جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر رفعه: «إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً»..
قال الزهري: الرحم باعتبار هاجر، والذمة باعتبار إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والذمة هنا بمعنى: الحرمة والحق.
وروى الزهري أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب الأنصاري حدثه أن رسول الله قال: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً».
قال أبو بصرة الغفاري: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، ألا ترى إلى قول يوسف: اجعلني على خزائن الأرض ، ففعل فأغيث بمصر وخزائنها يومئذ كل حاضر وباد من جميع الأرض.
مصر بلد الأزهر: منارة العلم، وحاملة مشعل النور للعالم في عصور غطت فيها أوربا في نوم سحيق، ثم قامت على أسس وقواعد العلوم الإسلامية، وسرعان ما تنكرت للإسلام والمسلمين وحضارتهم وبارزتهم العداء.
مصر حصن الإسلام وبلد الفتوحات: على تراب مصر مشى الفاتح الإسلامي العظيم عمرو بن العاص ومن نيلها ارتوى صلاح الدين الأيوني ومن عبير نسيمها تنفس قطز، وفي أرضها عاش العز بن عبد السلام والليث بن سعد والشافعي وابن حجر العسقلاني وعمر مكرم، وكان آخر انتصاراتها نصر أكتوبر العظيم، أسأل الله أن يعيده أمجاداً وفتوحات حتى نصلي جميعا في باحات القدس الشريف.
مصر إسلامية الشعب والهوى والمبادئ، مصر إسلامية الهوية والكيان، يمتزج الدين في دماء شعبها، ويسيطر حب الله على أفئدة أهلها، وتجري دماء الكرامة والعدالة في عروقهم.
اليوم تقف مصر على أعتاب تاريخ جديد، تطالب فيه بإطلاق قيدها وتحقيق مطالب شعبها، مطالب الكرامة والعدل، واستعادة الحقوق المسلوبة.
ومن هنا كان النداء لكل من قام من أهل مصر الشرفاء، أن يعي أنه ما ينبغي أن يقوم إلا لله، وأن يرفع شعار الإسلام، فبلد الإسلام اليوم لا تتحاكم لشريعة الرحمن، وإنما تتحاكم لشريعة الغاب، فأين مصر المسلمة، وتاريخها الكريم من واقعها الحاضر؟
عودتنا لديننا، حتى يحيى من عاش كريما ويلق الله عز وجل من مات شهيداً سعيداً، وليكن شعارنا كما كان في أكتوبر الله أكبر، وليكن لواؤنا لواء الدين.
لذا يجب أن تتميز صفوف الثوار والمطالبين، وتتحد كلمتهم على نصرة الله تعالى، وساعتها لا محالة سيظلهم النصر وسيمدهم الله بمدد من عنده..
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].
ولتكونوا من هؤلاء : {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج : 41]
كما أرجو أن ينتبه شعب مصر الأبي إلى عدم المساس بحقوق الناس أو التعدي على الغير خلال إبداء المطالب، ولتكن ثورتكم نظيفة، إياكم والوقوع فيما حرم الله، من انتهاك الأموال والأعراض والدماء، فهذه وقفة لله وينبغي أن تكون كذلك، وعليه فينبغي مراعاة حدود الله ومراعاة حدود شرعه تعالى، فلا تأخذ الحماسة شباب المسلمين إلى الوقوع فيما حرم الله من انتهاكات وإشاعة فوضى.
أبناء مصر الرباط :
مر على مصر عصور مضت، استلبت من أيديكم حقوق، منها حق الكرامة، وحق العيش الهنيء، وحق العبادة باطمئنان، وحق التعلم البناء وحق الاقتصاد القوي، وحق التسلح الرادع لجيش مصر الأبي، فصارت مصر سجن كبير، أغلق على أهله، فبأيديكم أنتم ولا تنتظروا من يساعدكم، ولكن في أطر شرعية عاقلة، استمروا على مطالبكم، وأعلنوا حقوقكم، وأعربوا عن هويتكم، نصركم الله ووفقكم.
طالبوا بحق التقدم العلمي، طالبوا بالنمو الاقتصادي، طالبوا بحق المأكل والملبس وأبجديات العيش الأساسية التي ينبغي أن تكفلها لكم خزائن دولتكم.
طالبوا بحرية الدعوة وحرية العبادة، وإطلاق سراح المعتقلين، وطمئنوا جيران الوطن بأن حقوقهم محفوظة، وكل خير سيعم على الجميع، وما انتشرت الفتن إلا بسبب البغاة، والإسلام برئ من كل دم يراق اليوم ومن كل فتنة مقصودة لتفريق مصر وتقطيع أوصالها.
فمنهج الإسلام بعيد كل البعد عن إشاعة الفتن، أخرج أبو داود بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشًا قال: «انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين». سنن أبي داود (2614).
فكيف بشركاء الوطن، ليسأل الجميع نفسه، من السبب في إشاعة الفتن وقد عاشت مصر تاريخها دون أي منغصات ؟
إن المطالب الإصلاحية اليوم هي مطالب تعم بالخير على الجميع، وينبغي أن ينصت لها العالم بكل وقار وأن تستجيب لها القيادة المصرية بكل سرعة، قبل أن تأكل النار مصر بالكامل في سبيل تيبس الأفكار والقرارات.
اللهم انصر مصر وأهلها وأعزها بالإسلام وأعز الإسلام بها وارفع رأسها ورأس أبناءها فبصلاحها صلاح للأمة إن شاء الله.