بسم الله الرحمن الرحيم
ستون سؤال في الحج والعمرة
للشيخ محمد محمد المختار الشنقيطي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد :
فضيلة الشيخ هذه جملة من الأسئلة في مناسك الحج وردت من الاخوة وجاء ترتيبها على حسب المناسك نأمل منكم الإجابة عليها سائلين المولى أن يكتب لكم بها الأجر وأن يجعلها نافعة للمسلمين إنه سميع مجيب .
السؤال الأول :
هل يجب الحج على المديون ؟
الجواب :
بسم الله ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فقد فرض الله الحج إلى بيته الحرام على من استطاع إلى البيت سبيلاً ولازم ذلك وجود الزاد ، ومن كان مديوناً فإنه لا يقدر لأنه محاط بالدين فإذا كان الدين يستغرق ماله فإنه لا يملك الزاد ، وعلى هذا فلا يجب الحج على مديون استغرق الدين ماله أو كان عليه دين لا يستطيع وفاءه ، واستثنى بعض العلماء أقساط الدين فقالوا : إذا كان الدين مقسطاً على أنجم وأدى آخر نجم وهو نجم ذي القعدة فلا حرج عليه أن يحج ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني :
متى يجب الحج على المرأة ؟
الجواب :
يجب الحج على المرأة إذا كانت قادرة على الحج بملك النفقة وكذلك إذا وجدت محرماً يحج معها ؛ لأن النبي-r- قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم )) وفي الحديث الصحيح أن رجلاً قال : - يا رسول الله - إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجة وليس معها محرم ؟ قال له النبي- صلى الله عليه وسلم- : (( انطلق وحج مع امرأتك )) فدل هذا على أن المرأة لا يجب عليها الحج إلا إذا كان معها ذو محرم يستطيع أن يحفظها في سفرها ويقوم عليها في شأنها ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث :
لو كان الرجل أو المرأة عاجزين عن الحج بأنفسهما للمرض ونحوه ولكنهما يستطيعان التوكيل بالمال فهل يجب عليهما أن يوكلا ؟
الجواب :
من كان عاجزاً عن الحج وعنده مال يستطيع أن يحجج به الغير فلا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : إما أن يكون عجزه مؤقتاً .
والحالة الثانية : وإما أن يكون عجزه مستديماً .
العجز المؤقت كالمرض الذي يتأقت بالشهور ويرجى زواله أو بالسنوات ويرجى زواله فهذا ينتظر إلى أن يكتب الله له الشفاء والعافية ، يسقط عنه الحج حال العجز ويجب عليه بعد القدرة ثم يحج بعد شفائه وقوته وقدرته فلو حجج الغير في حال عجزه ثم بعد ذلك قدر فإن حج الغير لا يجزيه لأنه لا يصح منه التوكيل على هذا الوجه .
والحالة الثانية : أما إذا كان عجزه مستديماً كإنسان عاجز لكبر أو معه مرض لا يمكن معه أن يقوم بالحج ولا أن يؤدي أركانه فإنه في هذه الحالة يُنتَقَل إلى القدرة بالمال فإذا قدر على أن يستأجر من يحج عنه وجب عليه أن يحجج عن نفسه سواء كان رجلاً أو كانت امرأة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع :
إذا توفي الإنسان ولم يحج مع أنه كان قادراً على الحج في حياته فما الحكم وإذا قلنا بوجوب الحج عنه فهل يحرم من يحج عنه من ميقاته أو من ميقات الميت ؟
الجواب :
-نسأل الله السلامة والعافية- من كان قادراً على الحج ولم يحج فإنه آثم ، كره الله انبعاثه فثبطه وقيل اقعدوا مع القاعدين ، كره الله أن يراه في هذه الجموع المؤمنة ولو كان عبداً صالحاً موفقاً لما تقاعس عن واجب الله-جل وعلا- وفريضته ، فإن الله يبتلي الإنسان بماله ويبتليه بأهله وأولاده فيكره الخروج في طاعة الله وما فرض الله عليه فيجعل الله ماله شؤماً عليه ويجعل ذريته وأولاده بلاءً عليه ، وهذه هي فتنة الأموال والأولاد فمن فعل ذلك فقد أثم واعتدى حد الله-U- بترك هذه الفريضة ، فيجب على من استطاع الحج إلى بيت الله الحرام ولم يكن معذوراً أن يبادر بالحج وأن يقوم بفريضة الله-جل وعلا- عليه .
أما بالنسبة لو مات ولم يحج فإنه آثم ثم يجب على ورثته أن يقوموا بالحج عنه يحججوا أو يخُرجوا من تركته ما يحج به عنه فإن وُجِد متبرع بدون مال فلا إشكال ، وإن لم يوجد متبرع فإنهم يستأجرون من يقوم بهذا الحج على وجهه ويعتبر هذا من الديون التي تقضى قبل قسمة التركة فيؤخذ من ماله على قدر الحج عنه قبل أن تقسم التركة ؛ لأن الله قال في قسمة المواريث : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فلما قال : { أَوْ دَيْنٍ } أطلق وقد سمى النبي- صلى الله عليه وسلم- حق الله ديناً فقال للمرأة : (( أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته )) قالت نعم قال : (( فدين الله أحق أن يقضى )) فمن مات وهوقادر على الحج ولم يحج فإنه يحج عنه من ماله ويخرج من ماله على قدر نفقة الحاج عنه .
ثم السؤال لو أن الميت كان في المدينة ومن أراد أن يحج عنه بجدة فهل يكون إحرام الذي يريد أن يحج وهو الوكيل من ميقاته وهي جدة أو من ميقات من يقوم مقامه وهو الميت - أعني المدينة - ؟
هذا فيه تفصيل :
إن كان الميت قد قصر في الحج فقد وجب عليه الحج من ميقاته وعلى الوكيل أن يحرم من ميقات الميت ، وبناءً على ذلك فلا بد وأن يحج عنه من ميقاته .
