قصاصة من صفحات قديمة
زمان ..زمان ..في سالف العصر والأوان ..عندما كنت في مطلع الشباب وانهيتُ
دراستي بالمرحلة الثانوية ..ودَّعتُ قريتي..لأقيم بالقاهرة..بجواركُلـِّيَتي ..
سكنتُ مع مجموعة من زملائي بشقة بحي السيدة زينب..كانت لحجرتي شرفة صغيرة تطل
علي الشارع وفوقها مباشرة شرفة مماثلة لأسرة تسكن بالطابق الذي يعلونا..
وفي يوم ..قلت لنفسي: أشم شوية هوا في البلكونة بعيدا عن المراجع التي كان يلزمنا بها
أساتذتنا العظام في ذلك الزمن الجميل ..و بعد مذاكرة مرهقة.. جلستُ وحدي في الشرفة ..
سارحاً بخيالي في ملكوت الله .. فوجئتُ بقشْر لِبّ يتساقط في حجري من أعلى..رفعت ُ نظري
لأستطلع الأمر .. فرأيت فتاة جميلة تحتضن في كفها حفنة من اللبّ ..تقزقز ..ثم تقذف بشفتيها
الجميلتين قشر اللِّب عشوائيا ..بعضه يقع في الشارع.. وبعضه يسقط فوقي ..استثارني الموقف
سحبت ورقة وكتبت تعليقا على هذا الموقف.. تلك الكلمات التي ما زالت بذاكرتي :
ما كنتُ أخالك تغريني *** بسهــــــــام لِحـــــــــاظٍ وجبينِ
من فوق الشرفةِ قد طلّتْ *** لتثير خيـــــــالي وشجــــــــوني
غيداءُ لأجلي قد وُجدتْ *** وقفــــــــتْ بدلالٍ تغريـــــــــني
وتقــزْقــــزُ لِبــاً في يدهــــــا *** بالقشـــــــرِ الباقي ترميـــــــــنى
لأبُصَّ لهـــــــا وأعاتبهــــــــا *** باللفظ الحــــــــلوِ وباللِّيــــــــنِ
والقشْــــرُ يلـوثُ لي ثوبي *** فأنفِّـــــــــضُ ثوبــــــي بيمينى
فنظرت إليها في حــــذرٍ *** وهمستُ: فِعـــــالُكِ تـؤذيـنى
وأنا ابن القريـــة يمنعني *** عن صَـدِّ هـجـومكِ.. تكويني
إن قلتُ لنفسي خادعْهــا *** بالقـولِ.. سـيـمنـعـني ديـني
لو أنَّ جـمالكِ يجــذبنى *** وسهـــــامُ عـيـونـكِ تـُـرْديـنى
فـطريـقـةُ صـيدكِ باليـــــــةٌ *** وشـبـاكُـكِ لـيستْ تُـرضــيـني
لوْ بَدَل القشر قـَذَفْـتـيـنى *** بالــتُّـوفـي.. أو بـالــبَــنْــبُــونِ
أو أنك ِ كـنتِ رمـيـْـتـِيني *** بالـــورد.. لكـنتِ أَسَــرْتــيـني
وأتـيـتُ لبـابـــكِ أطرقُــــهُُ *** لأُقــدَّمَ مـهـــــــركِ بـيمـيـني
لكنَّ جــمــالاً مــخـلوطاً *** بـغـبـاءٍ ..يــصـبـحُ كالـطِّــيـنِ
لو نصف جمالٍ مـمـزوجٍ *** بذكـاءِ الـعقـلِ ..سـيُغــْـريـنـي