وأخيراً عرفت طريق الهداية
عبر وعظات من قصص التائبين والتائبات
خالد بن مصطفى سالم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه الأمة على الرغم مما أصابها من ضعف وانحراف، وبعد عن منهج الله عز وجل، إلا أن الخير لا يزال فيها وفي أبنائها إلى يوم القيامة..
وها هي قوافل التائبين، وأفواج العائدين تتكاثر يوما بعد يوم، فيهتدي أناس بعد طول شرود، ويتوب آخرون بعد أن جربوا كل أصناف المعاصي والمخالفات..
كانوا عصاة، ولكن بذرة الإيمان- وإن ذبلت- لم تمت في قلوبهم، ولذلك فسرعان ما اهتزت وربت وأنبتت عند أول جرعة من ماء الهداية والاستقامة..
لقد استجاب هؤلاء التائبين لقوله تعالى: { زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31) وإنا لنرجو لهم الفلاح إذا استمروا على طريق التوبة والهداية.نرجو لهم الفلاح؟ لأنهم تركوا طريق الضلال والانحراف.
نرجو لهم الفلاح؛ لأنهم تركوا أموالهم المحرمة، وأعمالهم المحرمة، ومنهم من ضحى بشهرته ومكانته الاجتماعية المرموقة، ومنهم من ضحى بمنصبه، ومنهم من ضحى بتجارته ومصدر عيشه، كل ذلك تقرئا إلى الله عز وجل وطلبا لمرضاته.
ولقصص التائبين أثر بالغ في النفوس؛ نفوس الطائعين ونفوس العاصين..
فالطائع يزداد إيمانا، ويعلم أنه على طريق الحق والهداية، وأن الذين سلكوا طريق الغواية ندموا على ذلك ولم يجدوا السعادة التي كانوا ينشدونها.
والعاصي يتحرك قلبه إذا سمع قصص هؤلاء التائبين، وتبدأ نفسه اللوامة تحثه على سلوك طريقهم والتزام سبيلهم، فإن كانت له إرادة قوية وعزيمة صادقة وثب وثوب الأسد، وأفاق من رقدة الغافلين، وأثبت اسمه في ديوان التائبين. وإن لم تكن له تلك الإرادة والعزيمة، استمرت نفسه اللوامة في اللوم والتوبيخ حتى تدركه رحمة الله فيهتدي، أو يموت على حاله من الضلال والبعد عن الله، والعياذ بالله.
ومن هنا- أخي الحبيب- جمعنا لك هذه الطائفة المنتقاة من قصص التائبين والتائبات لتأخذ منها العبرة والعظة وننتظم في سلك هؤلاء التائبين لننعم بتوبتنا في دنيانا وأخرانا
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء:88،89) نسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى طريق التوبة والهداية، وأن يقبل من إخواننا التائبين توباتهم، وأن يتوب على كل العصاة والمذنبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن أدهم
روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي. قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق
قال: أما ا لأولى، فإذا أردت أن تعصي الله- عز وجل- فلا تأكل رزقه.
قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟
قال له: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده.
قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له، فاعصه فيه.
قال: يا إبراهيم كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!
قال: لا ؛ هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا.
قال: لا يقبل مني.
قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.
قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني.
قال: فكيفت ترجو النجاة إذا ؟!
قال له: يا إبراهيم، حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.
حنين فتاة
في صيف أحد الأعوام فكرت الأسرة أن تسافر كالعادة إلى بلاد أوروبا..
هناك حيث جمال الأرض وروعة المكان..
وأكثر من هذا الحرية التي تمنحها المرأة نفسها..
كانت هذه الفتاة مع الأسرة تربط الأمتعة وتنظر إلى أخيها الأكبر..
وتقول له في فرحة غامرة وسعادة كبيرة..
أما هذه العباءة سأتركها.. لا حاجة لي بها.
وهذا الحجاب الذي حجبني عن حريتي وعن متعتي فسوف أرمي به عرض الحائط.
سألبس لباس أهل الحضارة... زعمت.
طارت الأسرة وسارت من أرض الوطن وبقيت في بلاد أوروبا شهرا كاملا . ما بين اللعب والعبث والمعصية لله سبحانه وتعالى.
وفي ليلة قضتها هذه الأسرة بين سماع المزامير ورؤية المحرمات عادت الفتاة إلى غرفتها وقبل النوم أخذت تقلب تلك الصور التي التقطتها والتي ليس فيها ذرة من حياء.
ثم أخذت الفتاة الوسادة وتناولت سماعة الراديو.. تريد أن تنام مبكرة فغدا يوجد مهرجان غنائي صاخب.
نامت وهي تفكر كم الساعة الآن في بلدي.
ثم أيقظ تذكر بلدها إيمانها النائم وقالت: منذ حضرنا في هذه البلاد ونحن لن نسجد لله سجدة واحدة، والعياذ بالله.
قامت الفتاة تقلب قنوات المذياع المعد للنزلاء وإذا بصوت ينبعث من ركام الصراخ وركام العويل والمسلسلات والأغاني الماجنات (صوت الأذان).
صوت ندي وصل إلى أعماق قلبها، وأحيا الإيمان في أعماقها، صوت من أطهر مكان وأقدس بقعة في الأرض، من بلد الله الحرام... نعم إنه صوت إمام الحرم الذي انساب إلى قلب هذه المسكينة في هجعة الليل.
