[ومـن الطــيرِ نتعــلّـم ...!! )
[] .. تأملْ الطائرَ الصغيرَ وهو ينطلقُ من عشهِ لأول مرة ،
منذُ أن فتحَ عينه على هذه الدنيا ، إنه يخبطُ بجناحيهِ في الهواء في جهدٍ جهيد ،
محاولاً التحليقَ ، وهاهو يكرر المحاولة ، ويعيدها ولا يمل ولا ييأس ، ولا يصاب بإحباط !!
ولن يفوت عينيكَ أن ترى أبويه يرفان من حوله ، وهما يشجعانه على مزيد من المحاولة ،
ويدربانه شيئاً فشيئا ، ولا يستعجلان عليه ،
فإن غفلا عنه لحظة ، أو إن زاغ هو عنهما ، فما أسرع ما تتخطفه الطير ،
أو يهوي في عنف ، ليرتطم في الأرض أو بصخرة ، أو بجذع شجرة ، فتؤدي بحياته فيهلك ..!
أليس في هذا المشهد الذي لا يزال يتكرر على مرأى عيوننا ،
أبلغ درس من دروس الحياة ،
تقدمه هذه الطيور الصغيرة ، لجمهرةٍ عريضةٍ من الآباء والأمهات ؟!
وأسأل نفسي والغصة تخنقني : أيكون الطير أعقل من الإنسان ؟!
أيغدو هذا الإنسان الذي كرّمه الله وفضله على كثير ممن خلق ، أقل وعياً من هذه الطيور الصغيرة ؟؟!!
[] إننا لنرى عجباً عجاباً في دوائرَ كثيرةٍ في حياةِ الناس ،
حيث يتردى جمهرةٌ من الآباء والأمهات إلى درجةٍ يدورُ معها عقلُ العاقل ، وينفد معها صبرُ الحليم ..!!
إننا لا نزال نسمع ونرى أعداداً من الآباء والأمهات بين ظهرانينا ،
قد نفضوا أيديهم كليةً من تربيةِ فلذات أكبادهم ، وتركوهم عرضةً للضياع
في متاهات ودروب وشعاب الحياة ، تتناهشهم ذئابها ووحوشها .. !!
أو أنهم أوكلوا مهمةَ تربية هذه البراعم الغضة إلى غيرهم ،
وأنكى من هذا ، أن يكون هذا الغير الذي أوكلوا إليه تربية براعهم ، من غير المسلمين أصلاً
_ نصارى أو بوذيين أو بلا ملة _ يتولون تنشئة هؤلاء الصغار على غير ما يحب الله ويرضى .. !!
وفي كلا الحالتين ، يكون شيئاً طبيعياً أن ينشأ هؤلاء الفتية والفتيات
على غير ما نحب ونرجو لهم ، فلا عجب إذن أنْ أمطرتْ سماؤنا على رؤوسنا تراباً ووحلاً ،
وما ظلمهم الله ولكنّ الناسِ أنفسهم كانوا يظلمون ..!
إنه لمن الخطورة بمكانٍ أن يتفرغَ الأب لشؤونه الخاصة ، والأم لهوائها الشخصية ،
تاركين هذه البراعم لآلات اللهو والطرب ، وبرامج الفضائيات المشفرة وغير المشفرة ،
والانترنيت ، وأصحاب السوء في الحي والمدرسة والنادي ، دون أدنى رقابة ،
لتهدم هذه الأشياء فيهم ما نحاول أن نبنيه جاهدين ..
فكيف إذا كانت جمهرة من الآباء والأمهات لا تفكر أصلاً في عملية البناء !!؟
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامهُ ** إذا كنتَ تبنيهِ وغيركَ يهدمُ ؟!!
هل آنَ لنا أن نصحوَ من هذهِ الغفلة التي تغلفُ حياتنا ، وقد نذوقُ مرارتها يوماً ،
إن نحنُ بقينا على هذه الشاكلة ؟!
لقد رأينا كيفَ أن الطائرَ الصغيرَ احتاجَ إلى رعايةٍ وعنايةٍ ، ورقابة والديه
ومتابعتهما وتشجيعهما ، حتى قوي جناحاه ، واشتد ساعده ،
وتمكن من مراوغة الريح إذا هبت عاصفة في وجهه !!
ولقد رأينا كذلك كيف أن الزارع العاقل يبقى يقظاً وهو يغرس فسائله الجديدة ،
ويراقبها ويرعاها ويعتني بها اشد العناية ، حتى تنمو وتتجذر في التربة ،
فتعطي ثمراتها وتخرج خيرها ، وينتفع بظلها ..!
وعلى هذا قس أشياءَ كثيرةً في هذه الحياة من حولك ، تجدها تلقنك درس الحياة الأول :
إنه لابد من فترةِ حضانة ، وتعهد ورعاية ، ومتابعة ومراقبة ،
_ قد تطول المدة وقد تقصر على حسب طبيعة ذلك البرعم _ ..
ويأتي على رأس هذه البراعم جميعها : هؤلاء الأطفال الذين هم رجال الغد ،
وحملة الرسالة ، وعلى أكتافهم تقوم الأمانة ، وتبنى الأوطان ، وتنهض الأمة ..!
قد نقسو عليهم أحياناً ونشتد ، ولكنها قسوة مغلفة بروح الحب والود لهم ،
والحرص والشفقة عليهم ، ذلك لأنهم أكبادنا تمشي على الأرض ..!
وشيء آخر في درس الطير هذا ..
لكني سأمر عليه سريعاً على الرغم من أهميته البالغة :
في مشهد الطير هذا درس يبلغ مستقر العظم ، للسائرين في درب الاستقامة مع الله سبحانه ،
لاسيما أولئك الذين انتقلوا من حياة لهو وعبث وسفاسف ،
ليضعوا أقدامهم على الصراط المستقيم ،
ثم إذا بهم يشتكون من أنهم لم يصلوا بعد إلى ما يرغبون الوصول إليه !!!!
يريدون القفزة السريعة ليجدوا ما يجده الصديقون من روح اليقين ، وحلاوة الإيمان ،
ومتعة المناجاة ، ولذة التعب من أجل الله ..!!!!!!!!
نقول لهؤلاء جميعاً : على رسلكم أيها الأحباب !! تعلموا من الطير درس الاستقامة الأول ..!
بالصبر والمصابرة ، وكثرة المحاولة ، وطول المجاهدة ، والتدرج شيئا فشيئا ،
حتى يقوى الساعد ، ويشتد الظهر ، وتترسخ القدم ، ويستوي العود ..
عندها يكون لكل حادث حديث ..!!
أما الاستعجال على الطيران ، منذ أول محاولة ، فإنه يهلك الطير إن هو أصر عليه !!
فافهم إن كنتَ ذا فهم .. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ :
اصْبِرُواْ ..
وَصَابِرُواْ ..
وَرَابِطُواْ ..
وَاتَّقُواْ اللّهَ ..
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .. ) ... سورة آل عمران
" راق لى "