الوعي الفونولوجي وعلاقته بالعسر القرائي لدى الطفل
عندما نقرأ في الأدبيات التي تتناول معضلة العسر القرائي لدى الطفل،
نجد أن هناك مشكلات عديدة يواجهها
الأطفال ذوو صعوبات التعلم أثناء القراءة،
من أبرزها تلك المرتبطة بالفونولوجيا؛
فقد بينت الدراسات العلمية في مجال النمو اللغوي
عامة والنمو القرائي خاصة أن المهارات الفونولوجية
ترتبط في الأساس بمهارة القراءة،
وأن الوضعية الفونولوجية للطفل تتحكم
إلى حد كبير في وضعيته القرائية سواء
على مستوى الإعداد أو التشخيص أو على مستوى العلاج.
كما أن الأعمال التي قام بها علماء النفس المعرفيون،
الذين اهتموا بشكل كبير بالموضوع
منذ السبعينيات من القرن الماضي،
قوت من وجهة النظر التي ترى
أن الأطفال يجب أن يتسموا بالكفاءة
في تناول الفونيمات التي تتضمنها اللغة
إذا ما أرادوا أن يكونوا من القراء المتميزين.
وبالنظر إلى التطورات الحديثة التي شهدها هذا المجال البحثي، نجدها قد جعلت من الأكثر وضوحًا
أن أوجه القصور في الوعي الفونيمي
- أي فهم اللغة المنطوقة - تتألف
من فونيمات تلعب دورًا رئيسًا في مشكلات الأطفال الذين يواجهون صعوبة في تعلم القراءة.
ويهدف مقالنا هذا إلى دراسة الموضوع من خلال إشكالية تتأسس على الأسئلة التالية:
- ما المقصود بالوعي الفونولوجي وما علاقته بالعسر القرائي (الدسلكسيا)؟
- أين تتجلى أهمية الوعي الفونولوجي من منظور الدراسات والنظريات في مجال النمو القرائي؟
- كيف يؤدي الوعي الفونولوجي دوره الإجرائي في الحد من الصعوبة القرائية؟
وقبل الإجابة عن تلك التساؤلات يجدر بنا أن نوضح بتركيز شديد المفاهيم والمصطلحات التي يتأسس عليها موضوع مقالنا هذا:
- الوعي الفونولوجي:
نشير أولًا إلى أن الفونولوجيا أو علم الأصوات هو أحد مجالات أو مكونات أية لغة من اللغات، حيث يختص بدراسة كل ما يتعلق بأصوات اللغة. لهذا فإن الوعي الفونولوجي يعني امتلاك القدرة على معرفة أماكن إنتاج الأصوات اللغوية، وكيفية أو آلية إخراج هذه الأصوات، والكيفية التي تتشكل فيها هذه الأصوات مع بعضها لتكوين الكلمات والألفاظ مع القدرة على إدراك التشابه والاختلاف بين هذه الأصوات، سواء جاءت هذه الأصوات مفردة أو في الكلمات والتعابير اللغوية المختلفة.
ومن الناحية العلمية فإن الوعي الفونولوجي يعني امتلاك الطفل لقدرات تتجاوز اللغة إلى ما وراء اللغة، بمعنى قدرة الطفل على التنغيم، تقسيم الجملة إلى كلمات، والكلمات إلى مقاطع، والمقاطع إلى أصوات إضافة إلى مزج الأصوات لتكوين الكلمات.
- العسر القرائي (الدسلكسيا):
نجد أنفسنا أمام عدة تعريفات وقد اخترنا منها تعريف الجمعية العالمية للدسلكسيا (2003م) نظرًا لشموليته وإحاطته بالمفهوم أولًا، وسهولة استيعابه من طرف القراء ثانيًا يقول التعريف: "الدسلكسيا هي صعوبة تعلم خاصة عصبية المنشأ، وتتميز بمشكلات في دقة أو سرعة التعرف على المفردات والتهجئة السيئة. وهذه الصعوبات تنشأ في العادة من مشكلة تصيب المكون الفونولوجي (الأصواتي) للغة ودائمًا غير متوقعة عند الأفراد إذا قورنت بقدراتهم المعرفية الأخرى، مع توفر وسائل التدريس الفعالة، والنتائج الثانوية لهذه الصعوبات قد تتضمن مشكلات في القراءة والفهم وقلة الخبرة في مجال القراءة، التي تعيق بدورها نمو المفردات والخبرة عند الأفراد".
وللمزيد من المعلومات عن الدسلكسيا [لا يسمح للزوار بمشاهدة الروابط. اضغط هنـا للتسجيل...]
