السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإعجاز العددي (تحديات لابد من حلها قبل العمل به)
و حوار عاقل
محمود عبدالله نجا
ظهر حديثا علم جديد يتناول الظواهر العددية في القرآن الكريم تحت مسمي الإعجاز العددي. و الوسطية في الحكم علي هذا العلم تقتضى منى ألا أثبته أو أنفيه إلا بالدليل. فلا مانع أبدا من وجود توازن رياضي بين بعض ما ورد في القرآن سواء على مستوى رقم السورة أو الآية أو الكلمة أو الحرف أو حتى عدد سور القرآن أو ما شاء للباحثين في هذا المجال أن يقولوا. و الذي أدين به لله أنه لا مانع أبدا من أن يكون هناك إعجاز عددي في القرآن، ربما لا يظهر جليا لأهل زماننا و لكنه ربما كان من الأمور التي يظهرها رب العزة في المستقبل، فليست كل عجائب القرآن و أسراره لنا و حدنا، فلكل زمن معجزاته التي تثبت أن القرآن لا تنقضي عجائبه.
والسؤال المهم لهذا العلم الوليد هو هل يمكن تفسير شيء في كتاب الله بهذا الإعجاز العددي؟؟؟؟؟؟
حني الآن أجد الإجابة من وجهة نظري هي لا , فكل ما يقوله الباحث في الإعجاز العددي (وللعجب و سبحان الله وجدت اتزان فكيف لا يكون القرآن من عند الله), ثم لا نجده فسر شيئا بهذا الإعجاز العددي. فمنذ فترة و أنا اقرأ في أبحاث الإعجاز العددي بل و عملت به لبعض الوقت على أمل أن أجده يفسر شيء في القرآن فما وجدت ذلك على الإطلاق, وهذا تحدى منى قائم لكل العاملين و المشجعين للإعجاز العددي أن يفسروا لنا شيئا في القرآن بهذه التوازنات و المتماثلات العددية التي أتعبوا أنفسهم بالبحث عنها بدلا من تدبر القرآن و العمل به, و أقدم لذلك أمثلة:
1. العدد سبعة و كل ما دار حوله, ما الذي فسره هذا التكرار السباعي و ما الذي قدمه للأمة في جانب العقيدة أو العبادة, أو هداية غير المسلمين إلي الإسلام
2. عندما يقول أهل الإعجاز العددي أن هناك توازن عددي في ذكر عيسى 25 مرة و آدم 25 مرة في القرآن , و هذا إعجاز لأن ربنا قال (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم), أو أن عدد مرات ذكر الدنيا و الآخرة أو الجنة و النار أو الملائكة و الشياطين, أو اليابسة و البحر, ورد فيها تماثل عددي.
فما الذي فهمناه من هذه المتماثلات العددية, و هل هذه المعجزة العددية فسرت وجه المثلية بين آدم و عيسي مثلا, أعتقد لا.
للأسف لقد شُغف كثير من الناس بأنواع الإعجاز العددي فنشروا في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت قوائم بألفاظ تكررت مرات تتناسب مع لفظها ، أو تساوى عددها مع ما بضادها ، كما زعموا في تكرار لفظة " يوم " ( 365 ) مرة ، ولفظ " شهر " ( 12 ) مرة ، وهكذا فعلوا في ألفاظ أخرى نحو " الملائكة والشياطين " و " الدنيا والآخرة " إلخ .
وقد ظنَّ كثيرٌ من الناس صحة هذه التكرارات وظنوا أن هذا من إعجاز القرآن ، ولم يفرقوا بين " اللطيفة " و " الإعجاز " ، فتأليف كتابٍ يحتوي على عدد معيَّن من ألفاظٍ معيَّنة أمرٌ يستطيعه كل أحدٍ ، فأين الإعجاز في هذا ؟ والإعجاز الذي في كتاب الله تعالى ليس هو مثل هذه اللطائف ، بل هو أمر أعمق وأجل من هذا بكثير ، وهو الذي أعجز فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سورٍ مثله أو بسورة واحدة ، وليس مثل هذه اللطائف التي يمكن لأي كاتب أن يفعلها – بل وأكثر منها – في كتاب يؤلفه ، فلينتبه لهذا .
بل إن بعض هذه التوازنات تكون غالبا مغلوطة لأخطاء في أسلوب عد الكلمات أو فهم الموضوع الخاص بالتماثل العددي, و لأضرب لذلك مثال في بحث منشور علي موقع آيات معجزات بعنوان (حقيقة الإعجاز العددي في نسبتيَ البر والبحر), بين فيه الباحث عدد كبير من الأخطاء التي تطعن في صحة هذا الإعجاز العددي المشهور, و لمن أراد مراجعة البحث فهو علي الرابط الآتي:
http://e3jaz.way2allah.com/modules.p...rticle&sid=133
وليُعلم أنه قد جرَّ هذا الفعل بعض أولئك إلى ما هو أكثر من مجرد الإحصائيات ، فراح بعضهم يحدد بتلك الأرقام " زوال دولة إسرائيل " وتعدى آخر إلى " تحديد يوم القيامة " ، ومن آخر ما افتروه على كتاب الله تعالى ما نشروه من أن القرآن فيه إشارة إلى " تفجيرات أبراج نيويورك " ! من خلال رقم آية التوبة وسورتها وجزئها ، وكل ذلك من العبث في كتاب الله تعالى ، والذي كان سببه الجهل بحقيقة إعجاز كتاب الله تعالى .
