محمد الإدريسي
The
Tabula Rogeriana, drawn by al-Idrisi
for
Roger II of Sicily in 1154,
one of the most advanced
ancient world maps.
Modern consolidation, created from the 70
double-page spreads of the original atlas.
(Note that the north is at the bottom, and so the map appears "upside down")
خريطة من خرائط الإدريسي
الشريف الإدريسي
الإدريسي عالم مسلم من أهل البيت. أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومؤسسين علم الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ والأدب والشعر والنبات ودرس الفلسفة والطب والنجوم في قرطبة
إن أهمية الإدريسي تكمن في دراسته لأقاليم العالم كلها وخاصة أوروبا، وقد وضع الخرائط الدقيقة التي توضح جانبا من مواقع الأماكن الواردة في الكتب التي خلدها التاريخ
هو محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس، الإدريسيّ ،الحسني، الطالبي، المكنّى أبا عبد الله ( الشريف الإدريسي ) ، ينسب إلى أدارسة المغرب الأقصى، ولد في سبتة سنة( 493هـ ـ 1100م ) ونشأ وتعلم في قرطبة. كان في عصره مؤرخًا ومن أكبر علماء الجغرافية والرحالة ، كتب في التاريخ والأدب والشعر و النبات. درس الإدريسي الفلسفة والطب والنجوم، والجغرافيا، والشعر في قرطبة.
ارتحل في الأندلس، والمغرب، والبرتغال، ومصر. ومن غير المؤكد أنه وصل الى سواحل فرنسا وإنكلترا. سافر الى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. عاش فترة في صقلية، تركها في أواخر أيامه، ليعود إلى بلدته سبته حيث توفي عام 1165م.
من بين أهم أعماله وضعه لخريطة الأرض توضّح المناطق المناخية في العالم من كتبه المشهورة : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، روض الأنس ونزهة النفس، كتاب الممالك والمسالك، الجامع لصفات أشتات النبات و انس المهج وروض الفرج. كما ترك كتاباً في علم الجغرافية يحوي معلومات عن رحلاته، ورسائل من علماء آخرين إليه يطلبون منه معلومات جديدة في علم الجغرافية وقد قال عنه الصفدي: كان أديبًا ظريفًا شاعرًا، مغرى بعلم الجغرافيا
نشأتـــــــه وأعمالـــــــــــه
نشأ الإدريسي وتثقف في قرطبة، ومن هنا جاء نعته بـ (القرطبي)، فأتقن فيها دراسة الهيئة، والفلسفة، والطب، والنجوم، والجغرافيا، والشعر. طاف بلداناً كثيرة في الأندلس، والمغرب، والبرتغال، ومصر. وقد يكون عرف سواحل أوروبا الغربية من فرنسا وإنكلترا، كما عرف القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى، وفي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وبعد أن وصل الرحالة العربي الكبير الشريف الإدريسي إلى جزيرة صقلّية بدعوة من حاكم الجزيرة، نزل على صاحبها روجه الثاني أوبالعربية (روجار النورماندي ) بطلب منه واستقر في منطقة باليرمو)
ألف الإدريسي كتابه المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) والمسمى أيضاً (كتاب رجار) أو (الكتاب الرجاري) وذلك لأن الملك رجار ملك صقلية هو الذي طلب منه تأليفه، أكمله سنة 548هـ، وهو أصح كتاب ألفه العرب في وصف بلاد أوروبة وإيطالية، وكل من كتب عن الغرْب أخذ منه ، فقد غدا من أشهر الآثار الجغرافية العربية. ترجم بعض أقسامه إلى مختلف اللغات، وقد ترجم إلى الفرنسية ترجمة كثيرة الخطأ ـ كما يقول( سيبولد) في دائرة المعارف الإسلامية ـ وترجم إلى اللاتينية والإنجليزية والألمانية وكان حاكم صقلية مغرماً بالجغرافيا، مولعاً بمعرفة أحوال العالم المعمور آنذاك، فطلب من الرحالة العربي الكبير أن يصنع له خريطة للعالم، وكانت أول خريطة معروفة آنذاك وتعود إلى عهود قياصرة الروم وضعت عام (365م) وعرفت باسم خريطــــــة بوتنجــــــــر وكانت لا تتعدى الطرق والأراضي التي بالبحر الأبيض المتوسط حتى إن أغلب المدن التي كانت مؤشرة على تلك الخريطة قد تغيّرت أسماؤها أو زالت من الوجود
