يعيش الإنسان في الدنيا في امتحان، وقد نظم الله تعالى له دورات تدريبية تساعده وترفع مستواه لكي ينجح، بل ويتفوق، ومن هذه الدورات شهر رمضان، وفضائله كثيرة جدا أهمها أنه شهر:
1. القرآن الكريم، ففي رمضان نزل القرآن، وهو سبيل السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان }.
2. قبول الدعاء " ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ " الترمذي، سواء كان قبول الدعاء عاجلا أو آجلا، أو المطلوب نفسه أو غيره، أو في الدنيا أو في الآخرة، وكل ذلك إذا لم يمنع مانع من قبوله كعدم اتخاذ الأسباب، أو الأكل من الحرام، أو الإقامة على معصية.
3. المباعدة عن النار " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " مسلم.
4. الشفاعة يوم القيامة " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ " أحمد.
5. دخول الجنة من باب الريان " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " البخاري.
6. الصحة " صُومُوا تَصِحُّوا " الطبراني، سواء كان من باب الوقاية، أو العلاج لبعض الحالات.
7. التوبة " رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ " الترمذي، فجو رمضان يساعد على التوبة، ولكن التوبة لا تقبل إلا بشروطها الأربعة، وهي: الندم على المعصية، وتركها، والعزم على عدم الرجوع إليها، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، سواء كانت لله أو للناس.
8. المغفرة " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " البخاري، والمغفرة إن كانت بسبب التوبة بشروطها شملت كل شيء، وإن كانت بسبب العمل الصالح شملت الصغائر من حقوق الله فقط.
9. الوقاية من المعاصي " الصَّوْمُ جُنَّةٌ " أي وقاية، البخاري، فإن حدثته نفسه بمعصية تذكر أنه صائم فارتدع.
10. ليلة القدر { ليلة القدر خير من ألف شهر } وفيها قمة المضاعفة للحسنات، حيث تضاعف بأكثر من ثلاثين ألف ضعف، وتستجاب فيها الدعوات، وهي في العشر الأواخر ولذلك " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ (جَدَّ واجتهد) وَأَحْيَا لَيْلَهُ (كله) وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " البخاري، بل هي في الوتر منها " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " البخاري، بل هي في السبع الأواخر " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ " البخاري، فهي إذن في الوتر من السبع الأواخر، فهي إما ليلة خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين " الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ " البخاري، أي من العشر الأواخر، فهي ليست بالضرورة ليلة سبع وعشرين.
وهذا مع مراعاة أن تكون بداية الشهر صحيحة، فإن كانت غير صحيحة أصبحت الليالي الفردية زوجية والزوجية فردية، فعلى المسلم أن يحتاط لذلك.
وليس لها علامات واضحة تدل عليها، وبخاصة قبلها أو أثناءها، فينبغي عدم الاعتماد على بعض ما يتداوله الناس من علامات لا صحة لها.
لهذه الفضائل كان الصحابة والتابعون يتمنون أن تكون السنة كلها رمضان، لكثرة ما فيه من الخيرات، فرمضان فرصة لا تعوض، والعاقل من استغلها، ولم يُسَوِّف " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " .
وفي رمضان تنعقد أكبر دورة تدريبية في العالم، حيث يتدرب مليار ونصف من المسلمين على فضائل كثيرة أهمها:
1. التقوى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } فالهدف الرئيسي من فريضة الصيام رفع مستوى التقوى عمليا، في كل مجالات الحياة.
2. الإخلاص " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " البخاري، فالصوم تدريب عملي على الإخلاص، لأنه عمل غير مرئي، فلا مراءاة فيه.
3. الصبر " الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ " " صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ " أحمد، ولذلك ترى بعض الأطفال يصومون فهم أكثر صبرا من الكبار الذين لا يصومون، وترى المدخن إذا صام صبر عن التدخين ساعات طويلة، لأن رمضان شحنه بالصبر.
4. القيام، فيتضاعف كثيرا عدد الذين يقومون الليل من خلال صلاة التراويح، إنه تدريب عملي على قيام الليل ينبغي أن يحافظوا عليه طوال السنة.
5. الجهاد، جهاد النفس والشيطان والعدو، ففيه انتصر المسلمون في غزوة بدر الكبرى، وفتحت مكة، والأندلس، وعمورية.
6. الوحدة، حيث يشعر المسلمون بوحدتهم من خلال ممارستهم لشعائر واحدة، وهذا يبين أنه لا تتحد هذه الأمة إلا على الإسلام.
7. الصدقات، سواء كانت زكاة مال أو زكاة فطر، أو صدقات تطوعية، وصلة رحم، ولا شك أن هذا تدريب على الجود والصلة والإنفاق والإحساس بمشاعر المحرومين.
8. الحرية، حيث يتحرر الصائم من سيطرة عادات الطعام والشراب والنوم التي تعود عليها أحد عشر شهرا، والتي لو طالت أكثر لجعلت الإنسان عبدا لها لا يستطيع الخروج عليها، فيأتي الصوم مدربا للصائم على التحرر من هذه العادات.
فينبغي على المسلم أن لا ينقطع عن ذلك، وأن يحافظ على المستوى الذي وصله في رمضان، فما فائدة الدورات إذا فقد الإنسان كل مهاراته التي تعلمها بعد انتهاء الدورة !!!.
اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان