العجائب الموجودة في حاسة الشم
إنّ حاسة الشم تنقل للإنسان معلومات مهمة عن محيطه الخارجي، فهي حاسة لها دور مهم في معرفة ما يجري حولنا. ويحدث كل ذلك دون أن نشعر، فإذا شممنا رائحة المأكولات الموجودة أمامنا ونحن مغمضو العينين لاستطعنا معرفة أنواع تلك المأكولات دون تردد.
وكذلك نستطيع معرفة إن كان الطعام قد طبخ جيدا أم لا باستخدام حاسة الشم، وتمكننا هذه الحاسة كذلك من تبين تعفّن الطعام الذي نحتفظ به في الثلاجة، وكذلك نستطيع أن نميّز طبيعة المكان من رائحته كأن يكون مطعما أو مستشفى أو دكانا أو أي مكان آخر.
وقدرة حاسة الشّم أكبر بكثير ممّا يعتقده الانسان، وأثبتت بعض الأبحاث العلمية عدم إمكانية تحديد هذه القدرة بالأرقام، أي أنّ حاسة الشم تستطيع تمييز رائحة الكثير الكثير من المواد الكيماوية الموجودة في حياتنا . ولنلق الآن مفصلة على عجائب هذه الحاسة الماهرة والذكية.
النشاط غير العادي للمادة المخاطية
توجد منطقة شمية واحدة في النهاية العلوية لكل من منخري الأنف، وتحت مابين العينين مباشرة. (الشكل6)، وكل منطقة من هاتين المنطقتين تشغل مساحة تقدر ب2.5 سم مربع، وتحاط بمادة مخاطية، وهي مادة لزجة تفرز من قبل غدة بومان، وسمك هذه الطبقة المخاطية التي تحيط بالمنطقة الشمية يبلغ0.06مم تقريبا .
ولوكان سمك هذه الطبقة أكثر مما هو عليه لضعفت مقدرة حاسة الشم كثيرا. وهذا يفسر ضعف حاسة الشم عند الإصابة بالرشح نتيجة الإفراز المفرط للمخاط داخل القناة الأنفية. ولو كان سمك المخاط أقل مما هو عليه لضعفت المناعة في الجسم ولأصيبت السّويطات الموجودة داخل الطبقة المخاطية بالضرر.
إنّ للمخاط وظائف عديدة يؤديها في جسم الانسان، منها الحيلولة دون حصول الجفاف داخل الأنف، ويعمل أيضا على التقاط الجسيمات الضّارة والغريبة. وقد اكتشف حديثا أن المخاط يعتبر مادة منتظمة للغاية وتشكل وسطا مثاليا . فالمخاط خليط من البروتينات والبروتينات المساعدة (الأنزيمات) والسّكريات المتعددة المخاطية وأيمو كلوبينات إضافة الى الليبيت.
إنّ الإحساس بالرائحة يبدأ عند الطبقة المخاطية، وينبغي على جزيئات الروائح أن تجتاز هذه الطبقة قبل التصاقها بالمستقبلات الشمية الموجودة في السويطات الدقيقة. وفي هذه المرحلة تبدأ بعض البروتينات الموجودة في المخاط عملها، فهذه البروتينات تلتصق بجزيئات الروائح وتقوم بإرشادها إلى الطريق نحو المستقبلات20. وما تزال هذه البروتينات الرابطة في طور البحث والدراسة، ولكن يعتقد أن هذه البروتينات تنظم عملية وصول جزيئات الروائح إلى المستقبلات فضلا عن أنها تقوم بوظيفة المرشد لهذه الروائح في تلمس الطريق نحو المستقبلات الشمية21.
ولا شك أن قدرة هذه البروتينات الرابطة على معرفة الآلاف من الروائح المختلفة وقدرتها أيضا على تنظيم حركة الجزيئات داخل المخاط تعتبر دليلا باهرا على حقيقة حدوث عملية الخلق.
لنفرض أن أحدهم يتجول في حديقة غناء بالزهزر المختلفة المنعشة، ويقوم بشم كل زهرة فيها عن طريق تقريبها من أنفه، وهنا تبرز أمامنا حالة مشكلة حقيقية، فلأجل الإحساس برائحة زهرة ما ينبغي إزالة جزيئات رائحة زهرة أخرى كان شمّها من قبل، وإلا فمن المستحيل الإحساس برائحة زهرة تلو الأخرى مباشرة. ومثل هذه الحالة قد تؤدي الى نتائج سلبية للغاية، وهنا يأتي الدور المهم الذي تقوم به الأنزيمات الموجودة في المخاط إذ تقوم بإزالة جزيئات الروائح التي شمت من قبل لفسح المجال للروائح الجديدة22،وبعبارة أبسط تقوم تلك الأنزيمات بعد برهة بتغيير تركيب جزيئات الروائح وعندئذ تصبح تلك الجزيئات غير ذات تأثير على المستقبلات الشمية .وفيما بعد يتم إرسال هذه الجزيئات المهدمة الى المعدة بواسطة المخاط، وبهذا الشكل يتم التخلص منها.
( وَالنّجمُ وَالشّجَرُ يَسجُدَانِ ) سورة الرحمن –الآية 6.
ولاحظ عزيزي القارئ أن الذي يقوم بهذه المهام الدقيقة والخطيرة ليس بروفيسورا ولا رجل علم ولا خبيرا في مجاله، وإنما الأنزيمات عديمة العقل والشعور. إضافة إلى كل هذا تقوم هذه الأنزيمات كل لحظة باتخاذ قرار جديد في التدخل الكيماوي لتغيير تركيب جزيئات الروائح الموجودة في المخاط.
ولكن هل بإمكان هذه الأنزيمات أن تقرر كل هذه العمليات وتنفذها من تلقاء ذاتها؟ أبدا، إن الله الذي خلقها هو الذي ألهمها طريقها حتى تقوم بوظائفها على هذا النحو.
وهكذا يتضح لنا أنّ هناك نشاطا واسع النطاق لحركة الجزيئات داخل أعماق الطبقة المخاطية المحيطة بالمنطقة الشمية لأنوفنا بشكل يثير الدهشة في العقول، أي أنّ هناك العديد العديد من الفعاليات تحدث داخل أنوفنا وبتخطيط وتنسيق مدهشين دون أن نشعر بذلك أو نراه أعيننا.
منقـــــــــول