بنيّ ؛ لا تبكي عليّ ! أنا إن مت ، فقد ماتت من قبلي أمهات هنّ أفضل منّي ...
فلا تحزن يا كبدي، فهذي نهاية كل بداية ...
فما ألذّ أن أرى اليوم دمي يسيل على فخذك ! و قد كان من قبل يسري بداخلي ،
و ما أحلى أن يكون آخر عهدي بك أن يلمس جلدي جلدك ، هنا في العراء ، بعيدا
عن الأسرة المدبّجة ، و الأطباق الملونّة ، و ما أظن يا بنيّ إلاّ أنّ السماء قد أبت
إلا أن تبكي لفراق الأحبة هنا تحت أديمها و نجومها ... ابتسم الآن يا بنيّ ، و
كفكف دموعك الحَرّة ، و ارسم طريق غدك من يومك ، و لا تغرنّك رنّات السلام
المغروسة في بساتين الأحلام ، إنها مجرد شقشقة كلام ، محشوّة بالأوهام ...
هذي وصيّتي لك يا كبدي ، ازرعها في ربوع حقولنا،
و لا تتركها للجفاف....
أنا يا أمّاه لا ، و لن أنس و صيتك ، و لو كنت أشلاء
ممزقة ، حتى اُقبر في التراب ، و ألحق بك و وصيتك في يدي... لا تخالي أماه أنّ
دموعي المدرارة التي بللت كامل صدركي ؛ دموع جبن و خور ؛ إنمّا هي دموع
تفجرت لانفصال روحك عن روحي يا حبيبتي ، بعدما كنّا روحين حللنا بدنا
واحدا ... أنا لن أهون يا أمّاه ، أنا لن أخون عهد ك يا حبيبتاه، أنا لن أنكث عهد
جميع الأمهات اللائي زرعن في قلوبنا حب النضال ، و علمننا كيف ننسج من
خيوط الأسى و الإحن وشاح الصبر و الإصطبار ، و كيف نخترق جدر الظلمات
بأنوار الإيمان ، و كيف نخوض لجج الأهوال ، و لا نبالي ... سنثأر يا أمّاه ، لا
تخافي ، سنثأر يا أمّاه ، و لكن لربي و ديني ، و شعبي المهين ...هذا عهد يا أمّاه
لن ننساه ، ما دامت الأرواح في الأبدان ..
م0ن