اختبر حياءك من الله
لنعلم بداية أن جوهر حياء المسلم من الله يكمن في اتباع أوامره و اجتناب نواهيه. و لنعلم كذلك أن تمحيص مدى تمكن خلق الحياء من قلب المؤمن لا يمكن طلبه في حال ينعم فيها المسلم ببحبوحة و عافية، بل اختبار صدق الحياء من الله يكون ناجعا في امتحانين اثنين:
الامتحان الأول : الحياء والنوازع الفطرية
من الناجحين في هذا الاختبار أم موسى التي لم تتخذ الأمومة كذريعة للتملص من أمر الله " فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ"(القصص 7) بل حياؤها من الله كان أكبر من غريزة الأمومة فألقت الرضيع في اليم استجابة لأمر الله و اعترضت على فطرتها التي تأبى على الأم أن تؤذي طفلها.
كذلك شأن الأبوة التي لم تمنع إبراهيم عليه السلام من العزم على ذبح ولده اسماعيل حين جاءته الرؤيا
"قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " (الصافات 102)
فطاعة أم موسى و إبراهيم عليه السلام لأوامر الله و إذعانهما لها على الرغم من اصطدامها مع نوازع النفس البشرية دليل صارخ على صدق حيائهما من الله. و هاهو موسى، من جهته، حينما تسلم الرسالة، لم يقايض أمر الدعوة بنوازع الأخوة حين " وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ الأعراف 150
لما اعتقد أنه مسؤول عن خطيئة أتباعه.
فلا الأبوة و لا الأمومة و لا الأخوة و لا الصداقة تبيح للإنسان أن يعصي الله عز وجل، و الحياء من الله هو صمام الأمان و المنجي من الانزلاق في الشبهات، و إلا فسيستبيح الناس أكل الربا و الرشوة باسم متطلبات الذرية و ستستحل المرأة التبرج باسم الحصول على لقمة العيش..
حاولوا إخوتي أخواتي، أن تعرضوا أنفسكم على مثل هذا الاختبار... كيف كان سيكون حينها حياؤكم من الله؟؟
الامتحان الثاني : الحياء والابتلاء
و في هذا الامتحان نقرأ سيدنا أيوب عليه السلام في لائحة المتميزين. فعلى الرغم من مصابه في أهله و بدنه و ماله إلا أن ذلك لم يغير و لم ينقص من حيائه من الله، بل ظل سيدنا أيوب عليه السلام عابدا شاكر صابرا.
فأيوب ابتلي ابتلاء شديدا:
في أهله: إذ كان في أولاده فمات أولاده
وفي بدنه: إذ كان صحيحا فسقط طريح الفراش
وفي ماله: إذ كان غنيا و ما لبث أن أصبح فقيرا
و لما بلغ منه الابتلاء مبلغا عظيما و هو في سن متقدمة دعا الله و على استحياء و قال:
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(الأنبياء 83)
لقد كان استحياء أيوب عليه السلام شديدا من الله فاستصغر ما ألم به وتأدب مع الله وقال" أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ "
قلم ير في كل ذلك الابتلاء إلا مجرد مس؛ حياء لا يعلو عليه حياء و يقين قوي يدفع بالمرء إلى الاعتقاد الجازم بأن الله أرحم الرحيم و إن قدر علينا المصائب و الابتلاءات.
حقا أشد الناس بلاء الأنبياء.
و قد نلتمس الحياء أيضا من الله في زوجة أيوب عليه السلام، فهي لم تتخل عن زوجها حين تخلى عنه الناس، فحياؤها من الله منعها من هجر زوجها، إنها زوجة تقدر بشكل كبير عظم الميثاق الذي يجمعها به، لذلك لم تكن الظروف سببا في تخليها عن زوجها..إنه ميثاق غلظه الله فاستحيت زوجة سيدنا أيوب من استرخاصه فعاشت المحنة مع زوجها على صبر و ثقة في الله عز وجل.
إن هذا لهو الابتلاء العظيم و إن هذا لهو الحياء الأعظم