معركة مع الشيطان
لأنَّ الشيطان قد حشَد جنودَه وأتباعه من الإنس والجن، وجهَّز أسلحته، ونظَّم صفوفه، وأعدَّ عدَّته، وتأهَّب للاستِعداد مِن أجْل مهمَّة محدَّدة وهدف واضِح؛ إغوائك وإضلالك.
لأنَّ الشيطان كان سببًا في إخراج أبيك (آدم - عليه السلام) من دار النَّعِيم (الجنَّة) إلى دار الشَّقاء والابتِلاء.
لأنَّ الشيطان أقسَمَ بعزَّة الله أنْ يغوي البشَر أجمعين؛ ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82 - 83].
لأنَّ الشَّيطان درس مداخل نفسِك بعناية، واستغلَّ جهلَها وسعيَها وراء الرَّغبات والأهواء والشَّهوات، فاستَطاع أنْ يتسلَّل في غفلةٍ ويحتلَّ نفسك (الحصن الحصين)، فسَيْطر على قلبك، وأخضع له جوارحك.
لأنَّ الشَّيطان أقسم أنْ يضَع اللجام في فمك فيسيِّرك كيفما يَشاء، تمامًا كما يضَع الرجل اللجام في دابَّته؛ ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 62].
لأنَّ المعركة مع الشيطان شرسة، قديمة منذ بداية الخلق، منذ رفَض إبليس السجودَ لآدم - عليه السلام - واستكبر، وقال: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76].
لأنَّ الانتِصار في هذه المعركة يعني : الخلود في جنَّات النَّعِيم، ونيل رضا الرحمن الرحيم، أمَّا الهزيمة فإلى جهنَّم وبئس المصير.
لذلك كان لا بُدَّ لنا مِن وقفة، وقفة نُحدِّد فيها مهمَّة الشَّيطان وأهدافه ومداخله ووسائل مُواجَهته عبرَ هذه الرِّسالة القصيرة.
فإذا أردنا أنْ نحدِّد مهمَّة الشَّيطان في كلماتٍ قليلة، فإنَّ أساس هذه المهمَّة أنْ يجعَلَنا ننسى وجودَ الله وأنَّه مطَّلع علينا، يُراقِب أفعالَنا وحركاتنا وسكناتنا، يسمع ويرى، يعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصُّدور، يعلَم السرَّ وأخفى، فالذي يرتَكِب المعصية في الخفاء يعتَقِد أنَّه ما دام اختَفَى عن أعيُن الناس فإنَّ أحدًا لم يره، وهذا ما يريده الشيطان.
فإذا ما أنساك الشيطان وجودَ الله لحظة المعصية يبدَأ في كشف نقط ضَعفِك ليتسلَّل منها، فيُصوِّر المعصية في صورةٍ محبَّبة للنَّفس، فالشيطان لا يهمُّه نوع المعصية، ولكن يهمه حدوثها، فإذا حاوَل إغراءك بمعصيةٍ ما، ولم يجد منك استجابةً، أسرع يُزيِّن لك معصيةً أخرى، فإنْ أغلقت عليه كلَّ منافذ المعصية فإنَّه لا ييئس، بل يُحاوِل أنْ يستغلَّ ضعفَك في أيِّ وقتٍ ليُوقِعك في المعصية، فيتحقَّق له بذلك ما يريد، المهم ألاَّ يخرج صفر اليدَيْن في هذه المعركة.
وإذا أردنا أنْ نحدِّد هدف الشيطان في هذه المعركة، فهو الاستِيلاء على القلب، بزرع بذور الشَّهوات والأهواء والملهيات فيه؛ لأنَّه متى سَيْطرَ على القلب فإنَّه يكسب تأييد الجوارح؛ فيفعل بها ما يَشاء؛ فتنظُر للحرام، وتَسمَع الحرام، وتَسعَى بيدك ورجلك إلى الحرام... وهكذا.
إذًا للشيطان مع القلب صولات وجولات، ومن سِياساته التدرُّج حتى يصلَ إلى هدفه، ويضمك إلى حزبه، ويجعلك من جنده؛ فتكون من الخاسرين؛ مِصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].
