بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه،
وقفة محاسبة:
والأصل فيها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]. وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]. وقوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49]. وقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6]
فبهذه الآيات وأشباهها استدل أرباب البصائر على أنّ الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنّهم سيناقشون الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، فتحققوا أنّه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلاّ لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، ومطالبة النفس في أنفاسها وحركاتها ومحاسبتها من خطراتها ولحظاتها.
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن ترك لنفسه هواها، وسعى لها في تحقيق مناها وتركها من غير مؤاخذة ولا محاسبة، دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته. فمن أراد أن يخف حسابه غدا بين يدي ربه فليحاسب نفسه الآن.
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» [رواه الترمذي وحسنه].
3- توبة واستغفار:
اعلموا أيّها الأحبة أنّ من ثوابت هذا الدين أنّ الأعمال بالخواتيم كما ثبت في أحاديث المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم: «وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
ومن أصول الشرع استحباب الاستغفار وكثرة ذكر العزيز الغفار في أعقاب الطاعات والقربات. قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198]، {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 200]. {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء: 103]. {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة: 185]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عقب الصلاة: « أستغفر الله ثلاثاً اللهم أنت السلام...».
إذا ثبت هذا فعلى المسلم في ختام سنته أن يتوب إليه سبحانه عما بدر منه فيما سبق، وأن يكثر من ذكره فيما بقى، فإنّ من تاب وأصلح فيما بقى غفر الله له بمنه وفضله ما مضى وما بقى، ومن أساء فيما بقى أخذه الله بما مضى وما بقى.
منقول