اعتاد المصرى حين يريد أن يظهر فطنته وذكاءه فى مقابل آخرين من أى جنس ولون أن يصرخ متسائلاً مستنكراً بعبارة «إنت فاكرنى هندى»، حتى صارت هذه العبارة قولاً مأثوراً فى ثقافة المصريين، وركن المصرى إلى هذه المقولة، بل حولها إلى حقيقة فى وجدانه حتى إنها تحولت أيضاً إلى وصف يسىء لأى فيلم سينمائى مصرى إذا وصفه المشاهد، وحتى النقاد، بأنه فيلم هندى.
ولا أستثنى نفسى من استخدام هذه العبارة فى إشارتى أحياناً لعدم معقولية فيلم ما، أو حتى للازدراء منه باعتباره مليودراما فجة.
وقد يذكر القارئ إذا كان تابع فيلم «طير إنت» الكوميدى الذى عُرض الصيف الماضى بطولة أحمد مكى ودنيا سمير غانم، قد يذكر كيف ضحك جمهور صالات العرض من المشهد الذى قلد فيه مكى ودنيا الأفلام الهندية وكيف كان الضحك عالياً فى صالات العرض فى هذا المشهد.
كل هذه المقدمة كان لابد منها لأن أطالب نفسى، قبل أى مواطن، بأن نقدم اعتذاراً رسمياً لدولة الهند ولكل الهنود فى العالم عما اقترفناه فى حقهم من تهكم ليس له من معنى إلا خيبتنا الثقيلة!! ولا تتعجل أرجوك، وتصفنى بأننى كاتبة سليطة اللسان متجاوزة على مصريتى ومصرية حضرتك!!.
لن أعاير المصرى بأن الهند التى يبلغ عدد سكانها المليار هى الدولة التى لا تستورد بجنيه واحد طعاما لأن لديها اكتفاء ذاتيا، ولن أعاير حكومتنا الرشيدة ومواطنيها بأن الهند صانعة قنبلة نووية فى الوقت الذى مازلنا نبحث فيه عن مكان على أرض المحروسة لإقامة أى حاجة نووية.. لن أعاير المصريين بأن الهند هى الدولة الأولى فى صناعة السوفت وير الخاص بالكمبيوتر وكذلك بالمحمول.. لن أعاير أحدا بذلك لأن الهم فى ذلك طايلنى وطايلهم.
ولكنى أستطيع أن أصرخ وأعاير كل أهل السينما وشركات الإنتاج والأمراء والشيوخ الذين يرعون الفن فى الحجرات بالملايين.. كل هؤلاء وبالصوت الحيانى قائلة لهم ياليتكم كنتم هنودا!!.
فى العام الماضى وفى نفس هذا الوقت من العام كانت أقدام الهنود أصحاب فيلم المليونير المتشرد تسير على السجادة الحمراء فى طريقها لحفل الأوسكار وتضرب صناعة هوليوود فى عقر دارها، فيلم «المليونير المتشرد» الهندى حصد ملايين الملايين وجوائز واحتراما فى كل مكان فى العالم، وهو الذى لم يتكلف إلا الملاليم.
وفى هذا العام وفى نفس التوقيت تفاجئ الهند العالم ذات صباح بفيلم «اسمى خان.. ولست إرهابياً» «My name is khan.. and i am not aterrorist» من إخراج مخرج شاب هو كاران جوهار وكتبت قصته شيبالى باثيجا ومن بطولة شاه روخ خان والنجمة الهندية كاچول.
والفيلم يحكى حياة شاب هندى مصاب بمرض التوحد، وهو مسلم وكيف علمته الأم أن العالم ينقسم إلى أخيار وأشرار وليس إلى مسلم وبوذى أو من أهل ديانة أخرى، وتتطور حياة هذا الشاب المريض العبقرى حتى تصل به الظروف إلى أمريكا، ويتعايش ويحب ويتزوج إلى أن تصل الأحداث لنقطة التحول حادث 11 سبتمبر فيصبح خان وكل من هو مسلم إرهابيا، وتتحول حياتهم إلى سلسلة من العذاب والاضطهاد، ولكن المسلم المريض الضعيف خان يستطيع وحده أن يغير الأمر ويصير محط أنظار الإعلام الأمريكى والعالم حين يتجه بدافع الحب لأن يقول لرئيس أمريكا: اسمى خان، أى أنا مسلم ولست إرهابياً.
فيلم بالمعايير الفنية قطعة من المخمل إخراجاً وكتابة وتمثيلاً وموسيقى.
ولكن الأهم أنه رسالة من دولة، البعض فيها يعبد البقر أو النار أو تمثال بوذا، ورغم هذا فهم يعطون للعالم رسالة تسامح وطلب نبذ للتعصب ودفاع عن الإسلام.
لم تستطع كل أموال المسلمين العرب أن تقدم ولو سطرا أو كلمة فيها، فلا بلد الأزهر الذى يخرج نوابه علينا بأن السينما حرام والفنانين كفرة قوادون فعل مثل الهند، ولا بلاد الإسلام النفطية التى تنفق أموالها على محطات دينية تتحدث لنفسها بالعربية استطاعت كذلك.
الهند والهنود هم الذين فعلوها وكما قالت الصحافة العالمية حولت خان المسلم إلى البطل الذى يعشقه المشاهدون فى كل العالم وتجرى دموعهم حباً واحتراماً فى قاعات العرض المظلمة، رب اجعل كل العرب والمسلمين هنودا وأنا أولهم.