أخي الحبيب، إنَّه أمرٌ مُخِيف أنْ نتعامَل مع عدوٍّ يملؤه الحقد والحسد والكراهية نحوَنا، ولا يرضى بأقل منَ النار مصيرًا لنا؛ يَرانا ولا نَراه، نغفل عنه ولا يغفل عنَّا، يَدخُل علينا من مداخل متنوعة.
من أجل ما سبَق، كان لا بُدَّ لنا من التعرُّف على مَداخِل الشيطان؛ حتى ننجو من مصايده، ونهرب من أسْرِه، ونجهِّز أسلحتنا لمحارَبته، وفيما يلي بَيانٌ لأهم المداخل:
1- حب الدنيا وطول الأمَل:
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ حبَّ الدنيا والرُّكون إليها، والانشِغال بزينتها وزخرفها، والاستِغراق في ملذَّاتها ومُغرَياتها وشَهواتها - مِن أعظم مَداخِل الشيطان؛ فهو يُزيِّن لك الدنيا حتى تنسى أنها دار ممرٍّ، وليست دار مستقر، فتثقل عليك مُفارَقتها؛ فلا تفكِّر في الموت، وإذا فكرتَ يومًا فيه وسوس الشيطان لك، وقال: الأيام بين يديك، عِشْ شبابَك، ما زال العمر أمامك، ثم تمضي الأيَّام الواحدة تلو الأخرى، وفجأة.. الموت، ثم الحسرة والنَّدم بعد فَوات الأوان!
لذلك حذَّرَنا الله - عزَّ وجلَّ - من الرُّكون إلى الدنيا، وبيَّن لنا حقيقتَها الزائفة وزينتها الزائلة؛ فقال: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].
وقال النبيُّ - عليه الصلاة والسلام -: (( ما الدُّنيا في الآخِرة إلاَّ كما يضَع أحدُكم إصبعه في اليم، فلينظُر بِمَ يرجع ))؛ "صحيح مسلم".
أخي الحبيب، اعلَم أنَّه إذا تعلَّقت قلوبُنا بالدنيا وما فيها؛ الأموال، الزوجة، الأولاد، المنصب، الجاه، أفنى المرءُ حياتَه في الدُّنيا مِن أجل الآمال والطُّموحات الدنيويَّة، فيطول أملُه، ويُؤخِّر توبَته، وينسى آخرتَه؛ فيقسو قلبه، فيسهل غوايته وإضلاله.
لذلك أوصانا النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - أنْ نتعامَل مع الدنيا تعامُل المفارق لها؛ فقال: (( كنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيل ))؛ رواه البخاري.
فإذا تيقَّنت أنَّ الدنيا زائلة، والموت قريبٌ، ويوم القيامة إمَّا جنَّة وإمَّا نار، بالتأكيد لن تجعَل الدنيا أكبر همِّك، ولن تَتكالَب عليها، ولن يَتباغَض الناس ويتَصارَعُوا من أجل حطامها الزائل؛ لأنَّنا سوف نترُك كلَّ شيء فيها.
2- الغضب:
إنَّ الغضب من أعظم مَداخِل الشيطان؛ فالغضبُ هو الجمرة المشتعلة التي يقذفها الشيطان في قلبك، فإذا ما نجح في ذلك أصبَح يلعب بك كما يلعب الصبي بالكرة، وهو مفتاح الشر كله؛ لذلك عندما جاء رجلٌ إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال له: أوصني، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( لا تغضب ))، فردَّد مرارًا قال: (( لا تغضب ))؛ رواه البخاري.
أخي الحبيب، إذا وجَدتَ نفسَك غاضبًا ولا تستَطِيع أنْ تُسَيطِر على نفسك، فاعلم أنَّ هناك شيطانًا مُسَيطِرًا عليك؛ فعليك بوصيَّة النبي - عليه الصلاة والسلام -: (( إنَّ الغضب من الشيطان، وإنَّ الشيطان خُلِقَ من نار، وإنما تُطفَأ النارُ بالماء؛ فإذا غضب أحدُكم فليَتَوضَّأ ))؛ رواه أبو داود.
بل ووعَد النبي - عليه الصلاة والسلام - مَن يُمسِك غضبَه ببشارةٍ عظيمةٍ؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( مَن كظَم غيظًا وهو قادرٌ على أنْ ينفذه، دَعاه الله - عزَّ وجلَّ - على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتى يُخيره من الحور العين ما يَشاء ))؛ رواه أبو داود.