انساب إلى قلب هذه الفتاة التي هي ضحية واحدة من بين ملايين الضحايا.
ضحية الأب الذي لا خلاق له، وضحية الأم التي ما عرفت كيف! تصنع جيلا يخاف الله ويراقبه سبحانه وتعالى؟! سمعت صوت القرآن وهو بعيد غير واضح.. هالني الصوت حاولت مرارا أن أصفي هذه الإذاعة التي وصلت إلى القلب قبل أن تصل إلى الأذن.
أخذت أستمع إلى القرآن وأنا أبكي بكاءً عظيماً.
أبكاني بعدي عن القرآن... أبكاني نزع الحجاب... أبكتني تلك الملابس التي كنت أرتديها.
كنت أبكي من بشاعة ما نصنع في اليوم والليلة.
فلما فرغ الشيخ من قراءته أصابني الحنين ليس للوطن.. ولا للمكان.. ولا للزمان.. ولكن الحنين.. إلى ربي سبحانه وتعالى فاطر الأرض والسماء.. إلى ا لرحيم ا لرحمن... إلى ا لغفور الودود. قمت مباشرة.. فتوضأت وصليت ما شاء الله أن أصلي، لم أصل
ولم أسجد لله أو أركع ركعة واحدة خلال شهر كامل، ثم عدت أبحث عن شيء يؤنسني في هذه الوحشة وفي هذه البلاد.. فلم أجد سوى أقوام قال عنهم ربي سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12)
بحثت في حقائبي فلم أجد إلا صورا خليعة وأرقام الأصدقاء.. بحثت في أشرطتي عن شريط قرآن أو محاضرة.. فلم أجد سوى أشرطة الغناء.. فكان كل شيء في هذا المكان يزيد من غربتي وبعدي عن الله عز وجل.
بقيت ساهرة طوال الليل... أحاول أن أستمع إلى المذياع لعله يسعف قلبي بآية من كتاب الله.
لعله يسعف فؤادي بحديث... لأني والله ما شعرت براحة ولا أمان إلا بعد أن استمعت إلى تلك الآيات.
والله لا طبيعة ولا جمال ولا ألعاب ولا هواء ولا نزهة أسعدتني كما أسعدني القرآن.
جاء الفجر فتوضأت وصليت... نظرت إلى أبي!!! نظرت إلى أمي!! نظرت إلى إخواني.. وإذا بهم كلهم يغطون في نوم عميق.. فزاد هذا المنظر في قلبي حزنا إلى حزني.
فلما قرب موعد الذهاب إلى المهرجان... استيقظت الأسرة من النوم العميق وأنا لا أزال ساهرة لم أذن طعم النوم.
فقررت البقاء بالغرفة والتظاهر بالمرض... فوافق الجميع على بقائي وذهبوا إلى هذا المنكر.
فبقيت أتذكر في تلك اللحظات كم معصية لله عصيتها، وكم من طاعة فرطت فيها... وكم من حد من حدود الله انتهكته إلى أن غلبني النوم.
وعادت الأسرة بعد يوم صاخب.. فقررت أن أتقدم وأن أقول كل ما لدي.
وقفت أمام الجميع.. حاولت الكلام فلم أستطع فانفجرت باكية.. فوقف والدي ووالدتي وأخذا يهدئاني وقالا هل نحضر لك طبيباً..قلت لا.
فقويت نفسي على الحديث قلت يا أبي لماذا نحن هنا؟.. يا أبي لماذا منذ أن قدمنا لم نصل ولم نسجد لله سجدة؟.. يا أبي لماذا لم نقرأ القرآن ؟... يا أبي أعدنا سريعا إلى أرض الوطن، أعدنا إلى أرض الإسلام.
يا أبي اتق الله في أيامي.. يا أبي اتق الله في آلامي... اتق الله في دمعاتي..
فتفاجأ الجميع بهذا الكلام... وذهل الأب والأم والإخوة لهذه الفتاة التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وتقول كل هذا الكلام. حاول الأب أن يبور الموقف فلم يستطع.. فاضطر إلى السكوت... وفكر كثيرا في هذا الكلام الذي كان يسقي بذرة الإيمان الذابلة في قلبه.
ثم قام وأخذ يستعيذ بالله من الشيطان.
وعزم- بعد الاستغفار- على الرجوع إلى أرض السلام.
تقول الفتاة: والله كأن الجميع كانوا في نوم عميق ثم استفاقوا فجأة فوجدوا أنفسهم في بركة من القاذورات.
قام الأب وهو يردد استعاذته من الشيطان.. فأسرع وحجز على أقرب رحلة وعادت الأسرة سريعا لأرض الوطن..
لم يكن حنينهم إلى الوطن " بل حنينهم إلى عبادة الله عر وجل والأنس بقربه .
شاب تسبب في هداية فتاة
لقد كنت متحللة إلى درجة كبيرة حتى إنني كنت أقيم علاقات مع جيراني الشباب وأغريهم بالتحدث معي وألاطفهم، كنت على درجة عالية من السخافة، أستخدم الهاتف لمعاكسة الشباب حتى إن أحد الشباب شباب الحي تركني وتزوج بأختي التي تصغرني، لم أكن أؤدي الصلاة ولا ألتزم بأي نوع من أنواع العبادات....