و إذا كان فعلا الذين يتكلمون في الإعجاز العددي يريدون خدمة الإسلام فارجوهم ألا يتعجلوا في نشر أبحاثهم حتى يكتمل علمهم و ينضج إلى الدرجة التي يستطيعوا بتا أن يقيموا الحجة على كل معارض، و لكي تقوم الحجة بالإعجاز العددي لابد من حل الإشكالات الآتية:
1. هل البسملة آية معدودة من القرآن أم لا؟ و الخلاف على ذلك معلوم و كبير، فعدد الآيات و الكلمات و الأحرف سوف يختلف بحسب من يعد البسملة آية و من لا يعدها آية.
2. لا يوجد حتى الآن من يستطيع أن يخبرنا بترتيب حروف اللغة العربية بدليل مرفوع إلى النبي أو موقوف على الصحابة و بالتالي لا يمكن إعطاء كل حرف رقم معين بدليل نعلمه عن النبي أو الصحابة و بالتالي فحساب الجمل الموجود الآن لا يستند إلى دليل ليعطى كل حرف رقم معين فإذا كان أساس العلم غير موثق فكيف نوثق النتائج.
3. هل نستخدم في الإعجاز العددي الرسم العثماني أم الخط العربي المتداول؟ ففي الرسم العثماني مثلا تكتب كلمة الخالق أحيانا بحذف الألف، فحروفها خمسة بالرسم العثماني و ستة بالخط العربي المتداول (الخالق)، فأي الحسابين أولى و ما الدليل على ذلك. أيضا كلمة آدم تكتب في الرسم العثماني أربعة أحرف (ءادم) بينما في الخط العربي ثلاثة (آدم), فأيها له الأولوية في حسابات الإعجاز العددي. و للأسف فقد وجدت بحث إعجاز عددي لباحث مشهور اعتمد فيه علي كلمة (آدم) بدلا من (ءادم) ليثبت أن عدد حروف (مثل عيسي) و هو 7 مماثل ل (كمثل آدم) و هو 7, فاستخدم الخط العربي و ترك العثماني دون أن يبين حجته في ذلك. و نفس الشيء إذا أردنا التعامل مع حروف كلمة ألفطره فهل نحسبها على الخط العربي (فطرة) بالتاء المربوطة أم على الرسم العثماني (فطرت) بالتاء المفتوحة، فأي الحسابين أولى و ما الدليل على ذلك أم أن المسألة متروكة لما يستحسنه العقل و يراه المشتغل بالإعجاز العددي يوافق هواه.
4. و ما قيل عن الرسم العثماني يقال مثله عن القراءات السبع المشهورة للقرآن، فهل ينطبق عليها إعجاز عددي واحد أم أن لكل قراءة الإعجاز العددي الخاص بها؟
5. لا توجد قاعدة رياضية ثابتة تنطبق على كل آيات القرآن بل قواعد عديدة تختلف من بحث إلى آخر باختلاف موضوع البحث، فتارة يستخدم الجمع و أخرى الضرب و ثالثة القسمة، و تارة تستخدم أرقام السور و تارة أرقام الآيات و تارة أخرى عدد الكلمات بل و ربما الحروف، فما هي القاعدة التي تجعلني أميل إلى أحد هذه الأنواع الرياضية المذكورة.
6. حتى الآن لا يمكن تعميم نتيجة بحث معين في الإعجاز العددي على الآيات المتشابهة في القرآن و مثال ذلك الإعجاز العددي في قول الله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا) 25 الكهف، فقالوا أن عدد الكلمات من أول السورة حتى (تسعا) هو309، و عليه فبنفس القاعدة المفروض أن يكون عدد الكلمات من أول السورة في قول الله {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}الصافات147، يشير إلى العدد المذكور في الآية و طبعا هذا ينسحب على كل الأرقام المذكورة في القرآن.
7. غرض الإعجاز العددي هو إثبات أن القرآن في كل ترتيبه توقيفي من عند الله و أنه ما دخل عليه التحريف أبدا، فإذا افترضنا جدلا أن شخص ما بدل حرف مكان حرف في القرآن أو غير من تشكيل الحرف فهل يمكن للإعجاز العددي أن يأتي حتى ألان بقاعدة ثابتة تكشف هذا التحريف؟ بالطبع حتى الآن لا، و يبقى اكتشاف التحريف قائم على المقارنة بما هو متواتر و محفوظ في الصدور نقلا عن العدول من سلف الأمة عن النبي صلى الله عليه و سلم عن جبريل عن رب العزة.
أسأل الله السداد و التوفيق لكل من أراد حل هذه الاشكالات حول ملف الاعجاز العددي.
محمود عبدالله نجا