وداعا .. أيها الحبيب الغالي
آخـــــــــر يوم ضحك فيه الحبيب قبل وفاته صلى الله عليه و سلم
أربعة أيام قبل غروب الشمس المحمدية ...
اشتد الوجع بالحبيب حتى لم يعد قادرا على إمامة الناس في الصلاة
" مروا أبا بكر فليصل بالناس " ...
و يمر يومان ، فيجد الحبيب في نفسه شيئا من الخفة ...
فيسرع إلى مهوى فؤاده و قرة عينه .. إلى الصلاة
خرج الحبيب بين رجلين يعينانه لصلاة الظهر ...
و هو الطود الشامخ الذي كان إذا مشى فكأنما ينحدر من عل (بفتح العين) لسرعة خطوه صلى الله عليه سلم
هم الصديق أن يتأخر للحبيب
فأشار إليه أن الزم مكانك
و جلس
نعم ، جلس النبي الحبيب المصطفى الذي كانت قدماه تتفطر من كثرة وقوفه مصليا
و لصدره أزيز كأزيز المرجل
و هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر
فابى إلا أن يكون عبدا شكورا
يا حبيبي يا أكمل الخلق و سيدهم و أعظمهم
جلس إلى يسار أبي بكر ، فكان الصديق يقتدي بصلاة الحبيب و يسمع الناس التكبير
_________________
قبل يوم من الرحيل ..
بينما المسلمون في صلاة الفجر ...
امتدت يد كريمة ...
يد طالما و سعت أكف العبيد و اليتامى و الأرامل
بل حتى البهائم تمسح عليهم و تواسيهم
امتدت يده الشريفة صلى الله عليه و سلم لتزيح ستر حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
و ابتسم ...
ابتسم الثغر الوضيء و استنار الوحه الشريف لكأنه قطعة قمر
قد بلغ الرسالة .. و أدى الأمانة
ابتسم لتلك الجموع ... ألوان شتى و قبائل متفرقة و أنساب متباعدة و مواطن مختلفة
و حدهم دين لو نزعت أرواحهم من بين ثناياهم ما تزحزحوا عنه قيد أنملة
أشداء على الكفار و أعداء الله و الرسول
رحماء بينهم كالأخوة بل أكثر
____________
ابتسم الحبيب
ابتسامة مشرقة في خفوت
كأنما جاءت على استحياء
لتخط خطوطها في وجه بدا في أحلك ساعات المرض
كبدر شاحب يودع آخر أيامه
و أطلت من عينينه الكريمتين
عيناه التي أرهقهما كثرة السهاد و البكاء
تارة من خشية الله
و أخرى رحمة بأمته و خوفا عليهم
أطلت تلك النظرة ، نظرة الرضا و الحب و الإشفاق و الشوق ...
قد رضي عن أصحابه و رضوا عنه
و رضي عن ربه و رضي الله عنه و هو المرضي عنه عليه الصلاة و السلام
و أسفق عليهم مما يلاقونه بعده من فتن
و اشتاق ... لنا
حتى آخر لحظاته .. كنا نشغل تفكيره
" وددت أن لو رأينا إخواننا ... "
"اولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ "
" لا أنتم أصحابي و إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني
____________
و هم المؤمنون أن يفتنوا في صلاتهم فرحا بالحبيب
فأشار إليهم أن أتموا صلاتكم
و غاضت الابتسامة شيئا فشيئا ...
و أرخى الحبيب الستر ...
و لم يرفعه مرة أخرى ...
لعمري لو كان الستر إنسا لبكى حنينا ليد الحبيب
كما حن إليه الجذع الذي كان يخطب مستندا إليه
و عاد الحبيب إلى داخل الحجرة ...
و على استحياء و ألم
و بين دموع و زفرات
نتبع الحبيب
لنشهد معه آخــــــــــــــر السويعات في حياته العظيمة
___________________
بدأت ساعات الاحتضار
فأسندته عائشة رضي الله عنها إليها
و بين يديه إناء فيه ماء
فجعل يدخل يده الشرفة في الماء فيمسح بها
يا ليتني كنت ذاك الماء
يا ليتني كنت ذلك الإناء
جعل الحبيب يمسح الوجه الشاحب الذي يتفصد عرقا كحبات اللؤلؤ المنثور
و جعل يرد " لا إله إلا اللله .. إن للموت سكرات "
يا حبيبي يا رسول الله
يا حبيبي يا حبيب الله
و يرددها بصوت ضعيف
الصوت الذي لطالما أطلقه عاليا ليجلجل في أسماع الكفار و المشركين
أنـــا النــبي لا كـذب
أنـا ابـن عبــد المــطــلب
و الله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه
صلى الله عليك و سلم يا حبيب القلوب و مهوى الأفئدة
___________________
و حانت لحظت الوداع
و آن للجسد المكدود أن يستريح
و شخص بصر الحبيب نحو السقف
و تحركت شفتاه
" مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، اللهم اغفر لي و ارحمني ، و ألحقني بالرفيق الأعلى "
و رفع يديه الشريفتين
" بل الرفيق الأعلى "
" بل الرفيق الأعلى "
" بــل
الـرفيـق
الـ..أ..علـ..ى..."