وفي يوم من الأيام تعطلت سيارتي في الطريق فوقفت ألوح بيدي عسى أن تقف لي إحدى السيارات المارة، وبقيت على هذه الحال فترة، رغم أنه في كل مرة ينزل الشباب بل ويسارعون ليتمتعوا بابتسامتي والنظر إلى جسدي شبه العاري... وهناك.. توقفت إحدى السيارات ونزل منها شاب "عادي " لا يظهر عليه سيما التدين، وتعجبت عندما لم ينظر إلي وعمل بجد على إصلاح السيارة، وأنا مندهشة كيف لم يعجب بي!! ولم يحاول أن يلاطفني كبعض الشباب!! فحاولت أن ألاطفه وأبتسم له، وهو لا يرد علي، وعندما أنهى مهمته، وقام بإصلاح السيارة قال لي: "ستر الله عليك.. استري على نفسك... " ثم مضى وتركني مذهولة أنظر إليه وأسأل نفسي: ما الذي يجعل شابا فتيا في عنفوان شبابه ورجولته لم يفتن بي، وينصحني أن أستر نفسي؟!
وظللت طوال الطريق، أتساءل: ما القوة التي يتمسك بها هذا الشاب؟ وأفكر فيما قاله لي.. وهل أنا على صواب؟ أم أنني أمشي في طريق الهلاك، وظللت أتعجب حتى وصلت إلى البيت ولم ليهن فيه أحد في ذلك اليوم، وعندما دخلت جاء بعد قليل زوج أختي الذي كان يريدني، وتلاطف معي.. وعلى عادتي تجاوبت معه بالنظرات والكلام حتى حاول أن يعتدي علي.. وهنا تذكرت.. وهانت على نفسي لدرجة لم أجربها من قبل.. وأخذت أبكي، وأفلت من هذا الذئب سليمة الجسد معتلة النفس.. لا أدري، ما الذي أفعله؟ وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه؟
وأخذت أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها... لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه، ومرضت عدة أسابيع، ثم بعد ذلك تعرفت على بعض الفتيات المتدينات ونصحتني إحداهن بالصلاة. وفعلا عند أول صلاة، شعرت بارتياح لم أجربه من قبل وبقيت مداومة على الصلاة وحضور الدروس والقراءة، والتزمت "بالحجاب الشرعي " حتى تعجب أهلي، الذين لم يروني أصلي في يوم من الأيام،.. ومنذ ذلك اليوم سلكت طريق الهداية والدعوة إلى لله وودعت طريق الضلال والغواية.
والآن ألقي الدروس عن التوبة وعن فضل الله جل وعلا ومنته على عباده
أن يسر لهم سبل الهداية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
توبة فتاة بعد سماعها
أحد أشرطة القرآن الكريم
رغم نشأتي في بيت متدين والحرص على التنشئة الصالحة والالتزام بأوامر الله وخاصة الصلاة.. وما إن قاربت سن البلوغ حتى انجرفت مع التيار.. وانسقت وراء الدعايات المضللة.. والشعارات البراقة الكاذبة التي يروج لها الأعداء بكل ما يملكونه من طاقات وإمكانيات، ومع ذلك كنت بفطرتي السليمة أحب الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة وأخجل أن أرفع عيني في أعين الرجال.. كنت شديد الحياء... قليلة الاختلاط بالناس.
ولكن للأسف زاد انحرافي وضلالي لدرجة كبيرة بسبب ابتلائي بزوج منحرف لم أسأل عن دينه وأخلاقه، وكان يمثل على الأخلاق والعفة، وعرفني على كثير من أشرطة الغناء الفاحش، لم أكن أعرفها من قبل، وتعودت على هذا اللهو الفاجر..
وزاد انحرافي وشرودي عن خالقي بسبب هذا الزوج، وتركت الصلاة نهائيا ونزعت حجابي..
وقطعت صلتي بالله؛ فقطع الصلة بي ووكلني إلى نفسي وهواي وعشت الشقاء والتعاسة.. {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28].
كنت دائما في هم وفراغ كبير أحسه بداخلي رغم ما وفره زوجي
من متاع الحياة الزائل... لقد سقطت في الضياع والغفلة بكل معانيها، كثيرا ما ينتابني القلق والعصبية والاضطراب النفسي.. كما حرمت الذرية، وكما أني كنت متبرجة ينظر إلي الرجال كذلك زوجي يلهث وراء النساء، وانشغل بالنساء وتركني أعاني الوحدة والضياع وأتخبط في ظلمات الجهل والضلال..
لقد حاولت التخلص من حياتي مرارا، ولكن المحاولات باءت بالفشل.. إلى أن سمعت أحد شرائط القرآن الكريم بصوت شجي أخذ بمجامع فكري وحرك الأمل بداخلي.. تأثرت كثيرا وكنت أتوق إلى الهداية.. ولكني لا أستطيع..
هرعت إلى الله ولجأت إليه في الأسحار أن يفتح لي طريق الهداية
ويزين الإيمان في قلبي، ويكره إلى الكفر والفسوق والعصيان.. ورزقني الله الهداية، والتزمت الصلاة وارتديت الحجاب وحافظت على تلاوة كتاب الله، وإتباع سنة رسوله المصطفى الكريم بعد أن تركت هذا الزوج المنحرف رغم حبي له، وآثرت قرب خالقي ولله الحمد.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14].