وهناك خريطة أخرى أكثر شهرة من الأولى هي خريطة (بطليموس) لكنها محدودة الفائدة أيضاً ولا تتجاوز حدود العالم المعروف في ذلك الوقت، وقيل إنها منسوبة إلى بطليموس لتكتسب قيمة تاريخية وعلمية، وقد رسم الإدريسي خريطته على تصوّر جديد لم يكن مألوفاً من قبـل فقـد كـان تصوّر القدماء عن الأرض أنها مسطحة تعوم على سطح الماء، ولكن الإدريسي صحح هذه الفكرة وقـــال، إنها كرة بيضاوية الشكل محاطة بالماء من كل جانب، وقسمها إلى قسمين يفصل بينهما خط الاستواء. وقد رسم الإدريسي خريطته بشكل مثير للدهشة، معيّناً عليها البحار والجبال والمدن والأنهار، ولكنه لم يضع في خريطته قارتي أمريكا واستراليا لأنهما لم تكونا قد اكتشفتا بعد
يقـــــــــــــال : أنه وبعد أن أكمل الإدريسي خريطته بالشكل النهائي طلب منه الحاكم (روجار) أن يصنع واحدة أخرى من الفضة لكي تبقى على مرّ الزمن، فجاءت هذه الخريطة على شكل مائدة مستطيلة كانت أول خريطة مجسَّمة في التاريخ على شكل مستطيل من الفضة تبلغ أبعاده 14 × 10 أقدام، ووزنه أربعمائة رطل رومي، وهي تكاد تكون أكبر الخرائط في العالم. وقد ذكر الإدريسي أنها تضمنت صور الأقاليم ببلادها وأمطارها ومواضع أنهارها وعامرها وغامرها والطرقات والأميال والمسافات والشواه
وفي رواية أخرى قيــــــــل أن الإدريسي كان من العلماء المعدودين في صنع دائرة الأرض من الفضة ، فقد طلب الحاكم منه صنع كرة من الفضة منقوش عليها صورة الأقاليم السبعة، ويقال أيضاً أن الدائرة الفضية تحطمت في ثورة كانت في صقلية، بعد الانتهاء منها بمدة قصيرة. والمثير للدهشة والاستغراب أن تبقى خريطة الحائط السريعة التلف، وتضيع خريطة المعدن التي أراد لها صاحبها أن تخلّد اسمه على مدى العصور، فقد كانت قيمتها المادية سبباً في تلفها وضياعها ، فبعد وفاة الحاكم بست سنوات هاجم الثوار القصر الملكي وهشموا المائدة الفضية قطعة قطعة، اقتسمها المهاجمون فيما بينهم، ثم ضاعت خريطة الحائط التي عملها الإدريسي ولم يبق غير خريطة كتابه الشهير (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) دليلاً على عمله الجبار في كلا الخريطتين الشهيرتين.. خريطة الحائط والخريطة المجسّمة، حيث أمضى أكثر من خمسة عشر عاماً من البحث والتقصي الدقيق لإنجازهما. في السنة التي وضع فيها الإدريسي كتابه المعروف، توفي الملك رجار فخلفه غليام أو ( غليوم الأول )، وظل الإدريسي على مركزه في البلاط، فألف للملك كتاباً آخر في الجغرافيا سمّاه (روض الأنس ونزهة النفس) أو (كتاب الممالك والمسالك)، لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود في مكتبة حكيم أوغلو علي باشا باسطنبول. وذكر للإدريسي كذلك كتاب في المفردات سماه (الجامع لصفات أشتات النبات)، كما ذكر له كتاب آخر بعنوان انس المهج وروض الفرج
الإدريسي ...... العالم الدقيــــــق
لقد صنف أحد الباحثين مراحل تطور الخرائط العربية إلى ثلاث
الأولى : مرحلة الخارطة المأمونية ونظائرها
الثانية : مرحلة الخرائط الإقليمية
الثالثة: مرحلة الخرائط الإدريسية وهي تمثل ذورة ما بلغته الخرائط العربية من تطور، ومن المتفق عليه أن المرحلة الوسطى لا علاقة لها بالمرحلة لأولى و الثالثة، فهي تمثل مرحلة مستقلة من مراحل الخرائط العربية، وقد اختلفت خرائط الشريف الإدريسي كلية عن خرائط رواد المدرسة الإقليمية فمنهجه الجغرافي الإقليمي يختلف عنهم أساسا، ولذلك فخرائطه لم تعتبر جزءا من خرائط أطلس الإسلام، فخرائط الإدريسي تلتزم بمقياس الرسم وتحديد مواقع خطوط الطول والعرض، كما تلتزم بالشكل الحقيقي لكل منطقة جغرافية، ولذلك تعتبر خرائطه قمة ما بلغته الخرائط العربية من تطور، وتفوقت على خرائط بطليموس الإغريقي