3- الحقد والحسد:
اعلم أنَّ الحسدَ مِن نتائج الحقد، وهو : تمنِّي زَوال نعمة الغير، ولعلَّك تعلم أنَّ بداية معصية إبليس نفسه هو حسد آدَم - عليه السلام - على منزلته، فأبَى أنْ يسجُد له، فحمَلَه ذلك على المعصية والطَّرد من رحمة الله.
لذلك حذَّرَنا النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - من الحسد فقال: (( إيَّاكم والحسد؛ فإنَّ الحسد يَأكُل الحسنات كما تأكُل النار الحطَب ))؛ رواه أبو داود.
4- الكبر:
الكبر هو بطر الحق والإعراض عن قبوله، والإصرار على الباطل، وازدِراء الناس واحتِقارهم، وهو داءٌ مُهلِكٌ حذَّرَنا الله - عزَّ وجلَّ - منه في آياتٍ كثيرةٍ؛ فقال: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37].
وقال أيضًا: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146].
والمتكبِّر مِن أصناف البشَر التي لا يحبُّها الله - عزَّ وجلَّ - ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23].
بل قد حذَّرنا النبي - عليه الصلاة والسلام - من الكبر فقال: (( لا يَدخُل الجنةَ مَن كان في قلبه مِثقال ذَرَّةٍ مِن كِبر ))؛ رواه مسلم.
وصُوَر الكِبر كثيرةٌ نذكُر منها:
1- ظلم الناس واحتِقارهم وعدم الرحمة بهم.
2- الاختِيال في المشية.
3- محبَّة خضوع الناس بين يديك.
4- رفض النَّصِيحة؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206].
5- ترك الدعاء الذي هو مفتاح العبادة؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
ولعلَّك تعلم أنَّ السبب الرئيس لِمَعْصية إبليس، ورفضه السجود لآدَم - هو الكبر؛ مِصْداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].
وأُذكِّرك بقول الله - عزَّ وجلَّ - في الحديث القدسي: ((الكبرياءُ ردائي، والعظمة إزاري، فمَن نازَعني واحدًا منهما قذَفتُه في النار))؛ "صحيح مسلم".
5- العُجب:
العُجب هو حمد النَّفس على ما عملت أو ما علمت، ونسيان إضافتها للمُنعِم - تبارك وتعالى - فهو من أشدِّ المُهلِكات التي تهلك المرء، فهو يدعو إلى الكبر، وتتمثَّل خطورة العجب فيما يلي:
1- العُجب يُعمي على صاحبه كثيرًا من ذنوبه، فلا يحدث لها توبة.
2- المُعجَب يستَعظِم أعمالَه وطاعاته، ويمنُّ على الله بفعلها.
3- المُعجَب يغترُّ بنفسه ورأيه، ويَأمَن مكرَ الله وعذابَه، ويظنُّ أنَّ له عند الله مكانة عظيمة.
4- العُجب يُحبِط العمل، ويَنال صاحبه غضب الله ومقْته، فينقَطِع عنه التأييد والتوفيق من الله.
أخي الحبيب، ألم ترَ ما حَلَّ بقارون عندما اغترَّ بكنوزِه وسلطانه وقال: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78].
فماذا كانت النتيجة؟ ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾[القصص: 81].
لذلك أقول لك: لا تغترَّ بكثرة العمل؛ فإنَّك لا تدري أيُقبَل منك أم لا، ولا تأمَن من الذُّنوب؛ فإنَّك لا تَدرِي كُفِّرت عنك أم لا.
وها هي الوصفة الثلاثيَّة للإمام الشافعي لعلاج العُجب:
"إذاخفتَ على عملك العُجب فاذكُر رضا مَن تَطلُب، وفي أيِّ نعيمٍ ترغَب، ومن أيِّ عِقاب تَرهَب، فمَن فكَّر في ذلك صغر عنده عمله".
5- الرِّياء:
الرِّياء هو أنْ تكون حريصًا على أنْ يَراك الناس وأنت تُؤدِّي الطاعات، وتُسارِع في الخيرات، فتجعَل كلَّ همِّك وأنت تُؤدِّي أعمالَ الخير أنْ يَراك الناس، فيمدَحونك ويحمَدونك.
