أَمُرُ في صباح كل يوم بشارعنا الواسع .. تستقبلني الأشجار من كل جانب فأستنشق العبير الصباحي الذي يصعد بروحي لأعلي درجات التوافق النفسي.. لاحظت مع الوقت أن ثمَََّة لغة بين بعض الأشجار ... فهي تحاول الاقتراب من خلال الفروع برغم تباعد الجذور.. ظلت إحدى الشجرات اليمينية تتقارب بأختها اليسارية حتى التحمتا مكونتان قوسين متعانقين من أعلي وكأن يداً ماهرة قد أضْفت عليهما طابع التواصل.. أري الجمال الرباني الذي يتجلي في هذا التشابك المبهج للروح والعين .. واسمع حديث الود بين الشجرتين.
دمعت عيني عندما استيقظت ذات صباح لتجد فروع الأشجار ملقاة علي الأرض تئن أنيناً صامتاً.. .. لقد قطعتها يد تمنيتُ أن أقطعها .. يد فقدت الإحساس بالجمال ولم تشعر بتجليات الله في مخلوقاته.. !!
توقفتُ برهة أمام الشجرة اليمينية .. لمستها بيدي أواسيها .. شعرت بارتجافها .. وددت أن أحتضنها حتى أخفف عنها.. لكنى خفت أن أُوصم بالجنون .. فخطوتُ خطواتٍ جنائزية إلي الشجرة اليسارية.. فهي مكلومة أيضا ولها حق الاحتواء.. فمصابها ليس أقل من أختها.. التقطت بعضا من الفروع القتيلة والأوراق المغتالة حتى أُودَّع الجمال وأشكرهما علي ما قدماه لي من بهجة قبل اغتيالهما علي يد قاتل الجمال والحب..
أكملتُ مشواري وقلبي حزين .. وعقلي يسأل ألف سؤال... ولا إجابة.
قلم : نبيلة غنيم