- الطفل:
نقصد به في مقالنا هذا الطفل القادر نظريًا على اكتساب المهارات القرائية النمائية منها والأكاديمية، إذن هو طفل مرحلة ما قبل المدرسة (الروضة)، والمرحلة الأولية من التعليم الأكاديمي (الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية).
الوعي الفونولوجي وعلاقته بالعسر القرائي (الدسلكسيا)
سبق أن ذكرنا التعريف الموجز للوعي الفونولوجي، وقبل توضيح علاقته بالعسر القرائي، من الأجدر أن نبرز مكوناته وعناصره لتتضح لنا العلاقة بكيفية أعمق وتتمثل تلك المكونات والعناصر في:
1- تقسيم الجمل إلى كلمات:
مهم جدًا للأطفال الذين يدخلون المدرسة معرفة أن الجمل مكونة من كلمات، وهي المرحلة الأولى في التحليل، حتى يستطيع الطفل معرفة أن الكلمة مكونة من مجموعة من الفونيمات، وإدراك أن لكل كلمة حدودا سمعية صوتية في مراحل تعلم القراءة الأولى يعتبر مؤشرًا قويًا على الأداء القرائي في المراحل اللاحقة.
وقد ينجح الأطفال بشكل أفضل في تقسيم الجمل التي تتضمن كلمات أساسية كالأسماء والأفعال أكثر من الكلمات الوظيفية (أسماء الإشارة، حروف الجر،...).
2- تقسيم الكلمات إلى مقاطع:
إن مقدرة الطفل في مستوى رياض الأطفال على تقسيم الكلمة إلى مقاطعها، يمكن استخدامه كمؤشر على الأداء القرائي في الصف الأول، وتقسيم الكلمات إلى مقاطع أسهل من تقسيمها إلى فونيمات.
3- التنغيم:
يوصف التنغيم على أنه أحد مجالات اللعب باللغة، والتي تعطي مؤشرًا على قدرة الطفل على التحكم بالمجال الصوتي للغته، كما أن القدرة على الإتيان بكلمات لها نفس النغمة يعتبر مؤشرًا على النجاح في القراءة مستقبلًا، ويساعد التنغيم الأطفال على زيادة الوعي بأصوات اللغة مما يسهل عملية الترميز (ربط صورة الحرف بصوته والعكس). كما يعلم التنغيم الطفل على وضع وتصنيف الكلمات مع بعضها اعتمادًا على أصواتها، مما يسهل عليه عملية التعميم، وبالتالي يقلل عليه عدد الكلمات التي يجب أن يتعلم قراءتها.
ومن جهة أخرى يعلم التنغيم الطفل القدرة على الربط بين الخصائص والصفات التي تنظم أنماط ترابط الحروف في الكلمات في اللغة، وقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن الطلاب الذين يتلقون خدمات علاج النطق واللغة ممن يعانون من اضطراب في الوعي الفونولوجي يستفيدون من تدريبات التنغيم المباشرة، كما بينت الدراسات أن الأطفال الذين علموا قوانين التنغيم والربط بين الأصوات والحروف أظهروا تقدمًا عاليًا في مهارتي القراءة والتهجئة، كما أنهم استمروا على هذا التقدم.
4- المزج الصوتي
هو القدرة على مزج الأصوات بعضها مع بعض، ويعتبر مهارة مهمة جدًا للقارئ المبتدئ. والمزج الصوتي يحضر الطفل للتعرف على الكلمة بعد أن ينطق أصواتها أو تنطق له هذه الأصوات.
وهو يساعد على ظهور (الأوتوماتكية) في ربط الأصوات بعضها مع بعض وهو عنصر ضروري للنمو القرائي فقد بينت الدراسات أن الأطفال الصغار يتعلمون ربط الأصوات ومزجها بشكل أسرع من تعلم تقسيم أصوات الكلمة؛ لهذا فإن تمارين المزج الصوتي تقدم لهم قبل تقسيم الكلمات.
5- تقسيم الكلمات إلى أصواتها:
إن قدرة الطفل على تقسيم الكلمة إلى أصواتها اللغوية هو آخر مستويات التحليل اللغوي، وهنالك علاقة قوية بين وعي الطفل بأصوات الكلمة والقدرة على القراءة والنشاطات الأساسية لتعليم تقسيم الكلمة إلى أصواتها اللغوية هي:
- نطق أصوات الكلمة (كل صوت على حدة).
- معرفة ونطق الصوت الأول والأخير أو كليهما (معرفة الصوت وموقعه).