فالرِّياء محبطٌ للأعمال، وسببٌ لِمَقْت الله وغضبه؛ فهو مِن كبائر المُهلِكات، والرِّياء صورةٌ مِن صور الشِّرك، وهو عكس الإخلاص؛ يقول الله - عزَّ وجلَّ - في الحديث القدسي: (( أنا أغنى الشُّرَكاء عن الشِّرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركه ))؛ رواه مسلم.
لذلك يُحذِّرنا النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الرِّياء فيقول: (( إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشِّرك الأصغر ))، قالوا: وما الشِّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: (( الرِّياء، إنَّ الله - تبارك وتعالى - يقول يوم القيامة يوم يُجازِي العبادَ بأعمالهم: اذهَبُوا إلى الذين كنتُم تُراؤون بأعمالكم في الدنيا، فانظُروا هل تجدون عندهم جَزاءً ))؛ رواه أحمد.
بل الأمر أشدُّ خطورةً من ذلك؛ فأوَّل مَن تُسعَّرُ بهم النارُ يوم القيامة ثلاثة أصنافٍ من البشر؛ كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام -: رجل قاتَل واستُشهِد ليُقال عنه: شجاع، ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه وقرَأ القرآن ليُقال عنه: عالم، وثالث أعطاه الله من أصناف المال كله فأنفق كيف يَشاء ليُقال عنه: جواد.
ولعلك تتساءَل: ما هي أشكال الرِّياء؟
للرِّياء أشكال متعدِّدة نذكُر منها:
1- أنْ يأتيك الشيطان بشكلٍ واضِح يقول لك: اعمَل العمل الفلاني حتى يَراك الناس، وهذا أسوأ أشكال الرِّياء.
2- افتِعال الإرهاق والتَّعب بسبب العبادة؛ كأنْ تقول مثلاً: أنا في غاية التَّعَبِ؛ لقد سهرتُ طول الليل أُصلِّي وأقرأ القرآن.
3- أنْ تكون في بادئ الأمر تفعَل الفعلََ لله، فيَراك الناسُ فتفرح بنظَرِهم إليك، فتُحسِّن عبادتك وتُجمِّلها من أجل الناس.
لذلك علَّمنا النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - أنْ نقول: ((اللهم إنِّي أعوذ بك أنْ أُشرِك بك شيئًا أعلمه، وأستَغفِرك لما لا أعلمه)).
6- البُخل والشُّح:
فالشيطان يُخوِّف الإنسانَ من الفقر إذا أنفَقَ في سبيل الله، ويُذكِّره دائمًا بأنَّ زوجته وأولادَه أحوَجُ إلى المال، وأنهم أولَى بذلك؛ يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].
لذلك أَمَرَنا الله - عزَّ وجلَّ - بالإنفاق في سبيله، وبيَّن لنا ثوابَ ذلك وفضله؛ فقال: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
وحذَّرَنا - عزَّ وجلَّ - من ترك الإنفاق؛ ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[المنافقون: 10 - 11].
7- النَّظرة الحرام:
إنَّ النَّظرة الحرام إلى الأفلام الإباحيَّة والمجلاَّت الفاضحة سهمٌ مسمومٌ من سِهام إبليس، يُصِيب القلب فيُفسِده؛ فيجعَل الإنسان أسيرًا لهواه، تابعًا لشيطانه، فالمرء عندما يَنظُر ويُكرِّر النظر ترتَسِم الصُّورة المحرَّمة في قلبه، فيُزيِّنها الشيطان له، فتكون جاهزةً للإثارة في كلِّ موقف.
أخي الحبيب، اعلَم أنَّ الشيطان يخدَعُك، ويُصوِّر لك أنَّ ما تُشاهِده من النَّظر الحرام يَروِي عطشَك، ويُقلِّل من حِدَّة شهوَتِك، ولكنَّ الحقيقةَ أنَّ تكرار النَّظر يزيد الإثارة، ويشعل نار الشهوة؛ فيجعل الإنسان دائمَ التفكير في كيفيَّة إرضاء شهواته، ممَّا قد يؤدِّي إلى الوقوع في الزنا أو في مقدماته.
