أحبتي في الله
أستمعوا معي
عن مولى ل أبي ريحانة - وكان أبو ريحانة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أنه رجع من غزوة كان فيها ، فلما انصرف أتى أهله فتعشى من عشائهم ، ثم دعا بوضوء فتوضأ منه ، ثم قام إلى مسجده فقرأ سورة ثم أخرى ، فلم يزل ذلك مكانه كلما فرغ من سورة افتتح أخرى ، حتى إذا أذن المؤذن من السحر شد عليه ثيابه ، فأتته امرأته فقالت : " يا أبا ريحانة ، قد غزوت فتعبت في غزوتك ثم قدمت ، ألم يكن لي منك حظ ونصيب ؟ " ، فقال : " بلى ، والله ما خطرت لي على بال ، ولو ذكرتك لكان لك علي حق " ، قالت : " فما الذي شغلك يا أبا ريحانة ؟ " ، قال : " لم يزل يهوى قلبي في ما وصف الله في جنته من لباسها وأزواجها ولذاتها ، حتى سمعت المؤذن " .
عن إسحاق بن إبراهيم الطبري قال : " مارأيت أحدا أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل ، كانت قراءته حزينة بطيئة مترسّلة ، كأنه يخاطب إنسانا ، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها ويسأل الله من نعيمها ، وكانت صلاته بالليل طويلة ، يُلقى له الحصير في مسجده فيصلي في أول الليل ساعة ، ثم تغلبه عينيه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلا ، ثم يقوم ، فإذا غلبه النوم نام ، ثم يقوم هكذا حتى يصبح ، وكان دأبه إذا نعس أن ينام ، ويقول : أشد العبادة ما كان هكذا ".
وعن رجاء بن مسلم العبدي قال : " كنا نكون عند عجردة العمية في الدار . فكانت تحيي الليل صلاة . وربما تقوم من أول الليل إلى السحر ، فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون : إليك قطع العابدون دجى الليالي بتبكير الدلج إلى ظلم الأسحار ، يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك ، فبك إلهي لا بغيرك أسألك أن تجعلني في أول زمرة السابقين إليك ، وأن ترفعني إليك في درجة المقربين ، وأن تلحقني بعبادك الصالحين ، فأنت أكرم الكرماء ، وأرحم الرحماء ، وأعظم العظماء ، يا كريم . ثم تخر ساجدة فلا تزال تبكي وتدعو في سجودها حتى يطلع الفجر ، فكان ذلك دأبها ثلاثين سنة " .
وقال موسى بن طريف : " كانت الجارية تفرش ل علي بن بكّار ، فيلمسه بيده ويقول : والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا علوتك الليلة . وكان يصلي الفجر بوضوء العتمة " .
وقال ابن سعد واصفا سليمان التيمي : " هو من العباد المجتهدين ، كثير الحديث ، ثقة يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة ، وكان هو وابنه يدوران بالليل في المساجد ، فيصليان في هذا المسجد مرة وفي هذا المسجد مرة حتى يصبحا " .
وعن حسين الكرابيسي قال : " بتّ مع الشافعي ليلة ، فكان يصلي نحو ثلث الليل ، فما رأيته يزيد على خمسين آية ، فإذا أكثر فمائة آية ، وكان لا يمر بآية رحمة الا سأل الله ، ولا بآية عذاب إلا تعوذ ، وكأنما جُمع له الرجاء والرهبة جميعا " .
وقالت أم سعيد : " كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير ، فكنت أسمع حنينه عامة الليل لا يهدأ ، وربما ترنّم في السحر بالقرآن ، فأرى أن جميع النعيم قد جُمع له في ترنّمه " .
وعن سعيد بن عامر قال : " كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة " .
وقال ابن شبرمة : " كان زبيد يجزىء الليل ثلاثة أجزاء : جزءا عليه وجزءا على ابنه وجزءا على ابنه الآخر عبد الرحمن ، فكان هو يصلي ثم يقول لأحدهما : قم . فإن تكاسل صلّى جزءه ، ثم يقول للآخر : قم . فإن تكاسل أيضا صلى جزءه ، فيصلي الليل كله "
هذا والله تعالى أعلى وأعلم