طاقة الجسيمات -
كان العلماء يعتقدون أن المادة تتكون من ذرات لا يمكن أن تتجزأ، ثم اكتشفوا أن الذرات تتكون من الكترونات و نواة، ثم اكتشفوا أن النواة تحتوي على نيوترونات بالإضافة إلى البروتونات، ثم اكتشفوا وجود مئات الجسيمات الأولية التي يمكن أن تخرج من النواة (بناء على الإشعاع الكوني و على تجارب المسارعات)، ثم اقترحوا في النهاية أن الكون يتكون من كواركات و لبتونات و بوزونات.
دون أن نخوض في حديث تاريخي مطول، وجد العلماء أنهم كلما أرادوا أن يغوصوا في المادة أكثر (ليكتشفوا العالم الأولي الصغير- لبنات المادة)؛ كلما احتاجوا إلى بناء أجهزة أكبر (مسارعاتمعجلات) و ذات طاقة أعلى... ثم وجدوا أن المسارع كلما ازداد كبرا و بالتالي طاقةً، كلما اقترب الوضع الحاصل في داخله من الوضع الذي يفترض العلماء أنه بداية الكون (حسب نظرية الانفجار العظيم).
بكل اختصار، فيزياء الطاقة العالية (أو فيزياء الجسيمات) هو العلم الذي يدرس اللبنات الأولية التي تتكون منها المادة و يدرس التفاعلات (التداخلات/القوى) بينها.
إن نظرة العلماء الحالية عن الكون و ما يحويه تتلخص فيما يلي:
الكون عبارة عن جسيمات أولية يتفاعل بعضها ببعض عن طريق قوى محددة، و تنتقل هذه القوى بين تلك الجسيمات بواسطة جسيمات خاصة.
القوى/التداخلات الأربع الأساس:
يعتقد العلماء أن القوى التي تحكم جميع التفاعلات في الكون هي أربع:
1. التداخل الشديد
2. التداخل الكهرومغناطيسي
3. التداخل الضعيف
4. الجاذبية
و يعتقد العلماء أن هذه القوى تعود إلى أصل مشترك (قوة واحدة)؛ لذلك فهم في سعي دؤوب لتوحيدها، و قد استطاعوا أن يوحدوا بين القوة النووية الضعيفة و القوة الكهرومغناطيسية فيما يسمى القوة الكهروضعيفة، و وضعوا الأنموذج القياسي و هو الذي يصف القوة النووية الشديدة و القوة الكهروضعيفة، و كل ما يتعلق بهما من ظواهر، و لكنه (أي الأنموذج القياسي) يهمل الجاذبية.
المادة:
يعتقد العلماء أن المادة في الكون تتكون من:
1. كواركات: و هي ست أنواع و كل نوع له ثلاثة ألوان، و لها جسيمات مضادة.
2. لبتونات: و هي أيضا ست أنواع، و لها جسيمات مضادة.
3. بوزونات: و هي نواقل القوى (التداخلات).
إن تلك النظرة ليست كاملة، لأن الأنموذج القياسي لا يفسر كل الظواهر الفيزيائية. كذلك الأنموذج القياسي يفترض نوعا من البوزونات تسمى (بوزونات هيجز)، و هذه البوزونات لم يثبت وجودها بعد –على الرغم من أن الدلائل تكاد تؤكد وجودها-.
لقد أدت الحاجة إلى التحقق من وجود بوزونات هيجز، و غيرها من الأسباب الهامة، إلى إنشاء أضخم مسارع في العالم بتكلفة تزيد عن 10 مليارات يورو بواسطة المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية cern، و يقع هذا المسارع الذي يبلغ محيطه 27 كم، و على عمق 100 متر تحت الأرض، و يحتوي على خمس كواشف منها أضخم كاشف في العالم atlas، و يقع هذا المسارع بين دولتي سويسرا و فرنسا.
إن المجتمع العلمي في جميع أنحاء العالم -و تحديدا فيزيائيو الطاقة العالية- ينتظر بدء عمل المسارع الجديد، في سبتمبر القادم (٢٠٠٨م)، و ذلك ترقبا للنتائج المهمة التي ستخرج عنه بإذن الله.
نعود إلى الأنموذج القياسي لنذكر بعض محاسنه و بعض مساوئه التي تفرض على العلماء البحث عن ما بعد الأنموذج القياسي.
محاسن الأنموذج القياسي:
1. يعطي وصفا جيدا للقوة النووية الشديدة و القوة الكهروضعيفة و يضعهما في إطار عام واحد.
2. يفسر العدد الهائل من الجسيمات الأولية التي تنتج عن التصادمات في المسارعات، و كذلك الأشعة الكونية.
3. يربط ربطا وثيقا بين علم الجسيمات الأولية و علم الكون.
مساوئ:
1. لا يحدد كتل الجسيمات الأولية.
2. لا يحافظ على التناظر في التداخل الكهروضعيف.
3. يخرق حفظ الشحنة و الزوجية في التداخل الكهروضعيف.
4. يفترض جسيمات ناقلة (بوزونات هيجز) لم يتم رصدها.
5. يتجاهل القوة الرابعة (الجاذبية).
6. يفترض أن النيوترينات (تنبه أننا لا نعني النيوترونات) ليست ذات كتلة، بعكس ما تظهره التجارب الحديثة و تؤكده.