لذلك كانتْ وصيَّة النبيِّ - عليه الصلاة والسلام -: (( النَّظرة سهمٌ مسمومٌ من سِهام إبليس، مَن ترَكَها مَخافَة الله، أبدَلَه الله إيمانًا يجد حَلاوتَه في قلبه ))؛ رواه الحاكم.
8- احتِقار الذنوب:
من أعظم مَداخِل الشَّيطان إلى النَّفس أنْ يجعَلَك تستَصغِر ذنوبك، فتألفها وتُداوِم على فعلها؛ معتقدًا أنَّها تافهةٌ صغيرةٌ سوف يَغفِرها الله لك، فتجمع عليك الذنوب فتهلك، أو تُلقِي بك في جهنَّم، فيكون حالك مثل هؤلاء الذين وجَدُوا ما فعَلُوه من الذنوب الصغيرة مُسجَّلاً في كتابهم يوم القيامة؛ فقالوا: ﴿ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].
لذلك أوصانا النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: (( إيَّاكم ومُحقرات الذُّنوب؛ فإنهنَّ يجتَمِعنَ على المرء حتى يُهلِكنه )).
أخي الحبيب، لا تَنظُر إلى صغر الذنب، ولكن انظُر إلى عِظم مَن عصيتَ، واعلَم أنَّ فرَحَك بالذنب وأنت تَفعَل الذَّنب أشدُّ عند الله من الذنب، وضحكك وأنت تَفعَل الذنب لا تُبالِي بنظَر الله إليك - أشدُّ عند الله من الذنب، وحُزنك على فَوات الذنب إذا فاتَك أشدُّ عند الله من الذنب، وحرصك على أنْ تستُرَ نفسك وأنت تفعَل الذنب غير مُبالٍ بنظَر الله إليك - أشدُّ عند الله من الذنب.
9- القنوط من رحمة الله:
من أخطَرِ مَداخِل الشَّيطان هو أنْ يُصوِّر لك أنَّ ذنوبَك كثيرة، ومَعاصِيك عظيمة، وأنَّك كلَّما بادَرت بالتوبة والرُّجوع إلى الله ثم وقعتَ مرَّة أخرى في الذنوب والمعاصي، يبدأ الشيطان في عمله؛ فيُوَسوِس لك بأنَّه لا فائدةَ منك، وأنَّ الله لن يَغفِرَ لك حتى تقنط من رحمة الله، فتغرق في المعاصي والذُّنوب، فتكون العاقبة جهنَّم وبئس المصير.
لذلك أقول لك: إيَّاك أنْ تستَجِيب لوساوسه، إيَّاك أنْ تُحقِّق له ما يريد، احذَر أنْ ينتَصِر عليك، ألم تَسمَع قولَ الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]
ألم تعلَم أنَّ الله يَبسط يدَه بالنَّهار؛ ليتوب مُسِيء الليل، ويَبسط يده بالليل ليتوب مُسِيء النهار، وذلك حتى تَطلع الشمس من مغربها؟!
أخي الحبيب، بادر بالتوبة، والزَم الاستِغفار، وإيَّاك والقنوط من رحمة الله؛ لأنه ﴿ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
أخي الحبيب، أختي الفاضلة، ممَّا سبَق يتَّضِح أنَّ مَداخِل الشَّيطان كثيرةٌ ومُتنوِّعة، فإذا أغلقتَ في وجهه بابًا، تسلَّل إليك من بابٍ آخَر، وهكذا لا يملُّ.
وعلمنا أيضًا أنَّ الهدف الأساس للشيطان هو الاستيلاء على قلبك (الحصن الحصين)، فهو يعلم أنَّ القلب هو الملك، وأنَّ الجوارح هي جنوده تُطِيعه فيما يأمُر؛ لذلك إذا نجح في السَّيْطرة على قلبك استطاع أنْ يُسَخِّر جوارحك كيفَما يَشاء، ولعلَّك تتساءل: كيف يُمكن مُواجَهة هذا الشيطان اللَّعين؟ كيف يمكن الفكاك من أسرِه؟ كيف يمكن النَّجاة من مصايده؟ ما السبيل للانتِصار في هذه المعركة؟
أقول لك: قبل أنْ نتحدَّث عن وسائل مُواجَهة الشيطان، ودفْع وساوسه، يجب أنْ تضَع في ذهنك دائمًا أنَّك في معركةٍ شرسة ضد الشيطان، وأنَّ لك فيها صَولات وجولات، فإذا ظفر الشَّيطان منك في جولة، فلا تَيْئَس، واشحذ همَّتك، وجهِّز أسلحتك، واثأر من عدوِّك.
