حاسة الشم لدى الطيور
هارون يحي
كان الاعتقاد السائد في أوساط العلماء وحتى إلى ما قبل الثلاثين سنة الأخيرة بأن الطيور عاجزة تماما عن الإحساس بالروائح، ولكن تبين فيما بعد خطأ هذا الإعتقاد.
فقد أثبتت الأبحاث التي اعتمدت المشاهدة والملاحظة أن الطيور تمتلك بصيلة شمية صغيرة، وبالرغم من ذلك تستطيع الإحساس بالروائح، فالطيور تستخدم حاسة الشم لأغراض متعددة منها البحث عن الغذاء والبحث عن المواد اللازمة لبناء الأعشاش، وكذلك لتحديد معالم المساحات الشاسعة التي تحلق فوقها79.
وفي السطور القادمة سيجد القارئ نتائج تلك الأبحاث التي أجريت على حاسة الشم لدى الطيور.
فقد أثبتت الأبحاث أن بعض أنواع النسور يستطيع الاهتداء إلى أماكن الجثث من خلال الروائح التي تطلقها تلك الجثث، ولوحظ أن النسور تحلق بشكل دائري فوق المناطق التي يحدث فيها تسرب للغاز الطبيعي من الخطوط أومن الشبكات الناقلة. وليس من الصعب تحديد سبب هذا التحليق الدائري،
فالغاز الطبيعي يحتوي على أحد الغازات الذي تشبه رائحته الرائحة التي تنبعث من الأجساد الميتة، وتستطيع النسور أن تحدد وجود مثل هذه الرائحة.
وأغلب أنواع الحمام يوجد في مخاخها مركز شمي، ولكن حجم هذا المركز الشمي يختلف باختلاف أنواع الحمام. وقد أثبتت التجارب المختبرية أن كل نوع من أنواع الطيور يبدي رد فعل معين تجاه الروائح. والحمام الذي يُترك طليقا في الجو يعود إلى القفص الذي انطلق منه بمساعدة حاسة البصر وحاسة الشمّ معا. وأثبتت التجارب أيضا أنّ الحمام لم يستطع الاهتداء إلى عشه في حالة سد مناخره الأنفية.
الصورة إلى الأعلى : نسر يحاول تحديد مكان الجثة التي يتغذى عليها من خلال الرائحة التي تنتشر منها. الصورة إلى الجانب: حمام يستخدم حاسة الشم في الاهتداء إلى عشه والعودة إليه من مسافات بعيدة.
ويعتقد العلماء أن الحمام يستخدم حاسة البصر بصورة رئيسية في الاهتداء إلى عشه خصوصا إذا لم يكن قد ابتعد كثيرا، أما في المسافات البعيدة فإنه يستخدم حاسة شمه للروائح التي تحملها الرياح للاهتداء إلى مكان العش. (ويضاف إلى ذلك قدرة الحمام على الاهتداء إلى الطريق الصحيح باستخدام تحسس المجال المغناطيسي لكوكب الأرض). والمعروف أنّ الزرزور الأوروبي يبني عشه باستخدام مواد أولية نباتية تمنع انتشار الجراثيم والطفيليات داخل العش إلى درجة كبيرة. وتستطيع اختيار تلك النباتات باستخدام حاسة الشم، أما البيئة الحية في القطب الجنوبي فتتميز بقسوة الظروف التي تجبر التجمعات الحية على تغيير أماكنها باستمرار. وتعتبر هذه التجمعات الحية مادة غذائية مناسبة لطيور القطب الجنوبي إلا أن صعوبة عثور الطيور على فريستها ترجع إلى التغيير المستمر في أماكن تلك التجمعات، ولهذا السبب فإن استخدام الطير لحاسة بصره في تحديد مكان الغذاء لا يكون كافيا وهذا الأمر يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. ولكن طيور القطب الجنوبي تمتلك حاسة شم ذات خصائص متميزة تستطيع بواسطتها تعقب الفريسة حتى الإمساك بها. وبواسطة هذه الحاسة تستطيع طيور القطب الجنوبي أن تستمر في الحياة تحت قسوة الظروف البيئية في تلك الأماكن80.
طائر الزرزور
يعتقد العلماء والباحثون أن الطريق مازال طويلا لاكتشاف المزيد عن حاسة الشم لدى الطيور، وينبغي تكثيف الأبحاث والتجارب في هذا المجال. ولا شك أن هذه الأبحاث والتجارب ستسلط الضوء عن كثب على الخوارق الموجودة في حاسة شمّ الطيور.
( أَلَم يَرَوا إِلَى الطّيرِ مُسَخّرَاتٍ فِي جَوِّ السّمَاءِ مَا يُمسِكُهُنَّ إِلاَّ الله إِنّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ ) سورة النحل-الآية 79.