توبة شاب عن اللهو واللعب
عن ثابت البناني قال: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبّان فيتعبد فيها. فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون. قال: فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا النهار عن الطريق وناموا الليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، قال: فمر بهم ذات يوم، فقال لهم هذه المقالة. فقال شابٌ منهم: يا قوم! إنه والله ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلغو، وبالليل ننام. ثم اتبع صلة، فلم يزل يختلف معه إلى الجبّان ويتعبد معه حتى مات، رحمهما الله.
توبة شاب عن العقوق
يقول الشاب:
توفي والدي وقامت أمي بتربيتي حتى أنهيت الدراسة الجامعية وجاءت بعثتي إلى الخارج، وبعد انتهاء البعثة رجعت شخصاً آخر قد أثرت في الحضارة الغربية، ورأيت الدين تخلفا ورجعية، وأصبحت لا أؤمن إلا بالحياة المادية، حصلت على وظيفة عالية وبدأت أبحث عن زوجة، وقد اخترت زوجة غنية وجميلة، وتركت اختيار أمي من تلك الزوجة المتدينة المحافظة، وبعد ستة أشهر من الزواج حدث خلاف بين زوجتي وأمي حتى طلبت الزوجة طرد أمي فطردتها في لحظة غضب فخرجت أمي من البيت، وهي تقول: أسعدك الله يا ولدي وبعد ما سكن غضبي خرجت أبحث عنها فلم أجدها، حتى انقطعت أخبارها وأصبت بعدها بمرض صرت رهين المستشفى، وعلمت أمي بالخبر وجاءت إلى المستشفى تريد زيارتي فما كان من الزوجة، إلا أن طردتها وقالت لها اذهبي عنا، وبعد مدة خرجت من المستشفى وقد انتكست حالتي النفسية وفقدت الوظيفة، وتراكمت على الديون حتى حدثت الصاعقة عليَّ بطلب الزوجة للطلاق فطلقتها. فخسرت الزوجة والأم والوظيفة فخرجت أهيم أبحث عن أمي، وفي النهاية وجدتها ولكن أين؟
في مكان تأكل من صدقات المحسنين، فدخلت عليها، وقد أثرت فيهما البكاء فما أن رأيتها حتى ألقيت بنفسي تحت رجليها وبكيت بكاءً مرا حتى شاركتني البكاء فعزمت على برّها وطاعتها وأسأل الله تعالى أن يتوب عليّ.
فلا تطع زوجة في قطع والدة *** عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
فكيف تنكر أما ثقلك احتملت *** وقد تمرغت في أحشائها شهرا
وعالجت بك أوجاع النفاس *** وكم سُرَّت لما ولدت مولودها ذكرا
وأرضعتك إلى حولين مكملة *** في حجرها تستقي من ثديها الدررا
ومنك يُنجسها ما أنت راضعه *** منها ولا تشتكي لكنّا ولا قذرا
وقل هو الله بآلاف تقرأها *** خوفا عليك وتُرخي دونك السُترا
وعاملتك بإحسان وتربية حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تُفضل عليها زوجة أبدا *** ولا تدع قلبهـا بالقهر يُنكسرا
والوالدُ الأصل لا تُنكر لتربية *** واحفظه لا سيما أن أدرك الكِبرا
فما تؤدي له حقا عليك *** ولو على عيونك حج البيت واعتمرا
توبة فتاة بعد تدبرها لسورة "ق"
كنت متمادية في المنكرات والعصيان.. ولكم حاولت والدتي نصحي وتذكيري، لدرجة أنها تبكي أمامي ولكن بدون فائدة ظللت أسير في طريق مظلم كالح، أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات. وعندما يسدل الليل ستاره الأسود أفكر فيما أفعله غدا، وعندما يشرق النهار أبلج واضحا، أحمل هم الليل وبماذا سأقضيه، ليس لي هم غير الدنيا وإضاعة الأوقات بدون فائدة، وتمر ساعات وأنا بين أغنية أو مجلة أو فيلم ساقط.. وهكذا ألبستني الغفلة من ثيابها ألوانا شتى.
وذات يوم مللت من ذلك الروتين اليومي، ومن نصح والدتي وتذكريها لي بوالدي المتوفى- رحمه الله- وحرصه علي... وفجأة دخلت غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور وفتحت نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي.. وكلمات بارئي تفعل ما تفعله في نفسي من تأثير كبير.. سبحان الله... ما أشد تلك الكلمات ومما أعظمها: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 16-35].
إنها الحياة الحقيقية.. ما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه!! والقبر لقد طوته الغفلة في طي النسيان في حياتي، والصلاة ماذا عنها؟ إنها مجرد عادة إن وجدت نفسي متفرغة أديتها، وإلا تركتها كغيرها من الفرائض.. وكتاب الله لا تمسه يداي إلا في المدرسة إن حضرت هذه الحصة وإلا هربت مع قريناتي..!! ودق جرس الإنذار في نفسي مدويا وانهالت الأسئلة من كل جانب من جوانبي... يا إلهي ماذا أعددت لسؤال ربي...!! ماذا أعددت للقبر وضمته..!! وللموت وسكرته..؟ لا شيء أبدا!!! لا رصيد لدي أنجو به.. ولا زاد أتزود به.. سوى حفظ عشرات الأغاني الماجنة!!