- القدرة على نطق أصوات الكلمة، كل صوت بشكل مفرد فقط من مجرد الاستماع لها.
ويعد التساؤل الخاص بالعلاقة بين الوعي الفونيمي والوحدات الصرفية بالعسر القرائي (الدسلكسيا) تساؤلًا مركزيًا بالنسبة للباحث في إشكالية النمو القرائي. وكملاحظة أولية يمكن القول أن العسر القرائي هو صعوبة في القراءة تحدث لدى الطفل بالرغم من الذكاء عنده، عاديًا كان أو متوسطا ًعلى الأقل، وبرغم الظروف التعليمية والاجتماعية المناسبة وبرغم عدم وجود اضطرابات نفسية أو انفعالية أو عصبية... وبالتالي فالمشكلة هي في وجود قصور في القدرات الفونيمية لدى الطفل.
وهناك وجهتا نظر مختلفتان تتلخص في: أن القصور والضعف في الجانب الفونيمي لدى الطفل الذي يعاني من العسر القرائي يعوقان لديه نمو القدرات الصوتية، وأن الوعي الصوتي ينمو ويتطور بصورة مستقلة في سياق تعلم القراءة، وأن الجانب السيمنتي (الدلالي) يتم تعلمه واكتساب مهاراته من خلال اللغة الشفوية أو المنطوقة. ولقد كشفت نتائج العديد من الدراسات عن قصور لدى المصابين بالعسر القرائي فيما يخص الوعي الصوتي بالوحدات الصرفية، ومن هذه الدراسات على سبيل المثال دراسة (كازليس وآخرين 2004م) التي توصلت إلى ضعف الوعي الصوتي لدى أطفال المرحلة الابتدائية.
إن القدرة على القراءة والفهم يتوقف على التعرف الآلي السريع، وفك رمز الكلمات المفردة، وهو يعتمد على القدرة على تقسيم الكلمات والمقاطع إلى أصوات من هنا نشير إلى أن الوعي الصوتي يأتي قبل مهارات فك الرموز، وبدلا من الإشارة إلى القدرة على المطابقة من الحرف / الصوت أو نطق الكلمات صوتيًا، يشير الوعي الصوتي إلى وعي يأتي قبل هذه القدرات وهي من عناصر الوعي الفونولوجي.
ونستنتج أن العلاقة بين الوعي الفونولوجي والعسر القرائي تتحدد من خلال ثلاثة أبعاد هي:
- بعد سببي بحيث إن ضعف الوعي الفونولوجي يؤدي إلى العسر القرائي.
- بعد تنبؤي بحيث إن مستوى الوعي الفونولوجي لدى الطفل في المرحلة المبكرة، مؤشر دال على مستوى نموه القرائي في المراحل المتقدمة.
- بعد علاجي بحيث إن دعم القدرات الفونولوجية للطفل والقيام بالنشاطات والتدريبات اللازمة، يساهم إلى حد كبير في معالجة العسر القرائي. من هنا تكمن أهمية التدخل المبكر للنمو الفونولوجي.
أهمية الوعي الفونيمي من منظور الدراسات والنظريات في مجال النمو القرائي
أثبتت الدراسات والنظريات العلمية في المجال القرائي أن الوعي الفونولوجي بعناصره ومكوناته المختلفة يعتبر قاعدة مهمة في تعلم القراءة، واكتساب المهارات المرتبطة بها. ويمكن رصد تلك الأهمية التربوية من خلال النقاط التالية:
- غيرت الأبحاث منذ عام 1970 النظرة إلى القراءة من كونها إدراكا واستيعابا بصريا إلى نشاط ذي أساس لغوي.
- القدرة على استخدام اللغة في التواصل ليست ضمانة على النجاح في القراءة.
- المهمة الرئيسة للمتعلم المبتدئ هي إدراك أن الكلام يمكن أن يجزأ وأن هذه الأجزاء يمكن أن تمثل كتابيًا.
- مهارات الوعي الفونولوجي - والتي تتمثل في إدراك أن اللغة مكونة من كلمات ومقاطع وأصوات، وأن هذه المكونات يمكن تشكيلها بطرق عديدة - ذات ارتباط وثيق بالنجاح في القراءة في سنوات التعلم الأولى.
- كثير من الدراسات أثبتت أن القراءة والكتابة يعتمدان بشكل كبير على القدرات اللغوية اللفظية (الشفوية).
- العديد من مشاكل القراءة في المراحل الأولى تظهر نتيجة اضطراب في الوعي الفونولوجي.
