السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفـات مع فصل الشتاء
الوقفة الأولى:
( تأمل وتفكر )
إن أحسن ما أتفقت فيه الأنفاس التفكر في آيات الله
وعجائب صنعه والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمّة
به دون شيء من مخلوقاته. وكم لله من آياته في كل ما يقع
الحس عليه، ويبصره العباد، وما لا يبصرونه، تفنى الأعمار
دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها. لكن تأمل معي هذه الحكمة
البالغة في الحر والبرد، وقيام الحيوان النبات عليهما. وفكر في
دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته.
ولو دخل عليه مفاجأة لأضنَّ ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات
كما خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة إلى مكان مفرط البرودة
ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك، فهل من متأمل
ومتفكر؟!
الوقفة الثانية:
( آيات الله في الشتاء )
الصواعق:
قال تعالى: " وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُم يُجَادِلُونَ
فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ .
2- الرعد والبرق:
عن ابن عباس قال: اقبلت يهود إلى النبي فقالوا: ( يا أبا القاسم
أخبرنا عن الرعد ما هو؟ ) قال: { ملك من الملائكة موكل
بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله }
قالوا: ( فما هذا الصوت الذي نسمع؟ ) قال: { زجره بالسحاب
إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر } قالوا: ( صدقت ) .
3 - المطر والبرد:
قال تعالى: " أًلَمَ تَرَ أَنَ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ
رُكَاماً فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِن
جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنَ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ
يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَ بصَارِ .
الوقفة الثالثة:
( شكوى )
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { اشتكت النار إلى
ربها فقالت: يا رب. أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين؛ نفس
في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من
زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها } .
فتذكر يا أخي شدة زمهرير جهنم بشدة البرد القارس
في الدنيا، وإن ربط المشاهد الدنيوية بالآخرة ليزيد المرء
إيماناً على إيمانه. يقول أحد الزهاد: ( ما رأيت الثلج يتساقط
إلا تذكرت تطاير الصحف في يوم الحشر والنشر ).
الوقفة الرابعة:
( التوحيد في الشتاء )
يكثر في هذه الأيام من بعض المسلمين نسبة المطر إلى
الأنواء ( منازل القمر ) وهذه النسبة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - نسبة إيجاد: أي أنها هي الفاعلة المُنزلة للمطر بنفسها
دون الله وهذا شرك أكبر مخرج من الملة الإسلامية.
2 - نسبة سبب: أي أن يجعل هذه الأنواء سبباً مع اعتقاده أن
الله هو الخالق الفاعل، وهذا شرك أصغر؛ لأن كل من جعل سبباً
لم يجعله الله سبباً لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركاً أصغر.
3 - نسبة وقت: وهذه جائزة بأن يريد بقوله: مطرنا بنوء كذا
أي جاءنا المطر في هذا النوع أي في وقته، لهذا قال
العلماء: ( يحرم أن يقول مطرنا بنوء كذا، ويجوز مطرنا في نوء كذا ).
والأفضل من هذا أن يقول العبد كما جاء في الحديث: { مطرنا بفضل الله
ورحمته }.
الوقفة الخامسة:
( الشتاء وعمر الإنسان )
بإدراكنا هذا الشتاء يكون قد مضى وانصرم من أعمارنا عاماً
كاملاً سيكون شاهداً لنا أو شاهداً علينا. والمؤمن يقف مع نفسه
وقفة صادقة ويقول لها: إنما هي ثلاثة أيام:
قد مضى أمسٌ بما فيه,
وغداً أملٌ لعلك لا تدركه,إنك إن كنت من أهل غد فإن غداً
يجيء برزقه. ودون غد يوماً وليلة تخرم فيه أنفاس كثيرة.
لعلك المخترم فيها كفى كل يوم همُّه.
ثم قد حملت على قلبك الضعيف همّ السنين والأزمة
وهمَّ الغلاء والرخص وهمَّ الشتاء قبل أن يجيء الشتاء
وهمَّ الصيف قبل أن يجيء الصيف فماذا أبقيت من
قلبك الضعيف لآخرته؟
كل يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن.
منقول للفائدة