و خفت الصوت
و توقفت الأنفاس اللاهثة
و مالت اليدان
و انحنى الرأس
و فاضت الروح الطاهرة
عادت إلى حيث مستقرها
"يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية "
و علا النحيب
و دوت الصيحة .....
و كانت الصدمة ....
____________
ناحت النساء .... لعظم الهول
و اضطرب الناس في المسجد
حتى عمر ... أسد الله و عدو الشيطان
فقد صوابه
و راح يردد أن الحبيب لم يمت و إنما ذهب إلى ربه كما ذهب موسى
و سيعود كما عاد
و في قرارة نفسه كان يدرك أن الحبيب رحل
رحل و لن يعود
و لكن ...
كان الخطب أعظم من أن يتحمله حتى رجل في بأس عمر
____________________
و حده
وحده الصديق
رفيق الدرب
و خليل الدين
و الصاحب في الشدة و اللين
و حده انسل من بين الناس ، حتى دخل الحجرة
إلى حيث الجسد الطاهر مسجى
فكشف عن الوجه الشريف الستر
و تأمل تلك الملامح النورانية المطمئنة
النائمة في سلام أبدي
___________________
ثم أكب عليه
يقبله و يبكي
و يبكي
ويبكي
" بأبي أنت و أمي يا رسول الله
طبت حيا و ميتا
طبت حيا و ميتا
لا يجمع الله عليك موتتين
أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها " ...
________________
و ااااااااااحبيباه
واااااااااارسولاه
واااااااسيداه
سلام الله عليك و صلواته
طبت حيا وميتا
يا من أعطاك الله دعوة لا ترد
فأبيت أن تطلبها لنفسك
أو لدنياك
أبيت إلا أن تختبئها عند ربك
و لمن يا حبيب القلوب ؟
لأمتك
آثرت أن تختبئها شفاعة لأمتك يوم القيامة
" إن الله لم يبعث نبيا إلا و أعطاه دعوة ، ... و إن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة "
يوم الكل مشغول بنفسه
إلا أنت أيها الحبيب
أمتي ... أمتي
يا رب سلم يا رب سلم
أمتي .. أمتي
___________________
أمتك يا حبيبي يا رسول الله ؟
و ما أدراك ما أمتك ؟؟؟
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
أهملوا سنتك
و منهم من إذا ذكر بها ازداد عنها تغافلا
و مضى كأن في أذنيه وقرا
____________________
أخي في الله ... أختي في الله ...
ما نصيب ذلك الحبيب من الصلاة عليه ؟!
أقلها عشر صباحا و عشر مساء
و في أيام الجمع تعرض الصلاة عليه فيحسن الاستزادة منها
فهل منها تستزيد أم أنك عنها اصلا غافل ...
كان آخر ما قاله الحبيب : " الصلاة الصلاة ، و ما ملكت أيمانكم "
فأين أنت من صلاته ؟!
أم هي كنقر الديكة ؟
كانت آخر آية من القرآن
و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
هل فكرت أبدا في ذلك اليوم ؟
و ماذا فعلت بعدها بتفكيرك ؟
__________________________
ما أعددت لتقدمه بين يدي الحبيب حين يجري إليك فاتحا ذراعيه
فإذا الملائكة تجرك إلى النار
فيفزع الحبيب " إنه من أمتي ... من أمتي "
فتجيب الملائكة : " إنك لا تردي نا أحثوا بعدك ... "
ما أحدثت بعده ؟
فيم افنيت الأعوام السابقة من عمرك ؟
فيم استغللت أيام الشباب و أوقات الفراغ ...
فيم استعملت لسانك ...
فيم استعملت نظرك ...
كم تحفظ من القرآن ؟؟؟؟
و هل تتعهد ما حفظته بالمراجعة ؟؟؟
هل تحافظ على التسبيحات و الاستغفار و الأوراد ؟؟؟
أتصلي الفجر في المسجد جماعة ؟
أم في بيتك ؟
أم في سريرك ؟
أتعرف فضل ركعتي الضحى ؟
أم أنك لا تصليهما أصلا ؟
كم حديثا تحفظ عن النبي ؟
فيم تستغل أوقات فراغك ؟
ماذا تقرأ ؟ و ماذا تشاهد ؟؟؟؟
كل هذا محفوظ و مسجل
__________________________
ماذا تقول له غدا ؟؟؟؟
حين تقوم لرب العالمين
_________________________
قف مع نفسك الآن وقفتها
هذا أوانه
قبل أن تجلس مجلسا
قد لا تقوم منه بعدها أبدا
________________________
و صلى الله على سيدنا محمد الحبيب المصطفى و على أزواجه أمهات المؤمنين و على آل بيته و ذريته أجمعين
كما صليت و باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إتك حميد مجيد