بسم الله الرحمن الرحيم
ندوة علمية عن صلة القلب بالعقل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العلم نور الله في الأرض ونور الله لا يهدى لعاص ، وسبحانه الذي قال: "علم الإنسان مالم يعلم"، فقلما شربنا قطرة من بحر علم الله الذي وهبه لبعض خلقه إلا وأحسسنا أننا مازلنا على شاطىء فيوضات الرحمن الرحيم و ما زلنا نجهل . واليوم نغوص في بعض الأسئلة التي تتوارد علينا لمعرفة الإجابة منها : هل القلب هو العقل ؟ وما علاقة القلب بالجوف ، وما هي أنواع القلوب ؟ ولماذا اختلفت آراء الفلاسفة والعلماء والمفكرين في القلب ؟ وهل يموت العقل ؟ و منه سنتطرق الى
إجابة شافية بمشيئة الرحمن عما يدور بالموضوع
صلة القلب بالعقل
في محراب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة الشريفة عن القلب أُقيمت ندوة تحدث مقرر الندوة د. كارم غنيم الأستاذ بجامعة الأزهر فقال : لقد بحث العلماء طوال القرون الخوالي في موضوع القلب ، وصلته بالعقل والنفس والروح ، وذهب البعض إلى أن القلب إنما هو النفس استنادا إلى قول الله تعالى : واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ، فالأنفس هنا هي القلوب ، وأما الصدر لغة فهو مقدم كل شيء وأوله ، وهو مفرد وجمعه صدور ؛ وقد ورد في القرآن الكريم ليحتوى القلب في مثل قوله تعالى : "أفلم يسيروا في الأرض لتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ، وأكده قوله تعالى : "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" . ففي الصدر يحصل الانشراح أو الضيق ويؤيده أيضا قوله تعالى : "نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين" ، وقال علماء اللغة : إن الصدر يعبر عن القلب واستندوا لقوله تعالى : "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" . ومنهم من وضح العلاقة بين القلب والجوف ، والجوف هو باطن البطن ، ومنهم من يرى أن القلب هو الروح ، على اعتبار أن العقل قد يكون العلم بحقائق الأمور ، وقد يكون هو المدرك للعلوم ، ولذا فان القلب يطلق ويراد به صفة العلم ومحل الإدراك .
أنواع القلوب
ويوضح د. كارم غنيم أن القرآن خصص بعض القلوب وحددها ، نذكر منها على سبيل المثال : قلب رسول الله في قوله تعالى : "قل من كان عدوا لجبريل فانه نزل على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" ، وقلب سيدنا إبراهيم عليه السلام : "وان من شيعته لإبراهيم ، إذ جاء ربه بقلب سليم" ، وكذلك قلوب الصحابة في قوله تعالى : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" ، أما قلوب خواص المؤمنين : "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ..." ، وقلوب أصحاب الكهف : "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا" ، وقلوب حواريي عيسى عليه السلام : " قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين " ، أما قلب أم موسى : "وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين " ، وهناك قلوب الكافرين : "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم " ، وقلوب الفجار : "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " .
كما بين د. غنيم أن القرآن الكريم قسم القلوب باعتبارها المعنوي لا الحسي 3 أنواع " القلب الحي ـ القلب الميت ـ القلب المريض ) وتجلى هذا التقسيم في قوله تعالى : "ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد ، وليعلم الذين أوتوا أنه الحق من ربك فيؤمنوا به ، فتخبت له قلوبهم وان الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم "
. فإذا كان القرآن الكريم قد قسم القلوب إلى 3 أنواع فان الحديث النبوي الشريف قسمها إلى 4 أنواع لقد روى الإمام أحمد في مسنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "القلوب أربعة : قلب أجرد مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوص ، وقلب مصفح .. "
فالقلب الأجرد قلب المؤمن سراجه فيه نوره أما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوص فقلب المنافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المادتين غلبت غلبت على الأخرى" .
