسته وتكون نتائجه المدرسية لافتة للنظر، فهو في هذه الحالة يشعر باهتمام وتقدير محيطه، ممايدفعه للنجاح أكثر فأكثر ويعطيه فرصة للتفوق مستقبلا في حياته المهنية.
أما بالنسبة لأهمية الشكل الخارجي والعضلات المفتولة التي تشغل بال المراهقين، فإنها لم تعد اليوم نقطة أساسية في احترام الذات.
المرأة الجميلة واحترام الذات
ينعكس جمال المرأة بشكل كبير على احترامها وتقديرها لذاتها، فهي تعتقد انها بجمالها قادرة على كسب محبة واهتمام الآخرين. لكن المرأة التي تربت على أن الجمال مصدر من مصادر احترام الذات، قد تفشل في أمور حياتية كثيرة، لذا لابد من مساعدة الفتاة علي الاتجاه الى مصادر تحميها من ظاهرة الجمال، ودفعها للإيمان بشيء غير التشبه بدميتها الأنيقة، تماما!