يا إلهي ماذا سأفعل؟!
راح من العمر الكثير.. ذنوب في الليل وآثام في النهار..!! إذا لا بد من الرجوع.. الرجوع إلى الله.. والاستعداد ليوم يشيب فيه الولدان و!ضع كل ذات حمل حملها.. لابد من الاستيقاظ والعمل بالجد والإخلاص.. لعل الله يعفو عن الكثير ويقبل مني القليل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
توبة شاب في طليطلة
يقول هذا التائب:
عشت حياتي في سعادة بالغة أتلقى كل الرعاية والاهتمام من والديّ بعد أن كرسا حياتهما من أجل إسعادي؛ لأنني كنت الطفل الوحيد لهما.. وعندما حصلت على شهادتي الجامعية أهداني والدي سيارة وأبلغني بضرورة الاستعداد للعمل معه في شركته الخاصة.
في ذلك الوقت كنت أرتبط بعدد من زملاء الدراسة بصداقة وطيدة.. وكان أكثر هؤلاء قربا مني شخص اسمه علي.. وزاد من ارتباطي به تشابه ظروفنا الاجتماعية فقد كان هو الآخر وحيد والديه وكان في حالة مادية متيسرة مثل والدي تماما.. ويسكن بالقرب من منزلنا مما ساعد على لقائنا المستمر بصفة يومية.
وعقب تخرجنا في الجامعة معا عرض علي ضرورة السفر إلى الخارج كما يفعل الآخرون من زملائنا الذين يعرفون كيفية الاستمتاع بأوقاتهم!!
وطرحت الفكرة على والدي اللذين وافقا على سفري بعد إلحاح شديد من جانبي.. وأبدى والدي تخوفه من حدوث انحراف في أخلاقياتي مثلما حدث للكثير من الشباب فطمأنته ووعدته بأن أكون مثالا للابن الصالح.. وسط دعوات والدي بسلامة العودة.. ثم قمت بشراء تذكرة سفر لي ولصديقي إلى أسبانيا.
وفور وصولنا إلى هناك.. لاحظت أن صديقي يصر على إقامتنا في أحد الفنادق دون غيرها.. ولما سألته عن السبب أخبرني بأن هذا الفندق يقع بجوار العديد من حانات الشراب التي سوف نجدد فيها حياتنا كالآخرين!!
وهنا تذكرت نصائح والدي لي عن كل ما يسيء إلى ديني فرفضت الذهاب بصحبته في اليوم الأول.. لكن تحت ضغوط إلحاحه الشديد وافقت على الذهاب معه.
ومنذ اليوم الأول جرني إلى مزالق كثيرة ومساوئ أخلاقية مشينة، ولم أحس بالآثام التي ارتكبتها إلا في اليوم التالي. وهنا أحسست بالندم الشديد على ما ارتكبته من إثم في حق ديني ونفسي.
ولكن الندم لم يدم طويلا.. ومن أجل التغيير سافرنا إلى غرناطة وطليطلة.. وكان بصحبتي فتاة غير مسلمة أخذت تتجول معي في مناطق الآثار الإسلامية.
وفي طليطلة شاهدت القصور العظيمة التي بناها أجدادنا المسلمون.. وشرحت لي الفتاة كيف أن أهلها لا يذكرون المسلمين إلا بكل خير، لأنهم لم يسيئوا لأحد من أهل الأندلس عندما قاموا بفتحها. وكانت خلال شرحها المسهب لعظمة التاريخ الإسلامي في هذا البلد يزداد إحساسي بالخجل مما ارتكبته من آثام في هذه المدينة التي لم يفتحها أجدادنا إلا بتقوى الله- عز وجل-.
وصل إحساسي بالذنب إلى أقصاه عندما رأيت أحد المحاريب داخل قصر إسلامي بالمدينة كتبت عليه آيات من القرآن الكريم.. وكنت كلما نظرت إلى كلمات هذه الآيات؛ أحس وكأن غصة تقف بحلقي لتفتك بي من جزاء تلك الذنوب التي ارتكبتها في حق نفسي في اليوم الأول من وصولي إلى تلك البلاد التي تنتسب إلى ماضينا الإسلامي المجيد.
وانسابت الدموع الغزيرة من عيني عندما رأيت قول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]، ودهشت الفتاة التي رافقتني لتلك الدموع فأخبرتها أنني تذكرت بعض الذكريات المؤلمة في حياتي لإدراكي أنها لن تفهم ما سأخبرها به.
وفي هذه اللحظة قررت العودة إلى المملكة على أول طائرة تغادر برشلونة.. وحاول صديقي إقناعي بالبقاء معه لمواصلة رحلتنا لكنني رفضت بإصرار بعد أن أدركت بشاعة ما يرتكبه في حق دينه ونفسه. وهكذا عدت إلى بلدي نادما على ما فعلت متمنيا من الله تعالى أن يغفر لي الذنوب التي ارتكبتها.. ومنذ أن وطئت قدماي أرض بلادي قررت قطع كل علاقة لي بهذا الصديق الذي كاد يوقعني في موارد التهلكة لكن الله تعالى أنقذني قبل فوات الأوان.