آراء المفسرين والعلماء
أما الدكتور أحمد شوقي إبراهيم رئيس المجمع العلمي لإعجاز القرآن والسنة فيقول : إن أي متحدث يتكلم عن القلب والعقل لابد أن يتكلم أولا عن آراء المفسرين والعلماء القدامى والمحدثين ، وهم لم يجتمعوا على رأى في هذا الموضوع وكل واحد له رأيه ؛ فلماذا هذا الاختلاف ؟ فهناك أسباب لذلك منها :
السبب الأول أن هذه غيبيات وليس لها مرجع إلا الوحي مصداقا لقوله تعالى : "ولا يعلم الغيب إلا الله ومن ارتضى من رسول" ، وكذلك في القرآن والسنة ومن ثم اجتهد هؤلاء العلماء والفلاسفة في هذا الشأن . وسبب آخر أن هذه الأمور ذكرت في القرآن والسنة على الكناية والمجاز تارة وعلى التمثيل والتشبيه تارة أخرى .. غيب عبر عنه بهذه الأساليب البلاغية أدى إلى اختلافهم اختلافا كبيرا ، فالذي يبحث في هذه الموضوعات عليه الآتي : لابد أن يعتمد على ما جاء في القرآن والسنة من حقائق علمية وبعد ذلك يرجع إلى القواميس اللغوية ليجد القلب بمعنى والعقل بمعنى ثان والفؤاد بمعنى آخر ، فالمتحدث في الإعجاز العلمي عليه أن يكون ملما لهذه الأساليب البلاغية .
فنجد أن القلب ما ذكر في القرآن الكريم إلا كناية عن العقل ، ونقرأ في القواميس اللغوية والمعاجم في تعريفهم للقلب هو الفؤاد وهو العقل إذن القلب والفؤاد والعقل بمعنى واحد داخل المعاجم اللغوية ولكن الفؤاد أشمل من العقل ولهذا أسباب في قوله تعالى : "نزل به الروح الأمين على قلبك" "عقلك" ، "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" "عقل" "فتخبت لهم قلوبهم" ، "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ، "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" هنا يدل على فساد العقل والرأي .
أما الحديث الشريف فذكر القلب على الحقيقة وكذلك على المجاز ، ذكر القلب على الحقيقة فقال : "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب ، ووضع يده الشريفة على صدره .. "القلب العضوي الذي يضخ الدم للجسم كله فأي إنسان مسئولا عن مؤسسة فإذا فسد هذا الإنسان فسدت المؤسسة كلها وإذا صلح صلحت بكاملها .
العقل ليس في القلب
ويضيف د. أحمد شوقي إبراهيم أن هناك آية كريمة طالما اختلف المفسرون في تفسيرها ويخطئون في فهمها : "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ، كثير من الناس فسروا هذه الآية على ظاهر لفظها ولم يعلموا أن في هذه الآية بها كناية ومجاز، وقالوا إن القلب إنما هو العقل ، وهذا ليس صحيحا لأنه مجاز .
ففي سنة 1997 قام الدكتور بنمار بتغيير قلب رجل واستبدله بقلب إنسان آخر وكانت امرأة وانتظر عسى أن يتغير فكره وعقله فلم يتغير فكره وعقله أبدا ولذا استنتج أن العقل ليس في القلب . والمراد من الآية الكريمة أنه لا يعتد من عمى الأبصار لأن العمى الحقيقي هو عمى القلوب والفكر و العقل ، لأن عمى الإبصار يمكن الاستعاضة به بالحواس الأخرى فتعينه على الاتصال والمشاركة في الحياة في مجتمعه ؛ أما عمى القلب فهو حقيقي ونهائي ولا يستعاض عنه بشيء آخر أبدا.
ترجمة القرآن الكريم
يبدو أن الحديث ذا شجون ، ففهم إعجاز القرآن الكريم نفحات من رب العالمين لبعض خلقه وكذا التفسير القرآني ، ولذا وجدنا اختلافا كبيرا بين اجتهادات المفسرين والمشتغلين بالحديث القرآني ، وهنا لابد أن أنبه الذين يترجمون معاني القرآن الكريم بأن هناك أخطاء فظيعة وقع فيها المشتغلون بهذا العلم القرآني في ترجمته إلى لغات كثيرة وسنضرب بعض الأمثلة لهذه الأخطاء التي فرغت النص القرآني الحكيم من مضمونه المراد له وفى أساليبه البلاغية بترجمة لفظية حرفية مما أوقعنا في مهازل للترجمة .
