بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري
أيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ أنْ يُدخَلَ جَنَّةَ نَعيمٍ؟
يقول المولى عزوجل في محكم تنزيله في سورة المعارج
أيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ أنْ يُدخَلَ جَنَّةَ نَعيمٍ؟
فيأتي الجواب الالهي ب كلاَّ ! انَّا خلقناهُمْ ممَّا يعلمونَ
لو نظرنا الى الآيات الكريمات التي سبقت هاتين الآيتين الكريمتين من سورة المعارج والتي تحدثت عن أهوال يوم القيامة, وعن يوم الحساب الذي يبلغ طوله خمسين ألف سنة, ولا ندري هل طول السنة مثل سنواتنا هذه, أم بألف سنة مما نعد كما جاء في صدر سورة السجدة بقوله تعالى
يُدبَرُ الأمرَ منَ السماءِ الى الأرضِ ثمّ يَعرُجُ اليهِ في يومٍ كانَ مقدارُهُ الفَ سنةٍ ممَّا تعُدُّونَ
يقول الله تبارك وتعالى في سورة المعارج
سَأَلَ سَآٮِٕلُۢ بِعَذَابٍ۬ وَاقِعٍ۬ * لِّلۡڪَـٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُ ۥ دَافِعٌ * مِّنَ ٱللَّهِ ذِى ٱلۡمَعَارِجِ * تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِى يَوۡمٍ۬ كَانَ مِقۡدَارُهُ ۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٍ۬ * فَٱصۡبِرۡ صَبۡرً۬ا جَمِيلاً * إِنَّہُمۡ يَرَوۡنَهُ ۥ بَعِيدً۬ا * وَنَرَٮٰهُ قَرِيبً۬ا * يَوۡمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلۡمُهۡلِ * وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ * وَلَا يَسۡـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمً۬ا * يُبَصَّرُونَہُمۡ*ۚ يَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ يَفۡتَدِى مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِٮِٕذِۭ بِبَنِيهِ * وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـٔۡوِيهِ * وَمَن فِى ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعً۬ا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّآ*ۖ إِنَّہَا لَظَىٰ * نَزَّاعَةً۬ لِّلشَّوَىٰ * تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ * وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ * إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعً۬ا * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا * إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِہِمۡ دَآٮِٕمُونَ * وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمۡوَٲلِهِمۡ حَقٌّ۬ مَّعۡلُومٌ۬ * لِّلسَّآٮِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ * وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ * وَٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّہِم مُّشۡفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّہِمۡ غَيۡرُ مَأۡمُونٍ۬ * وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٲجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُہُمۡ فَإِنَّہُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٲلِكَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِہِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٲعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِشَہَـٰدَٲتِہِمۡ قَآٮِٕمُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِہِمۡ يُحَافِظُونَ * أُوْلَـٰٓٮِٕكَ فِى جَنَّـٰتٍ۬ مُّكۡرَمُونَ * فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهۡطِعِينَ * عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطۡمَعُ ڪُلُّ ٱمۡرِىٍٕ۬ مِّنۡہُمۡ أَن يُدۡخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ۬ * كَلَّآ*ۖ إِنَّا خَلَقۡنَـٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ * فلا أُقسمُ بربِّ المَشَـٰرِقِ وَٱالمَغَـٰرِبِ إِنَّا لَقَـٰدِرُونَ * عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرً۬ا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ * فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ * يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعً۬ا كَأَنَّہُمۡ إِلَىٰ نُصُبٍ۬ يُوفِضُونَ * خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٌ۬*ۚ ذَٲلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ
سبب تسمية هذه السورة بسورة المعارج نسبة لعروج الملائكة الأطهار الأبرار ومعهم سيد ملائكة السماء وأمينها ووحيها جبريل عليهم الصلاة والسلام الى رب العالمين في يوم الحساب, الذي قال عنه المولى تبارك وتعالى: تعرج الملائكة والروح اليه في يوم مقداره خمسين ألف سنة, ذلك اليوم وربّ الكعبة آت لا محالة, انه هو يوم القيامة , يوم الحساب, وقال عنه ابن عباس رضي الله عنهما: هو يوم القيامة جعله الله عزوجل على الكافرين خمسين الف سنة ثم يدخلون
النار للاستقرار خالدين فيها أبدا لا يموتون فيها ولا يحيونَ
وهذا لا يتعارض أبدا مع قوله تعالى في سورة السجدة 5: فييوم مقداره ألف سنة, قال المفسرون رحمهم الله: أنّ القيامة مواقف ومواطن, فيها خمسون موطنا, في كل موطن ألف سنة, وأنّ هذه المدة الطويلة تخف على المؤمن حتى لتكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يؤديها في الدنيا, وهذا من فضل الله ورحمته بعباده المؤمنين, ونسأله تعالى أن يجعلنا منهم ويشملنا بعفوه وكرمه انه على ما يشاء قدير, وكان حقا علينا نصر المؤمنين
شأن هذه السورة شأن ما سبقها من السور المكية تبحث أصول العقيدة والايمان, ومحورها الأساسي يدور حول انكار كفار مكة للبعث والنشور واستهزاءهم بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم
ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن طغيان أهل مكة, وتمردهم على طاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, واستهزاءهم بالانكار والعذاب الذي خوّفوا به, وبيّنت كيف أن النضر بن الحارث لعنه الله طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُنزل عليهم عذاب الله العاجل ليستمتعوا به في الدنيا قبل الآخرة, وذلك كنوع من المكابرة والعناد, يقول الله عزوجل: سأل سائل بعذاب واقع.