إن الليالي من أخلاقها الكدر *** وإن بدا لك منها منظر نضر
فكن على حذر مما تغر به *** إن كان ينفع من غراتها الحذر
قد أسمعتك الليالي من حوادثها *** ما فيه رشدك لكن لست تعتبر
يا من يغر بدنياه وزخرفها *** تالله يوشك أن يودي بك الغرر
ويا مُدلاًّ بحسن راق منظره *** للقبر ويحك هذا الدل والفخر
تهوى الحيا ولا ترضى تفارقها *** كمن يحاول وردا ما له صدر
كل امرئ صائر حتفا إلى جدث *** وإن أطال مد آماله العمر
حوار مع فتاة
همست في أذن صاحبتها فقالت: أيتها الحبيبة.. خلة صافية.. وصحبة زلالية.. ووشيجة قوية.. كل هذا يربطنا أيتها الغالية.. ولكنني أستغرب كل الاستغراب من حالك وسلوكك.. فلا أراك قد أخذت بحظك من الحياة الجديدة.. حياة التمدن.. حياة الفتاة المعاصرة.. كيف وأنت الفتاة الجامعية ما زلت ترتدين الحجاب!! ومازلت تعيشين مع الماضي التليد!! إننا لفي ذهاب وإياب من السوق إلى حيثما نشاء.. من زميلة إلى أخرى.. ولنا في كل جديد ينزل في السوق نصيب وغنيمة.. أما أنت.. قاطعتها قائلة: أما أنا فلست في هذا كله، ولكن أتريدين مني أنا المسلمة العفيفة الطاهرة أن أقتدي بأولئك الحثالة من البشر؟ أم تبتغين مني أن أسابق السخفيات في متابعة الأزياء؟ أم تطلبين مني أن أجعل مَثَلي الفذ وقدوتي هو فنانة ساقطة أو ممثلة هابطة تهدم الأخلاق وتفسد البيوت..؟
أختي العزيزة: مع ادخاري لك الود والاحترام الجميلين أقول من أعماق فؤادي:
أختي الكريمة: مثلك لا ينطلي عليه مثل هذه الخزعبلات التي قالها أعداؤك في ثوب قشيب، يريدون منك أن تخلعي الحجاب، وأن تسايري الرجل في عمله، وأن يكون همك هو الأزياء ومتابعة الفن الرخيص.. بعد ذلك تحققين مطلبهم.. فلا أنت حفظت بيتك، ولا أنت حصلت على زوج يحفظك من السوء، ولا أنت التي تمسكت بدينك القويم يحفظك من السوء، ولا أنت التي تمسكت بدينك القويم الذي هو عزك في الدنيا والآخرة.. وإنما خرجت من هذه الدنيا بسخط الله ورضا عدوك.. وتعاسة حياتك.، لأن الحياة السعيدة في مرضاة الله، ومن قال غير ذلك فقد ضل الطريق.. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طـه:124].
أختي المسلمة: كلمات حارّة أرسلها لك عبر الأثير: أنت قائدة الجيل.. مربية النشء.. مدرسة يتخرج فيها الرجال.. فمن خزفي أمثال صلاح الدين؟ ومن ربي أحمد بن حنبل؟ ومن أوصل ربيعة الرأي إلى مكان مرموق يحسده عليه أترابه؟ وكم أتمنى لو قرأت قصة هذا البدر المضيء في تاريخنا لتعرفي أين مكانك يا أختاه..
نعم إنك أنت المدرسة الأولى.. فإذا تخرج ولدك على معرفة الإسلام وفهمه وتطبيقه فحسبك شرفا ورفعة وذكرا في الدنيا والآخرة.. وإخال أن حافظا قد سبقني إلى هذا المعنى فقال:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
قاطعتها قائلة: على رِسلك يا أختاه.. إنك مسكينة.. ما زلت تعيشين بأفكار قديمة والناس تسير إلى الأمام.. وإلى الحياة الجديدة بلا تعقيد.. وبحرية مطلقة، وإني لأستأذنك فإني على موعد مهم.. خرجت وتركت صاحبتها فاطمة تفكر في تصرفاتها وموقفها الحاد.. وتمر الأيام سريعة ويأتي الخبر كالصاعقة.. إن الفتاة الجريئة على حدود الله المستهزئة بصاحبتها ترقد على السرير الأبيض.. فاطمة تراجع نفسها.. وتأخذ عنوانها لتزورها في المستشفى، سلمت عليها، وهشت وبشَّت في وجهها..
قالت أمل في نفسها: من هذا الوجه المضيء الذي جاءني في هذه الساعة؟ إنها الصاحبة الوفية.. إنها فاطمة.. ردت السلام عليها بأحرّ وأقوى ما لديها.. سألتها: ما الأمر وما الخطب..؟ قالت: كنت مع السائق ذاهبة إلى بعض حاجتي وحصل لنا حادث كان من نتاجه ما ترين.. ساقي وقد انكسرت، وآمالي وقد تحطمت، أتدرين يا صاحبتي الوفية ماذا كان يدور في خلدي من ساعة الحادث إلى هذه الساعة؟
قالت: لا أدري.
قالت بأدب جمٍّ ووجه بشوش وهدوء بديع: إنها كلماتك الحارة المشرقة، لقد أضاءت كلماتك ظلمة كانت تغشاني وتغطي فؤادي.. وكأني أحس بنور يسعى بين جنبي من سنا كلماتك الصادقة.. نعم.. كلمات مما أظن أني سمعت بأجمل منها منذ عرفت الزميلات، وإنما هي مجاملات ومهاترات، وكأنك بهذا الصنيع قد أنقذتني من بحر لجي لا ساحل له كدت أغرق فيه.