ومن هنا أحب أن أنبه أننا في المجمع العلمي للإعجاز في القرآن والسنة أنشأنا لجنة للترجمة خاصة بآيات الإعجاز العلمي وأي مشارك سواء بجهده أو علمه أو ماله فله عند الله فضل كبير للوصول بقرآننا إلى كل الناس بصورة صحيحة وبخاصة المسلمين في الغرب أو الشرق الذين يتحدثون غير العربية لغة .
ومثال هذه الأخطاء في الترجمة : ـ
في قوله تعالى : "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة" وجدنا الترجمة الحرفية هكذا :
The god has closed theear’s and eye’s of their hard يعنى "أن الرب أغلق آذان وعيون قلوبهم" ، فهل معنى الآية ذلك ولذلك تعتبر هذه الترجمة ترجمة سقيمة .
مثال آخر: في قوله تعالى : "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" The divin hand has opened the ear’s of his hard and eay’s of his mind " يعنى (يد الرب قد فتحت آذان قلبك وعيون فؤادك).
ويختم د. أحمد شوقي إبراهيم رئيس المجمع العلمي حديثه بقول كما قلنا : إن هذا موضوع مختلف عليه ، لأنه من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله ، وأنا كأستاذ قلب كلما تقدمنا في العلم في هذا المجال تأكد جهلنا لكثير من الأشياء الأخرى التي لم تكتشف بعد ولا نعلمها . فمثلا قال أحد علماء الخلية والوراثة الأجانب التي لاترى بالعين المجردة : كلما ذهبنا في علم الخلية وجدنا أنفسنا على شاطىء بحر كبير ، فالمعلومات التي توصلنا إليها في الحامض النووي في الخلية البشرية لو كتبت على شريط حاسوب لكان طول هذا الشريط بين الأرض والقمر ذهابا وإيابا .. فسبحان علام الغيوب .. فنحن لا نعلم شيئا من علم الله إلا ما شاء الله وأراد علمنا به .
وظيفة القلب
أما ا. د. أبو الوفا عبد الآخر عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فيوضح أن للقلب ازدواجية التقييم من ناحية المنظور المادي والآخر من ناحية المنظور المعنوي ، ويتولى الأمور الأخلاقية والإيمانية في الإنسان ويشارك النفس البشرية أعمالها ، ويتولى الآخر المهام الجسدية الحيوية المعروفة ، وترى القلب أهم عضو في الجسد البشرى حتى انه يعد توقفه أهم علامات الموت .
وبعد أن تقدمت علوم الطب في ميدان الجراحة ، واستطاع العلماء نقل القلب من شخص لآخر ومن ثم دارت إشكالات حول رؤية القلب ؛ ورأى أصحاب المنظور المادي بانضمام القلب إليهم ، ورأوا إن القلب مضخة للدم ولا علاقة له بالأخلاق ولا الإيمان والروحانيات . هنا أصبحت المواجهة حتمية والرد بحكمة وعلم ومنطق يجمع بين الأسلوب المعنوي والمادي لأن القضية ذات شطرين .
ويتساءل د. أبو الوفا عبد الآخر هل القلب له دور في السلوك والإيمان والكفر أم أن دوره فقط مضخة للدم ؟وهل القلب المتفق عليه والذي يقع في القفص الصدري والمعروف بالإنكليزية hartأم أنه العقل وهو قول المتئولة وبعض المفسرين والمتكلمين والموجود في الدماغ ، أم أنه اسم جامع لا تحليل عضويا له ولا مكانيا . إن أقرب الأدلة القرآنية والسنة هو ذلك القلب المتفق عليه لاهو العقل ولا أي مفهوم آخر . هو العضو الموجود داخل الصدر الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان والتقوى ها هنا محددا القلب الموجود في الصدر لا العقل الموجود في الدماغ ؛ فالقرآن أشبع القلب ووظيفته قولا بحيث يكون مفهوما بأن للقلب دورا عاطفيا ودورا إيمانيا ودورا يقينيا ، فكيف نتعرف على القلب هل هو في الدماغ أم في الصدر أم في الجوف ؟ هل يكفى تحديد المكان بإشارة الرسول إلى الصدر ، ولكن هناك أحاديث أخرى لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" هل هو جوف الرأس أم البطن . وقوله تعالى : "ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" أين الصدر هل هو الدماغ أم القفص الصدري وبعد أن نتفق على مكانه يسهل التعرف عليه .
إحدى ندوات الإعجاز العلمى