ثم تناولت الحديث عن المجرمين في ذلك اليوم الفظيع الذي تتفطر لشدته السموات السبع ومثلهنّ من الأرض, وتتطاير فيه الجبال فتصير كالصوف الملون ألوانا غريبة
ثم تناولت طبيعة الانسان وكيف يكون جزعه عند الشدة , وكيف يبطر عند النعمة , لدرجة أنه يمتنع عن دفع الزكاة ويحرم حق الفقير والمسكين منه, وهذا المعنى تتكر في سور كثيرة من سور القرآن الكريم
ثم تحدثت عن المؤمنين وما اتصفوا به من جلائل الصفات الحميدة وفضائل الأخلاق التي تليق بهم كمؤمنين , وبينت ما أعده الله تعالى لهم من كرامات, ومن عظيم الأجر في جنات الخلد جنات النعيم, نسأله الله العزيز الحنان المنان الرحيم
أن يكتبنا من أصحابها
ثم عادت فتناولت المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم الطامعين في دخول جنات الخلد جنات النعيم, ولكن ليس الأمر كما يطمعون ويتمنون , وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى
أيطمع كل امريء منهم أن يُدخل جنة نعيم * كلا, انه خلقناهم مما يعلمون
أي هؤلاء الكفار المجرمون وأمثالهم لن يدخلوها أبدا الا في حالة واحدة وهي اذا دخل الجمل في ثقب الابرة, وهذا من المُحال,, بقول المولى تبارك وتعالى في سورة الأعراف 40
ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡہَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٲبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلۡخِيَاطِ*ۚ وَڪَذَٲلِكَ نَجۡزِى ٱلۡمُجۡرِمِينَ
وختمت السورة الكريمة بقسم جليل أقسم رب العزة وتعالى بنفسه الكريمة والجليلة على أن البعث والجزاء حقّ لا ريب فيه, وأنه آت لا محالة, وأنّ الله تعالى قادر اهلاك الكفار والمشركين والمنافقين ومن والاهم, واستبدالهم بقوم أفضل منهم وأطوع لله تبارك وتعالى منهم , وأنه سبحانه وتعالى ليس بعاجز أن يفعل هذا , ولكن الله يفعل ما يشاء
.
ما نودُّ بيانه هنا أنّ الجنة ليست مشرعةً الأبواب كما يظنّث البعض أو لمن شاء أن يدخلها, بل لدخول الجنة رسم , ورسم دخولها غالٍ جدا, فالجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حُفّت بالمكاره, تماما كقوله تعالى في سورة المرسلات 40-
وأما من خاف مقام ربه , ونهى النفس عن الهوى * فانّ الجنة هي المأوى
اذن ثمنها ليس بمن يملك الذهب أوالفضة, وليس بمن يملك المال والقطمير, بل ثمنها العمل الطيّب الصالح الخالص لوجه الله تبارك وتعالى , ثمنها بنهي النفس عن كل ما تهواه النفس بالحرام, سواء كان مال أو شهوة, وقد بيّن لنا المولى تبارك وتعالى الشروط التي اذا توافرت في كل عبد من عباد الله عزوجل دخل الجنة بسلام وآمان, وهذه الشروط أوالبنود ذكرها الله تبارك في صدر سورة المؤمنون , وذكرها الله عزوجل في سورة الأنعام في الآيات 151 -153, وذكرها الله عزوجل في ختام سورة الفرقان , وهي موجودة في هذه السورة الكريمة على الشكل التالي
الذين هم على صلاتهم دائمون (يحافظون على الصلاة بأوقاتها وخشوعها)
الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ( الزكاة والصدقات)
الذين يصدقون بيوم الدين (الايمان باليوم الآخر يوم القيامة, فيعملون له
الذين هم من عذاب ربهم مشفقون (الذين يخافون عذاب الله فنجدهم دوما خائفون وجلون)
الذين هم على فروجهم حافظون (من الزنا بكافة صوره وأشكاله)
الذين هم آماناتهم وعهدهم راعون (اذا أئتمنوا لم يخونوا, وان عاهدوا أوفوا)
الذين هم بشهاداتهم قائمون (الذين يحافظون عليها ولا يكتمون شهادة الحق وان كانت مرة)
الذين هم على صلاتهم يحافظون (أي على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها, كصلاة التطوع والسنن الراتبة, وكما نلاحظ أن الله افتتح بواعث الجنة بالصلاة وختمها بالصلاة لأهميتها فدلّ على الاعتناء بها والتنويه بشرفها. ولأنها عمود الدين وسنامه, ولأنّ من أقامها فقد أقام الدين, ومن هدمها فقد هدم الدين, لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر
سبحانك ربنا لا علم لنا الا ما علمتنا انك علام الغيوب, آمنا ربنا بكل ما جاء به القرآن الكريم على أنه تنزيل من العزيز الحكيم , اللهم انا نستودعك هذه الشهادة يا من لا تضيع عنده الودائع