ما الدليل الذى يبرهن على وجودى يا ترى ؟؟ تفوهت بهذا السرب من الكلمات وعقدته بعلامة استفهام بين حاجبى و أنا ملقى على أرض الحجرة
كانت ذرات الغبار تتجول فى أنفى بلا كلل فى شكل دوامات هذا غير افتراشها لأرضية الحجرة حتى أن الرقعة الوحيدة التى خلت منه تلك التى كانت أسفل أنفى !
لم يكن هناك ما يثبت عدمى... أو حتى يثبت وجودى ً!
كان الفراغ يطهو طبقى المفضل فى كل يوم ثلاث مرات
بنفس المكونات ونفس الطريقة
يأتى بصحن الإنتظار ويسكب فيه بعض من العطر ثم يدس كِسرات الخيبة فيه ويقذفة أمامى
كنت أتناوله .. أتناولنى.. بسقم
ما عدت ادرك المشاهد حولى.. هناك ضباب كثيف يحيط بكل كيان أصادفه
واعلم ان تلك الكيانات لا ترانى ايضاً..اجزم بذلك
انا لم أكن ابصرهم تماماً..كان هناك شىء فى عينى يمنعنى من ادراك صورهم
اوووف يبدو اننى ولابد سأراجع طبيب العيون قريباً ... ما عاد احد يرانى!
فى آخر زياراتى له قال لىّ...لابد أن تغمض عينيك قليلاً...و توارب قلبك قليلاً وتجهل قليلاً ايضاً!
كانت كل ارشاداته "قليلاً" بدرجة جعلتنى أستقللها ولا أفعلها اطلاقاً..وقال لى اذا لم التزم ارشاداته..لن يرانى أحد!
بعد كل وجبة كنت أخرج تبغى وعلبة الثقاب التى ادسها فى معطفى كما أدسنى أيضاُ فى معطف الأمل..ويظل الأمل يشعلنى عوداُ تلو عود..فأتوهج كى أنطفىء..وألتهب كى اخمد
آخذ آخر سيجارة بعلبة التبغ ...دوماً هى آخر واحدة... لانى اتعمد ان افرغها تماماً الا من واحدة... و أظل أدعم العلبة فى كل وجبة بواحدة ..وكأنى ابحث عن بهجة بأقل التكاليف...بسيجارة واحدة ..أو اننى اعتدت الحاجة...أو الشح .. أو اعتدت أن أقرضنى اللذة بأجل
و ربما أقايضنى أيضاً على الفرحة ..وليس ببعيد ان أرابينى فيها كذلك ..
كنت آخذ أنفاس متقطعة من تلك السيجارة اليتيمة .. لن تصدقوا فى الحقيقة انا كنت اتنفس عبرها .. لم أكن أطيق كل هذا التلوث الذى يحاصرنى..حتى انى كنت احتفظ بالفلتر فى فمى بعد ان افرغ منها واظل اتنفس به حتى يحن موعد السيجارة الأخرى
آه أكاد ارى سؤال يحك رؤوسكم ! وماذا تفعل اذن بأنفك؟؟ أنفى للتراب فقط يا سادة
دعونا من هذا الآن. كنت ثابت تماماً بلا حراك..كان كل شىء يتحرك حولى ..كل شىء كان فى مدارى يعتنق الحركة إلاى..كنت كأننى تم رشقى بمسامير فى الارض..او كأن الفراغ تكاثر على فغرزنى فى ارضية الحجرة...او كأننى نبتُ من الأرض ..فأصلى فيها ..و ما يظهر منى فروع يمكن جزها فى اى لحظة و بعدها بقليل أنبت من جديد على نفس هيئتى السابقة ..لعنتى ابديه على ما يبدو..وقهرى محتوم
تلك الجدران حولى تحدنى بمحدوديتها ..أحياناً اظنها أخوتى لأنهم نبتوا مثلى من ذات الارض..لكنهم للأسف لا يدخنون ربما كانوا شاركونى دخان وحدتى ... كانوا جدران خمسة .. نعم خمسة ... رقعة ادراكى تحوّل كل ما يحوط بى الى جدران لذا فخامس جدار هو سقف الغرفة ..كل الذى لا استطيع اختراقه بالتأكيد هو جدار..ولأنى لم أرزق بسماء وكل ذريتى دخان و لا أعرف ما اذا كان هذا السقف هو سقف الحجرة فعلاً ام ان ارضى هى السقف وانا متدلى منه ..ثم ان تلك الافكار المتضاربة ليست مهمة بالقدر الكافى سواء كانت هواجسى تلك صحيحة أم خاطئة ..طالما ليس هناك من يدعمنى بحقيقة! وليس هناك من أنتظر حقائقه
ما أقسى أن تحيا سقمك وحدك...و الأقسى أن يشاركك فيه أحد..لذا توقفت حدى و أوقفت الآخرين حدهم..ما عادت ألام الآخرين تنفذ فى جلدى..كنت كأنى قد تقمصت منحوته
وما عادوا هم يروننى أسمن أو أغنى من وجع لذا ما عادوا يعكفون على سؤالى
يعجبنى فى الآخرين قدرتهم الرائعة على أداء أدوارهم وادارتهم لمشاعرهم .. ولكنى احتفظ بدهشتى داخلى..و اتابع وانتقد وأصفق حتى اننى أصنع لهم مجلة حائط يومية أعلقها على جدران صمتى..
بل وأعطى جائزة أحسن دور ايضاً .. حتى اننى أخذت جائزة أفضل مؤدى عن دورالصنم الأملس فى عمرى الأخير
راقنى