كيف تعمل كواشف الجسيمات؟
يتلخص عمل الكواشف في تسجيل وتصوير انفجارات الجسيمات التي تنتج عن التصادمات في المسرعات. وتساعد المعلومات المُستنتجة عن سرعة الجسيمات، وكتلها، وشحنتها الكهربائية علماء الفيزياء على فهم هوية الجسيم.
يشابه عمل فيزيائي الجسيمات لتحديد الجسيم الذي مر عبر الكاشف طريقة دراسة آثار أقدام تركها حيوان في الطين أو الثلج. في حالة الحيوان، نجد أن عوامل مثل حجم وشكل العلامة، وطول الخطوة، والنمط العام، واتجاه وعمق البصمة قد تساعد في كشف نوع الحيوان الذي مرَّ سابقا. وبالمثل، تترك الجسيمات وراءها إشارات في الكاشف تروي قصتها التي يجب أن يفك علماء الفيزياء ألغازها.
تتألف أجهزة فيزياء الجسيمات الحديثة من طبقات من الكواشف الفرعية، ويختص كلٌ منها بدراسة نوعٍ معين من الجسيمات أو الخواص. وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الكواشف:
- جهاز التتبع (Tracking device): يكشف ويفحص مسار الجسيم.
- المسعر (Calorimeter): يوقف، ويمتص، ويقيس طاقة الجسيم.
- كاشف هوية الجسيم (Particle identification detector): يُحدد نوع الجسيم باستخدام تقنيات متنوعة.
تتضمن الكواشف وجود حقول مغناطيسية للمساعدة في تحديد الجسيمات الناتجة عن التصادم. تتحرك الجسيمات عادة على مسارات مستقيمة، لكنَّ مساراتها تنحني وتنحرف بوجود الحقل المغناطيسي. ونتيجةً لهذا الانحناء، يستطيع الفيزيائيون حساب كمية حركة الجسيم، مما يساعدهم في معرفة نوع الجسيم. غالباً ما تسلك الجسيمات التي تمتلك كمية حركة مرتفعة مسارات مستقيمة، في حين أن الجسيمات التي تمتلك كمية حركة منخفضة تتحرك للأمام ضمن حلزونات صغيرة.
أجهزة التتبع (Tracking devices)
تكشف أجهزة التتبع عن مسارات الجسيمات المشحونة كهربائيا من خلال الآثار التي تتركها وراءها. هناك تأثيرات يومية مشابهة، فمثلاً تترك الطائرات التي تحلق على ارتفاعات عالية وغير مرئية بالنسبة لنا آثاراً ورائها عند وجود شروط معينة. بطريقة مشابهة لذلك، عندما تمر الجسيمات داخل مواد مناسبة فإن تفاعل الجسيم المار مع ذرات المادة نفسها يمكن كشفه.
لا تجعل معظم أجهزة التتبع الحديثة من مسارات الجسيمات مرئية بشكل مباشر. بدلا من ذلك، تُنتج إشارات كهربائية صغيرة يمكن تسجيلها كبيانات على الحاسوب. وبعد ذلك، يُعيد برنامج حاسوبي تركيب حزم المسارات المسجلة من قبل الكاشف، ويعرضها على شاشة. بإمكان هذه الأجهزة تسجيل انحناء مسار الجسيم (المسبب من قبل الحقل المغناطيسي)، والذي من خلال معرفته يمكننا حساب كمية حركة الجسيم، وهذا الحساب مفيد جداً في تحديد هوية الجسيم.
حجرات الميون (Muon chambers) عبارة عن أجهزة تتبع تستخدم لكشف الميونات. تتفاعل هذه الجسيمات بشكل قليل جدا مع المادة ويمكنها التحرك لمسافات طويلة وتبلغ أمتاراً عبر مادة كثيفة. وكشبح يمشي عبر حائط، يمكن للميونات أن تعبر عبر الطبقات المتعاقبة للكاشف، وعادةً ما تُشكل حجرات الميون الطبقة الخارجية من الكاشف.
المسعر (Calorimeters)
يقيس هذا الجهاز الفقدان الحاصل في طاقة الجسيم الذي يدخل إليه. وهو مصمم عادة ليوقف معظم الجسيمات الناتجة عن التصادم بشكل كامل أو "يمتصها"، مجبرا إياها على تبديد طاقتها داخل الكاشف. يتألف الجهاز عادة من مواد "سلبية" أو "امتصاصية" عالية الكثافة (على سبيل المثال: الرصاص) ومتداخلة مع طبقات من وسط "فعال" مثل مادة الزجاج الرصاصي الصلبة، أو الأرغون السائل.
- المسعرات الكهرومغناطيسية: تقيس طاقة الجسيمات الخفيفة –الإلكترونات والفوتونات- عند تفاعلها مع جسيمات مشحونة كهربائيا داخل المادة.
- المسعرات الهادرونية: تقيس طاقة الهادرونات (الجسيمات التي تتألف من الكواركات: مثل البروتونات والنيوترونات) أثناء تفاعلها مع النوى الذرية.
تستطيع المسعرات إيقاف معظم الجسيمات المعروفة عدا الميونات والنيوترونوهات.
كواشف تحديد هوية الجسيم (Particle identification detectors)
هناك طريقتان لتحديد هوية الجسيم؛ وتعمل هاتان الطريقتان من خلال كشف الإشعاع الصادر عن الجسيمات المشحونة:
- إشعاع تشيرنيكوف: هو الضوء الذي يصدر عندما ينتقل الجسيم المشحون بسرعة أكبر من سرعة الضوء داخل وسط معين. ويصدر هذا الإشعاع عند زاوية معينة تتعلق بسرعة الجسيم. وبجمع ذلك مع قياسات كمية حركة الجسيم، يمكن استخدام السرعة لتحديد كتلة الجسيم وبالتالي نوعه.
- الإشعاع الانتقالي: هو الإشعاع الذي ينتج عن الجسيم المشحون والمتحرك بسرعة عند عبوره للحد الفاصل بين عازلين كهربائيين لهما مقاومات كهربائية مختلفة للتيارات الكهربائية. وتتعلق هذه الظاهرة بطاقة الجسيم وتفصل بين أنواع الجسيمات المختلفة.