قصة قصيرة – مسألـــةُ وقـــتٍ
لتتعذبَ أنتَ, كان عليك أن تستدعيَ بعض الصورِ المزركشةِ بخيالِكَ لتهبَهَا بعضَ المتعةِ ببراعةٍ متوهمًا النجاةَ منها. لم يكن عليك غيرَ أن ترتديَ زيًّا جديدًا من حماقاتِكَ المعهودَةِ وتغابيكَ المتعمَّدِ لتمنحَهَا طواعيةً كلَّ الخلاصِ لبعضِ الوقتِ.
أو لتهربَ بعيدًا بخيالِك حيثُ تقبعُ الأخرى بعالمٍ لم تبصرْهُ عيناكَ ولمْ تلمسْهُ يداكَ. لم يكنْ عليكَ غيرَ أنْ تتمددَ إلى جوارِهَا مسترخيًا وأنتَ تعلمُ تمامًا أنها أداةٌ معتمدةٌ لإشعالك برغمِ رفضك لها .
صديقي …
فلتهبْها نفسكَ طواعيةً ثم لترمِ بأحزانِكَ بأحضانِ الأخرى التى لم تدركْهَا بعدُ ولن تدركَهَا غالبًا. إستمتعْ بكونِهَا ملَّتْ من التحديقِ إليك وخلقتْ زاويتَها الخاصةَ ومنحتْكَ بعضَ الراحةِ مؤقتًا.
كانتْ ترقبُ شواربَهُمْ الكثَّةَ وحركةَ شفاههم المتصلةِ وأعينهم المتبجحةَ، وتخبرُكَ بأنَّهَا قادرةٌ على قراءتِهَا كما تجيدُ أنتَ قراءةَ جريدتَكَ اليوميّةَ المملةَ. دومًا تستفزُّكَ حينَ تذكركَ بلصقِهَا الكرسيِّ الذى حطّمَتْهُ غضبًا منكَ بنوبةِ جنونٍ مؤقتةٍ بأنبوبِ لصقٍ بخسِ الثمنِ، في حين فشلتَ في لملمة أجزاءِهِ بحفنةِ مساميرٍ تجاوزَتْ عشرَ جنيهاتِ.
تخبرُكَ عن كونها امرأةً فى الأربعينَ ولم يحفرْ بها الزمنُ أخدودًا واحدًا, في حين اشتعلَ رأسُكَ شيبًا. عندما تهيأَتْ لكَ وتبرجتْ، كان عليها أن تختارَ، أيَّ الأشياءِ الأنسبُ على الإطلاقِ، أيُّهَا يناسبُ مزاجَكَ اليومَ، أو لتلك الليلةَ تحديدًا، هل من الممكنِ أن تختارَ شيئًا مميزًا كالعادةِ فتنحني كما اعتادت وتصفقُ، وتدعوها لرقصةٍ لا تنتهي إلا بانتهائها بين يديكَ. ترتدي الأسودَ وكأنَّهَا تودعُ بقاياهَا، أو ما ستلقي به بين يديكَ لتهنأَ به كالمعتادِ، تلقي نظرةً مرتعشةً بين أعقابِ سجائرِكَ بمطفئتِكَ الكريستالِ. تعلَمَتِ العدَّ اليوميَّ بكلِّ الحماسِ لطفلةٍ تنتظرُ حبةَ نعناعٍ من رجلٍ لن يمنحَهَا سوى الوهمِ وسفرٍ طويلٍ لبلادٍ تركبُ الأفيالَ، و بذاتِ التركيزِ، وبذاتِ الإصرارِ فلا يتوارى منها شيءٌ ما. كمْ مرةٍ عليها أنْ تخبرَكَ بأنّهَا تخشى عليكَ الموتَ المفاجئَ بذبحةٍ، وأن الأعقابَ الثمانيةَ عشرَ أكبرُ دليلٍ على جريمتِكَ اليوميَّةِ بحقِكَ وبحقها؟. وهل كانَ عليها أن تقبلَ ردَّكَ المعتادَ بقهقةٍ طويلةٍ مصطنعةٍ، فلا هي فعلًا تخافُ عليكَ الموتَ بذبحةٍ ولا أنتَ فعلًا تضحكُ، ولا تلكَ المطفئةُ سَتَفْرُغُ أبدًا من ذراتِ رمادِهَا البغيضةِ.
لتتعذبَ هي؛ كان لزامًا عليها أن تتعطرَ لكَ كليًّا، فتتوقعَ أنْ تعمِّدَهَا أنفاسُكَ وتباركَهَا يداك وتطهرَهَا ضلوعُكَ. أيُّ شرفٍ زائفٍ أن تمنحكَ ما ظنَّتْهُ كنزهَا الخاصَّ برجلٍ آخرٍ أحتوتْهُ ذاكرتُهَا وقبَّلَتْهُ دموعُهَا وأجهضتْهُ أحلامُهَا؟ تدركُ أنَّ أصابعكَ كانتْ تتسلَّلُ لمَا لمْ يمكنكَ الوصولُ إليه وتحسُّسَهُ، ظنتْهُ قلبَهَا الذي لم تفطنْ لكونِهِ كونًا كبيرًا ملبدًا بالأمنياتِ، استوطنتْهُ الأغنياتُ والرؤى الشاحبةُ وكثيرُ صورٍ.
بقلم الكاتبة المصرية حرية سليمان