ردت فاطمة: بشرى خير ورحمة، وأرجو أن يعجل الله بشفائك لتعودي إلى البيت امرأة أخرى، همُّها، شغلها.. تفكيرها في طاعة الله عر وجل، وفي هذه اللحظات كان المؤذن قد رطب الجو بذكر الله أكبر.. الله أكبر.. فاستأذنت منها وافترقنا على أمل لقاء آخر..
وتمر الأيام وتخرج أمل من المستشفى وهي تلهج بذكر الله حمدا وشكرا أن لم يأخذ روحها وهي على المعصية.. وترفع أكف الضراعة لله أن يحفظ صاحبتها ويوفقها حيثما كانت.. وفي ذات مرة تفاجأ فاطمة وقد رأت وهي داخلة المدرسة إعلانا عن محاضرة بعنوان: "العودة إلى الله يا فتاة الإسلام " تقام في إحدى مدارس البنات، ولم يكن ذلك غريبا، وإنما الغرابة بدت على وجهها عندما رأت أن اسم المحاضرة أمل صاحبتها، عندها دعت لها بالتوفيق والثبات وأن يحفظها الله من السوء والضلال. وكانت مشعلا آخر يضيء.. ويهدي.. ويعطي الكثير مما استقاه من مشكاة النبوة.
توبة رجل عن كراهية البنات
كره منذ طفولته البنات فوالدته أنجبت سبع بنات وهو وحيدها.
وما تزال كلمات التأفف والتضجر من والده لأمه عقب كل مولودة، وما تزال همسات الجيران والأقرباء تصرخ في أذنه ونظرات الشفقة والرثاء لوالدته سياطا يلهب أحاسيسه فيثور على البنات ويتألم لما تلق أمه من حولها، وصاحبه هذا الشعور إلى أن تزوج فكان الخوف يملأ جوارحه من أن يكون القدر قد خصه بالبنات وكأنه واثق من إنجاب زوجته!!
وكانت "نهى" باكورة زواجه فتقبلها على مضض، وبدأ يلمح لزوجته تارة، ويصرح مرة أخرى أنها المسؤولة عن جنس المولد، وأنه لا علاقة له بجنس المولود مع أن العلم أثبت العكس تماما، وأن الرجل له دور رئيسي في تحديد جنس المولود بقدرة الله.
تتابعت حبات العقد من البنات إلى أن اكتملت سبعة أرقام والأب يكاد يتميز من الغيظ.
وحملت زوجته للمرة الثامنة فضاق ذرعا وأقسم إن أنجبت ثامنة، فطلاقها بالثلاثة قد يكون هدية الولادة، وكأن المسكينة خيرت بين الذكور والإناث فاختارت الإناث عنادا له !!
وأردف قسمه بأنه سيترك لها البنات وينفذ بجلده منها ومنهم.
ولم ينفعه الإقناع بأن الله { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49) )أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (الشورى :49،50) لأن شعوره بالحاجة إلى ذكر يحمل اسمه كان يجعله سميعا أصم وبصيرا أعمى، وله قلب لكنه قد من الصخر.
ومضت الأيام على الأم المسكينة كل يوم كألف سنة مما تعدون لا تعرف ليلها من نهارها، أيامها بكاء وغصة تقف في الحلق وتضرع إلى الله أن يجبر كسرها أمام زوجها ويعوض صبرها خيرا، فهي مؤمنة بحكمة الله وقضائه لكنها تخشى الطلاق من أجل بناتها وكلما رأى زوجها خوفها زاد في قسوته وغلظته وكأنه يتلذذ بألمها ويسعد بشقائها. وجاء اليوم الموعود الذي سيفصل بين الزوج والزوجة أو يزيد الزوجية التحاما.
لم تشعر المسكينة بآلام المخاض فهي حاضرة بجسمها غائبة بوعيها واجمة ساهمة لا يبدو على وجهها أي ألم أو انفعال، وكأن تيار الحياة انقطع عنها، فنفسها وروحها وتفكيرها ومشاعرها منصرفة إلى جنس المولد وما يحمله من جحيم أو نعيم، ولخوفها وقلقها أعلن الجنين تمرده في بطنها وكأنه علم بأنه قد يكون غير مرغوب فيه، ولأول مرة احتاجت لعملية جراحية وخرجت الطفلة الثامنة إلى الحياة.
وما أن استفاقت من المخدر، وعلمت بالمولودة حتى علا بكاؤها وصراخها المؤلم، وصارت تضرب رأسها بيديها وتولول وتصرخ، حتى هرع كل من في الغرفة يستطلعون الخبر، ومنهم من ذهب في طلب الطبيب الذي جاء وحاول تهدئتها بعد جهد جهيد، ولما علم السبب في حالتها العصبية تعاطف معها ووعدها خيرا. كل هذا وزوجها لم يتصل ليطمئن على زوجته وكأنه يعلم النتيجة سلفا. أوعز الطبيب إلى الممرضات أن يخبروا الأب بأن المولود ذكرا وكان مطمئنا إلى أن هذا الكذب لا إثم فيه لأنه إصلاح حياة زوجية مهددة بالانهيار. حضر الأب وكان يطير على الأرض فرحا بعد أن اطمأن بالهاتف على جنس المولود، ودخل إلى زوجته والبشر يعلو وجهه، وقد ارتدى ثوبا من الفرحة لم يلبسه منذ زواجه.