وإليك بعض الوسائل التي تُعِينُك على ذلك:
1- أصلح قلبك:
• لأنَّ هدف الشيطان الأساس هو السيطرة على القلب.
• لأنَّ القلب هو مجمع الشهوات والأهواء.
• لأنَّ القلب هو الساحة التي تدور عليها معارك طاحنة بين شهوات النفس وبين داعي الإيمان.
لأنَّ القلب شديد التقلُّب والتغيُّر، وبصَلاحِه يَفُوز الإنسان، وبفَسادِه يهلك؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( ألاَ إنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإنْ فسَدت فسَد الجسد كلُّه، ألاَ وهي القلب ))؛ متفق عليه.
من أجل ذلك كلِّه، لا بُدَّ من إصلاح القلب وتطهيره من المعاصي والشهوات، وتحكيم هواه وفقًا لما جاء به النبي - عليه الصلاة والسلام - لذا ينبغي على الإنسان أنْ يدرس علامات مرض القلب وعلامات صحته؛ حتى يتأكَّد مِن حالة قلبه، فإنْ كان قلبُه مريضًا سعَى في علاجه قبل أنْ يتسلَّل إليه الشيطان في خفيةٍ؛ فيستولي عليه ويسخِّره لخدمة أغراضه.
2- أغلق الأبواب:
عندما تُغلَق الأبواب والمداخل التي يمكن أنْ يَدخُل منها الشيطان - والتي أشرنا إليها سابقًا - فإنَّه يعجز عن مُلاحَقتنا، أمَّا إذا تُرِكت المنافذ مفتوحة، فلن تستَطِيع الصُّمود في وجْه الشيطان، وستَسقُط ضحيَّة له لا محالة.
أخي الحبيب، اسأَلْ نفسَك: هل فيها بابٌ مفتوح من الأبواب التي ذكَرناها من قبلُ؟ فإنْ وجَدت بابًا منها فاحذَرْ؛ فإنَّ الشيطان لك بالمرصاد.
3- الجأ إلى ربك (الاستعاذة):
لا بديلَ لك عن دَوام اللجوء إلى ربِّك، وطلب الحماية منه، ودوام ذِكرِه؛ لأنَّك لن تستَطِيع أنْ تدفع ضرر الشيطان إلاَّ باللجوء إليه - سبحانه وتعالى.
لأنَّ الشيطان يأتينا من حيثُ لا ندري؛ ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ﴾ [الأعراف: 27].
لأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200].
أمَا علمت ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99].
وصور اللجوء إلى الله كثيرة، نَذكُر منها:
1- المداومة على ذِكرِ الله في كلِّ وقت وحين؛ في العمل، في الشارع، في البيت.
2- قراءة القرآن وتدبُّره وخاصَّة:
• سورة البقرة؛ مِصداقًا لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((اقرَؤُوا سورة البقرة في بيوتكم؛ فإنَّ الشيطان لا يَدخُل بيتًا تُقرَأ فيه سورة البقرة)).
• آية الكرسي.
• المعوذتين (قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعوذ برب الناس).
3- ملازمة الاستغفار؛ يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث القدسي: ((إنَّ الشيطان قال: وعزَّتك وجلالك يا رب، لا أبرح أغوي عبادَك ما دامتْ أرواحُهم في أجسادهم، فقال الله - عزَّ وجلَّ -: وعزَّتي وجلالي لا أزال أَغفِر لهم ما زالوا يستغفروني)).
إخواني في الله، أعدُّوا عدَّتكم، وجهِّزوا أسلحتكم، واستعدُّوا لحربكم، وطهِّروا قلوبكم، والجؤوا إلى ربِّكم، ولا تكلُّوا أو تملُّوا؛ فالحربُ طويلة مستمرَّة إلى يوم القيامة، إلى اليوم الذي يخطب فيه الشيطان خطبتَه على منبرٍ من نار؛ فيقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].
اللهمَّ نَجِّنا من الشَّيطان وهمزه، ووَساوِسه ونزغاته، وآتِ نفوسَنا تَقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها.
وصلِّ اللهم على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم.