شعوب وعروش
يخطئ من يظن أن الشعوب المقهورة تظل هكذا على سلبيتها ولامبالاتها طوال الوقت، بل يخطئ من يتهمها بأنها شعوب استمرأت العبودية والذل والهوان والقهر من جانب حكامها، وخير دليل على ذلك ما يحدث الآن فى دولة تونس بداية من المظاهرات التى اندلعت منذ عدة أيام والتى قوبلت بقسوة وعنف من جانب النظام الحاكم والذى قتل العديد من المتظاهرين والزج بالكثير منهم فى المعتقلات وتكميم الأفواه وفقر الشعب، مما عمل على اتساع نطاق المظاهرات وازدياد اشتعالها يوما بعد يوم إلى أن طار الرئيس زين العابدين بن على على متن طائرته والحط بها إلى المملكة العربية السعودية بعد أن ظلت طائرته تحلق فى الأجواء الخارجية تستجدى الهبوط بعد رفض العديد من البلاد استضافته عندها.
ترك الرئيس تونس وطنا يئن من الجوع والفقر والألم، ما يحدث فى تونس يجعلنا نؤمن بأن الشعوب المقهورة تظل صابرة وصامتة فى الظاهر، ولكنها تغلى كما تغلى القدور على المراجل حتى تأتى لحظة الخلاص وساعتها لا تستطيع أى قوة مهما بلغت إيقافها.
يقلقنى الوضع فى تونس الآن، لأن الأنظمة الاستبدادية تعمل منذ قيامها على شطب مبدأ التداول السلمى للسلطة من قاموسها السياسى والقضاء على بديلها والمفترض وجوده إن هى غابت عن السلطة كرهاً، مما يجعل البلاد فى حالة فراغ سياسى، فلا يوجد أحزاب قوية تحل مكانها وذلك بسبب عمليات الإقصاء التى مورست ضدها من جانب الحزب الحاكم وبذلك من الممكن وصول الوضع فى تلك الدول إلى الفوضى المدمرة وليس الخلاقة.
فى النهاية أعتبر أن ما يجرى فى تونس يمثل رسالة قوية من جانب الشعوب المقهورة إلى الجالسين على العروش، مفادها أن استمعوا إلى شعوبكم تسلموا وإن صمت آذانكم فالويل لكم، ولتعلموا أن دولة الظلم ساعة، وأن قيام دولة العدل إلى قيام الساعة.
"عثمان محمود مكاوى"