بارك لزوجته وسأل عن المولود فأخبرته أنه في الحاضنة، فطار إلى الطبيب ليرى ولده الذي جاء على فاقة، وبكل هدوء أخذه الطبيب إلى حضانة فيها طفل امتدت يد الأب لتحتضنه بكل لهفة السنين العجاف وبكل الحرمان والشوق.. لكنه تراجع دون أن يدري بأن الطفل مشوها!! صرخ صرخة تجلت فيها خيبة الأمل ومرارة الانتظار الطويل وحارب القدر مرة أخرى وأقسم ألا يأخذ الطفل ولن يخرج به من باب المستشفى لكن الطبيب أصر على أن يأخذه عندما يصبح مؤهلا للخروج وأنه مسؤول عنه أمام الله والناس، وهو إنسان له حقوقه الإنسانية، وقد يكون أفضل من السليم الذي يجلب لأهله العار والدمار عندما يكبر، ولكن هذا لم يقنع الأب المجروح وعندما رأى تصميم الطبيب على تسليمه له بعد مدة أسقط في يده واستند إلى منضدة خوف السقوط. أسرع الطبيب فأخذ بيده وبدأ يهون عليه الأمر، ثم سأله أكنت ترضى بابنة كهذه ومد يده بمولودة بريئة؟؟
قبلها الأب دون أن يدري أنها ابنته وأقسم للطبيب أنه يتمنى لو أنجبت زوجته عشر بنات أخر واعترف أن الله عاقبه على اعتراضه لحكمه وتسخطه على قدره وسالت دموع الأب، ولم يستطع الطبيب الصبر ورحم منظر الأب المسكين ودموعه- ودموع الرجل لا يقدرها إلا رجل مثله- هذه الدموع التي أظهرت ضعفه وعجزه أمام قدرة الخالق وندمه، فما كان من الطبيب إلا أن أخبره أن هذه الطفلة التي بين يديه هي طفلتك وأنه أراد أن يعطيه درسا في الاستسلام لله وحكمته. انهال الرجل لثما وتقبيلا على الطفلة تارة وعلى الطبيب تارة أخرى، واختطف الطفلة والطبيب وراءه ودخل حجرة زوجته والسرور بادٍ على وجهه، وقد احتضن الطفلة وكأنه يحتضن العالم بين يديه وهنأ زوجته على الطفلة واعتذر لها عن إساءته وتلا قوله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: 19].
وانهمرت دموع الزوجة فرخا لقد عادت إلى بيتها وبناتها وعاد لها زوجها، ونظر الطبيب إليهما وحمل الطفلة ومضى وهو يتلو قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].
وتنفس الصعداء لأنه أنقذ بيتا من أبغض الحلال، واستجاب الله تضرع الزوجة فعوض صبرها خيرا محبة ورحمة.
تلتزم بالحجاب بعد الخمسين
يقول راوي قصة هذه التائبة التي التزمت بعد تجاوزها الخمسين عاما، وارتدت الحجاب الكامل مع تغطية الوجه، ولنترك له الحديث: أخت جدتي تجاوزت الخمسين من عمرها، ورغم تقدم سنها كانت لا تهتم بأمور الدين. وكانت تلبس ثيابا غير شرعية وهكذا عهدتها منذ نشأتي حتى أصبحت رجلا. ولعدم وجود من يقوم بعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم.
ظهرت جماعة أنصار السنة المحمدية وعملوا مركزا بالمنطقة ومكانا لتحفيظ القرآن الكريم، وخصصوا للنساء مكانا لتعليمهن أمور الدين الشرعي. تأثرت جدتي بهذه الدروس، حيث كانت ملتزمة لها. والتزمت بالصلاة في وقتها، وتركت مصافحة الرجال الأجانب، ورغم أنها أمية أصبحت تحفظ قصار السور. رأت يوما امرأة متحجبة ومغطية وجهها وجميع جسمها. قالت: هذا هو اللباس الشرعي، والتزمت بالحجاب الشرعي مع تغطية الوجه كاملا. وقد قيل لها أنت امرأة كبيرة ويمكن أن تكشفي وجهك. والله يقول: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} قالت: أكملوا الآية: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 65].
أريد العفاف ولطالما كشفته وأنا صغيرة جاهلة وعصيت ربي، سأطيعه وسأغطي وجهي وأنا كبيرة عالمة بأمور ديني، وعليكن أيتها النساء طلب العلم النافع، فالعبادة من دون علم يوقع الإنسان في المهالك. وأسأل الله أن يتقبل توبتي ويرحمني ويغفر لي ما مضى من عمري. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ".
وهكذا التزمت جدتي، والآن تحفظ جزء "عم " بعد أن كانت لا تحفظ شيئا من القرآن. وأيضا بالتزامها التزمت أصغر بناتها التي كانت معها في المنزل والتزمت بالحجاب الشرعي. وبفضل الله ثم بفضل هذه الجماعة أصبح الرجال والنساء يتعلمون العلوم الشرعية وما يجب أن يكون عليه المسلم، بعيدا عن الصوفية وتعصبها الأعمى