امتاز الإدريسي بدقته في حساب الأطوال والعروض للبلاد المختلفة بعد تقسيمه الأرض إلى سبعة أقاليم، ثم تقسيمه هذه الأقاليم إلى عشرة أقسام متساوية من الغرب إلى الشرق، فصار مجموعها سبعين قسماً، ووضع لكل قسم خريطة خاصة زيادة على الخريطة الجامعة. في الواقع كانت المعلومات البلدانية في كتابه مهمة من الناحية التاريخية، فقد وضع جغرافية العالم الإسلامي بتعبيرنا اليوم مندمجة بجغرافيا العالم، وهكذا فهي أرض الإسلام تمتد من بغداد إلى غرناطة، وهي تمتد لتعبر إلى أوروبا؛ وهنا دلالة السياق دلالة مهمة. فالسياق السياسي والاجتماعي والثقافي الذي كان يحكم الإدريسي مختلف كليا عن أي جغرافي آخر... لقد تصور العالم أو الأرض بوصفها جغرافيا مقسمة حسب الأطوال والمساحات، ومن فوقها تتراكم الجغرافيا السياسية. كما أن الإدريسي كان رحالة حقيقيا، تجول في حواضر شمال أفريقيا، وعرف مدنها وقراها وقد زار بعض المدن الواقعة على الشاطئ الفرنسي، ورحل إلى المشرق، فزار مصر والشام وسائر بلاد آسيا الصغرى، غير أنه لم يزر بغداد، إنما اعتمد على الأسئلة التي كان يوجهها إلى التجار القادمين من العراق، وقد اعتمد أوصاف الإصطخري وابن حوقل، أي أن معلوماته عن بغداد كانت معروفة في كتب الرحالة المشارقة، ولم يضف الإدريس أي شيء لمعارفنا عن بغداد في ذلك الوقت. فالمعلومة المفتتح التي أوردها في كتابه عن بغداد كانت مأخوذة من الإصطخري، والمعلومة المركزية التي أوردها كانت عن نهر عيسى الجانب الغربي يجري إليه نهر عيسى من الفرات، وعلى فوهته قنطرة دمما، ويتشعب منه نهر صغير اسمه الصراة، فيصب ماءه في الجانب الغربي فيسقي بساتينهم وضياعهم ويدخل المدينة فينتفع به ويشرب منه. ونهر عيسى تجري فيه السفن من الفرات إلى بغداد، وليس به سد ولا حاجز. وأما نهر الصراة فلا تقدر السفن على ركوبه لكثرة أسداد الأرحاء المتخذة عليه. وعلى نهر عيسى مدينة بادوريا ولها ديوان مفرد من أجل الدواوين، وتنفجر فيها أنهار كثيرة تشق أسواقها ومحلاتها وعليها المباني والدور والبساتين والضياع
في الواقع لم يكن الإدريسي من رحالة بغداد، فهو لم يزرها ولم يرها، إنما أخذ المعلومات الجغرافية والمكانية من رحالة آخرين، وتصور من خلالها مدينة ومن ثم صورها، لقد شكل من المعلومات الجغرافية سردا متتابعا وصف به مدينة وصنع لها شكلا ووجودا. لقد عرّف العالم أبو عبد الله محمد بن محمد المعروف بالإدريسي بجزيرة صقلية وجغرافيتها بصورة مفصلة، ومن حديث الإدريسي نقتطف بعضاً من حديثه عن 'رغوص' إحدى مناطق صقلية القديمة: 'هي قلعة قديمة منيعة وبلدة شريفة قديمة العمران، أزلية المكان، محدقة بها الأودية والأنهار، كثيرة المطاحن، حسنة الأبنية، واسعة الأفنية، ولها بادية خصيبة، ومزارع زكية رحيبة، وبينها وبين البحر سبعة أميال
زار الشريف الإدريسي بيت المقدس أثناء ترحاله، وروى من خبرها الشيء الكثير، فقال عنها: إنها مدينة جليلة القدر، وكانت تسمى إيلياء، وهي على جبل يصعد إليها من كل جانب.. ووصفها بأنها طويلة من المغرب إلى المشرق، وذكر أبوابها: باب المحراب الذي عليه قبة داود ـ عليه السلام ـ في طرفها الغربي، وباب الرحمة في طرفها الشرقي، وباب صهيون من جهة الجنوب، وباب عمود الغراب من جهة الشمال. ووصف كنيسةَ القيامة التي يحج إليها النصارى، وأُعجب ببنائها وعَدّه من عجائب الدنيا، وأشار إلى أن المتجه شرقًا بعد الخروج من تلك الكنيسة يجد أمامه مسجد بيت المقدس، ووصفه، فقال: .. إن نصفه مما يلي المحراب مسقوف بقباب صخر على عمد كثيرة، والنصف الآخر صحن لا سقف له، وفي وسط الجامع قبة عظيمة تعرف بقبة الصخرة
وقد كان للإدريسي كغيره من كبار العلماء والرحالة والباحثين مكانا مرموقا في ذاكرة الحضارة الإنسانية ، فله الفضل الكبير في قيادة ركب الحضارة في تلك الحقبة من الزمن. هؤلاء من الإدريسي وأمثاله كانوا فعلاً أناس عاديون مثلهم مثل كل البشر سوى أنهم يفكرون بغير الطريقة التي يفكر بها سواهم ويعملون بكل عزيمة و إصرار تطبيقاً لما نهلوا من بحور العلم والمعرفة فكانت أقدارهم تستجيب لإصرارهم وطموحهم ، وبذلك تميزوا عن غيرهم . واليوم يمكن أن نجد بعض من هذه النماذج العربية ولكن للأسف غيرشائعة والسبب يعود الى انحسار الاهتمام العلمي والتوجيهي ، فما تفاخرت أمة إلا بعلمها وتنظيمها ، وما ارتقت حضارة إلا بأخلاقها وثقافتها ، ولن نبلغ المجد مرة أخرى نحن العرب إلا كما بلغناه من قبل بسلاح العلم والمعرفة وبالأخلاق الحميدة التي تحلــّينا بها