عمره عندما أسلم
أسلم عياض رضي الله عنه قبل صلح الحديبية - والذي كان سنة 6 من الهجرة - وشهدها . ومات رضي الله عنه سنة 60 وهو ابن ستين سنة ، فيكون عمره عندما أسلم على فرض أنه أسلم سنة 5 من الهجرة ؛ يكون عمره عندها خمس وأربعون سنة .
أهم ملامح شخصيته
1- الزهد والورع معاً
- لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه ، فلقيهم بالبشر فأنزلهم وأكرمهم فأقاموا أياماً ، ثم سألوه في الصلة وأخبروه بما تكلفوا من السفر إليه رجاء معروفه ، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير وكانوا خمسة فردوها واستخطوا ونالوا منه ، فقال : أي بني عم ، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ، ولكن والله ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه فاعذروني . قالوا : الله ما عذرك الله إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله . فقال : فتأمروني إن أسرق مال الله ! فو الله لأن أشق بالمنشار أو وأبرى كما يبرى السفن أحب إليّ من أن أخون فلساً أو أتعدى وأحمل على مسلم ظلماً أو على معاهد . قالوا : قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك ، فولنا أعمالاً من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ونصيب ما يصيبون من المنفعة ، فأنت تعرف حالنا وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا . قال : والله إني لأعرفكم بالفضل والخير ولكن يبلغ عمر بن الخطاب أني قد وليت نفراً من قومي فيلومني في ذلك ، ولست أحمل أن يلومني في قليل ولا كثير . قالوا : قد ولاك أبو عبيدة بن الجراح وأنت منه في القرابة بحيث أنت فأنفذ ذلك عمر ولو وليتنا فبلغ عمر فأنفذه . فقال عياض : إني لست عند عمر بن الخطاب كأبي عبيدة بن الجراح ، وإنما أنفذ عمر عهدي على عمل لقول أبي عبيدة في وقد كنت مستوراً عند أبي عبيدة فقال في : واعلم مني ما أعلم من نفسي ما ذكر ذلك عني ، فانصرف القوم لائمين لعياض بن غنم .
وكان عياض بن غنم رجلاً سمحاً وكان يُعطي ما يملك لا يعدوه إلى غيره لربما جاءه غلامه فيقول : ليس عندنا ما تتغدون به ! فيقول : خذ هذا الثوب فبعه الساعة فاشتر به دقيقاً . فيقول له : سبحان الله ، أفلا تقترض خمسة دراهم من هذا المال الذي في ناحية بيتك إلى غد ولا تبيع ثوبك ؟ فيقول : والله لأن أدخل يدي في جحر أفعى فتنال مني ما نالت أحب إليّ من أن أطمع نفسي في هذا الذي تقول ، فلا يزال يدفع الشيء بالشيء حتى يأتي وقت رزقه فيأخذه فيوسع فيه ، فمن أدركه حين يأخذ رزقه غنم ، ومن تركه أياماً لم يجد عنده درهماً واحداً . ومات عياض رضي الله عنه يوم مات وما له مال ولا عليه دين لأحد .
2- الجانب القيادي
- حيث أنه قاد عدة فتوحات وتولى عدة ولايات . قال ابن سعد فقال : شهد الحديبية وما بعدها وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك .
- وفي تاج العروس : رُوِىَ في بعض الآثار : أَنّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : " رُفِعَتْ لَيْلَةَ أَسْرِيَ بي مدينةٌ فأَعْجَبَتْنِي فقلتُ لجِبْرِيلَ : ما هذهِ المَدِينَةُ ؟ فقال : نَصِيبِين . فقلتُ : اللّهم عَجِّلْ فَتْحَها واجْعَلْ فيها بَركةً للمسلمينَ ". ففتحها عياضُ بْنُ غنم الأَشعري رضي الله عنه .
- ومن البلاد التي فتحها أيضاً ( الرهاء ) بضم أوله ممدود ، مدينة من أرض الجزيرة ودخل أهل سائر الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرهاء من الصلح .
- لما فرغ عياض بن غنم رضي الله عنه من الجزيرة دخل الدرب ، فبلغ بدليس فجازها إلى خلاط وصالح بطريقها وانتهى إلى العين الحامضة فلم يتجاوزها ، وعاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها ثم انصرف إلى الرقة ومضى إلى حمص .
- وجاء في معجم البلدان : اجتمع الروم فحاصروا أبا عبيدة بن الجراح والمسلمين بحمص فكتب عمر رضي الله عنه إلى سعد بإمداد أبي عبيدة بالمسلمين من أهل العراق ، فأرسل إليه الجيوش مع القواد وكان فيهم عياض بن غنم ، وبلغ الروم الذين بحمص مسير أهل العراق إليهم فخرجوا عن حمص ورجعوا إلى بلادهم ، فكتب سعد إلى عياض بغزو الجزيرة فغزاها سنة 71 وافتتحها . فكانت الجزيرة أسهل البلاد افتتاحاً لأن أهلها رأوا أنهم بين العراق والشام وكلاهما بيد المسلمين فأذعنوا بالطاعة فصالحهم على الجزية والخراج ، فكانت تلك السهول ممتحنة عليهم وعلى من أقام بها من المسلمين .
3- شدة الكرم والسخاء والجود
قيل عنه : كان صالحاً فاضلاً جواداً . وكان يسمى ( زاد الركاب ) يُطعم الناس زاده ، فإذا نفد الزاد نحر لهم بعيره .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
عن شريح بن عبيد الحضرمي وغيره قال : جلد عياض بن غنم صاحب دارياً حين فتحت ، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض ثم مكث ليالي ، فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه ، ثم قال هشام لعياض : ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس " . فقال عياض بن غنم : يا هشام بن حكيم ، قد سمعنا ما سمعت ورأينا ما رأيت ، أو لم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه له ، وإنك يا هشام لأنت الجريء ! إذ تجترئ على سلطان الله ، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى .
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم
- عن عياض بن غنم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً فإن مات فإلى النار وإن تاب قبل الله منه . وإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين يوماً فإن مات فإلى النار وإن تاب قبل الله منه . وإن شربها الثالثة أو الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال " . فقيل : يا رسول الله وما ردغة الخبال ؟ قال : " عصارة أهل النار " .
- وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تأكلوا الحمر الإنسية " .
- وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينصح السلطان فلا يبدأه علانية ، ولكن يأخذ بثوبه وليخل به ، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الحق الذي عليه " .
- وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله : " ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر . كل سوف تعلمون ". يقول : " لو دخلتم القبور ، " ثم كل سوف تعلمون " وقد خرجتم من قبوركم ، " كلا لو تعلمون علم اليقين " في يوم محشركم إلى ربكم ، " لترون الجحيم " أي : في الآخرة حق اليقين كرأي العين ، " ثم لترونها عين اليقين " يوم القيامة ، " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " بين يدي ربكم عن بارد الشراب وظلال المساكن وشبع البطون واعتدال الخلق ولذاذة النوم ، حتى خطبة أحدكم المرأة مع خطاب سواه فزوجها ومنعها غيره " .
بعض كلماته
قال عياض بن غنم :
من مـبـلـغ الأقـــوام أن جـمـوعـــنا حوت الجزيرة غير ذات رجام
جمعوا الجزيرة والغياب فــنفســــوا عمن بحمــص غيابة القدام
إن الأعـــــزة والأكارم مـــعشــر فضوا الجزيرة عن فراج الهـام
غلبوا الملوك على الجزيرة فانتـهوا عن غزو من يأوي بلاد الشــام
الوفاة
توفي رضي الله عنه بالشام سنة 20هـ ، وهو ابن 60 سنة .