- الأطفال الذين دربوا على نشاطات وعناصر الوعي حققوا تقدمًا عاليًا في القراءة مقارنة بالأطفال الذين لم يدربوا.
- اللغة اللفظية ذات أساس بيولولجي /عصبي، كما أنها تطورية وتتبع نسقًا معينًا في النمو والتطور في مختلف الثقافات، لكن اللغة المكتوبة ليست كذلك.
وعلى الرغم من أهمية الوعي الفونيمي في هذا الصدد، فإنه يجب أن يظل محددًا بإطار معين، حيث إننا لا نقوم فقط بتحديد الكلمات عن طريق تطبيق القواعد الفونولوجية، بل إن الأطفال عادة ما يستخدمون التشابه بين الكلمات حتى يتمكنوا من التوصل إلى نطق بعضها؛ حيث إن التلاميذ من الناحية النظرية يقرؤون عن طريق التشابه عندما يستخدمون ما يعرفونه عن بعض الكلمات حتى يتمكنوا من نطق كلمات أخرى، ووفقًا لهذه الطريقة فإن مهارات الوعي الفونيمي تعد ضرورية بالنسبة للتلميذ.
الوعي الفونيمي ودوره الإجرائي في الحد من الصعوبة القرائية
إن هناك اتفاقًا لدى الباحثين عامة في مجال العسر القرائي على أن الوعي الفونولوجي يمكن تطويره لدى الطفل، إذا ما تم تخطيط برامج وأنشطة وتدريبات مناسبة. ومن ثم نقترح في هذه الفقرة بعض الأهداف الإجرائية والأنشطة التطبيقية لبعض مهارات وعناصر الوعي الفونولوجي والتي قد تساعد على الرفع من قدرة الوعي الفونولوجي لدى الطالب وهي:
- أن يعيد الطالب الجملة المكونة من كلمات محورية ووظيفية، وأن يشير لكل كلمة مكتوبة من كلمات الجملة.
- أن يكون الطالب جملًا حول الصورة، وأن يشير لكل كلمة من كلمات جملته.
- أن يقسم الطفل الكلمات المكونة من مقطعين حتى أربعة مقاطع شفويًا (لفظيًا)، بنسبة إتقان لا تقل عن 90% عندما يستمع لهذه الكلمات.
- أن يستمع الطفل إلى كلمات مكونة من مقطعين حتى أربعة مقاطع، ثم يطلب إليه أن يقسم كل كلمة إلى مقاطعها لفظيًا.
- أن يستمع ويميز: وذلك بوضع عدد من الأغراض أمام الطالب، ثم يطلب منه أن يميز الأشياء المكونة من مقطع واثنين وهكذا، ثم يصنف هذه الأشياء تبعًا لمقاطعها.
- أن يسمي الصور التي لأسمائها نفس النغمة، ويأتي بكلمات تشابهها في النغمة.
- أن يتعرف على الحروف أو الأصوات التي جعلت الكلمات متشابهة نغميًا.
- أن يستمع الطالب للكلمة بينما هو يشاهد صورتها، ثم يأتي بكلمة لها نفس نغمة الكلمة التي سمعها.
- أن يربط الطفل بين صوتين لغويين حتى ستة أصوات أو أكثر، مكونًا كلمات بنسبة إتقان لا تقل عن 90%.
- أن ينطق الطالب أصوات الكلمات المكونة من ثلاثة أصوات لغوية وهو يشاهد صورة الكلمة.
- أن يلفظ الطالب أصوات كلمة مكتوبة مكونة من ثلاثة أصوات أو أربعة.
- أن يحدد الطالب الصوت الأول والأخير من كل كلمة بينما هو ينظر إلى الصورة.
وكخلاصة نختم بها هذا المقال نطرح السؤال التالي ما شكل البرنامج التعليمي الذي نحتاجه لمواجهة الصعوبات في الوعي الفونولوجي ومن ثم نتوقع أثرًا ايجابيًا في اكتساب المهارات القرائية؟
يجب أن يكون التعليم مكثفًا وواضحًا ومغطيًا للمهارات الفونولوجية بشكل يناسب مرحلة القراءة التي وصل إليها الطفل، ويحتاج معلم القراءة إلى معرفة كل ما يحول دون تعلم الطفل القراءة. كما أن التدريب على الوعي الفونولوجي يجب أن يتبع نمط التطور الطبيعي ذي النشاطات التي تهدف إلى توسيع مستوى المهارة الفونولوجية لدى الطفل.
بقلم :.فهد حماد التميمي