أما في حجج النوافل والتي لا وجوب فيها فإنه يحج الوكيل من أي مكان ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس :
الاستئجار للحج عن الميت هل هو مشروع وما هي أنواعه وما هو الجائز منها وما الذي ينبغي توفره في الشخص الأجير وكيف تكون نيته ؟
الجواب :
أما بالنسبة للاستئجار للحج فالإجماع قائم كما حكاه الإمام ابن قدامة وابن رشد وابن المنذر-رحمة الله عليهم جميعاً- حكوا الإجماع على أن الاستئجار للمنافع المباحة شرعاً أنه مباح ، وبناءً على ذلك فإن الحج عن الغير منفعة مباحة شرعاً وليست من فرائض الأعيان التي لا يصح التوكيل فيها ، فلما دخلت النيابة جاز أن يحج عنه بالإجارة ، وهو قول جماهير العلماء-رحمة الله عليهم-.
أما أنواع الإجارة عن الميت فعلى حالتين :
الحالة الأولى : يسمونها إجارة البلاغ ، وإجارة البلاغ أن تستأجر شخصاً وتقول له أقوم بنفقتك حتى تبلغ الحج فتقوم بنفقة الركوب وبنفقة النـزول وبنفقة الطعام والشراب ونحو ذلك من اللباس والهدي الذي يجب إن كان متمتعاً أو قارناً ولا تنفق عليه شيئاً زائداً على حاجته المحتاج إليها في حجه هذا النوع يسمونه ( إجارة البلاغ ) والإجماع قائم على مشروعيته عند من يقول بجواز الإجارة .
أما الحالة الثانية : فهي إجارة المقاطعة وهي التي يسمونها على سنن الإجارة يكون فيها السوم يقول له حج عن ميتي بألف يقول لا بل بألفين لا بل بثلاثة ثم يتداولان حتى يثبتان على سعر معين إن كان قد حج عنه قال أريد ألفين أو ثلاثة ، فإن زادت الألفان أخذ الزائد وإن نقصت وجب عليه أن يكمل الناقص ولا يجب على صاحب الميت أن يدفع له الناقص هذا النوع يسمونه ( الإجارة على سنن الإجارة ) وهي إجارة مقاطعة وفي النفس منها شيء وإن كان الأقوى والأشبه أنه تجوز إجارة البلاغ دون إجارة المقاطعة ، يشترط في هذا الأجير طبعاً أن يكون قد حج عن نفسه ولا يجوز أن يحج عن الغير إذا لم يحج عن نفسه لحديث ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه- سمع رجلاً وهو يطوف بالبيت يقول : لبيك عن شبرمة ؟ قال : (( ومن شبرمة )) قال أخي أو ابن عمٍ لي مات ولم يحج قال : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السادس :
إذا حجت المرأة بدون محرم فما الحكم وهل يصح حجها أو لا يصح وما الدليل على ذلك ؟
الجواب :
إذا حجت المرأة بدون محرم فللعلماء قولان :
القول الأول : جمهور العلماء أنها آثمة وحجها صحيح .
والقول الثاني : ذهب طائفة من السلف إلى أنها آثمة وحجها فاسد لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه .
والصحيح أن حجها صحيح ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : (( من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه )) فجعل الأركان والشرائط معتبرة للحكم بصحة العبادة دون نظر إلى الإخلال ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السابع :
إذا مات المحرم بالحج أو العمرة أثناء الحج والعمرة وكانت فريضة عليه فهل يلزمنا أن نقضي الحج والعمرة عنه وما الدليل ؟
الجواب :
للعلماء قولان في هذه المسألة منهم من يرى أنه لومات الحاج أو المعتمر أثناء حجه وعمرته لا يلزمنا إتمام ما شرع فيه ولا يقضى عنه ذلك الحج ولا تلك العمرة ، وهذا هو المذهب الصحيح على ظاهر حديث عبد الله بن عباس أن النبي- صلى الله عليهوسلم- وقف في حجة الوداع ووقف معه الصحابة فوقف رجل فوقصته دابته فمات فقال- صلى الله عليه وسلم- : (( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا تغطوا رأسه ولا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )) لم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم- اقضوا حجه أو أتموا حجه وهذا يدل على أن الواجب هو ما ذكر وأن ما زاد على ذلك فليس بواجب ولأنه قد قام بفرضه فأدى ما أوجب الله عليه وانتهت حياته عند هذا القدر ، وعلى ذلك لا يجب أن يتم عنه ولا أن يحج عنه وإن حج عنه احتياطاً فلا حرج ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثامن :
هل من حق الزوج أن يمنع زوجته من حج الفرض وعمرة الفرض إذا أرادت القيام بهما مع محرمها وإذا لم يكن من حقه ذلك فهل إذا منعها وخرجت مع محرمها تعتبر عاصية آثمة ؟
الجواب :
ليس من حق الزوج أن يمنع زوجته من حج الفريضة فهذا حق الله-I- الذي هو فوق الحقوق كلها ، ولذلك يعتبر آثماً شرعاً ؛ لأنه أمر بالمنكر ونهى عن المعروف فليس من حقه أن يمنع الزوجة وليس له عليها سلطان في هذا ؛ ولكن استثنى العلماء-رحمة الله عليهم- أن تكون تلك الحجة فيها مفسدة أو فتنة عظيمة لا يستطيع أن يحج معها ولا يوجد محرم يستطيع أن يحفظها من الفساد فهذه حالة مستثناه أما ما عدا ذلك فإنه لا يجوز له أن يمنعها وحينئذ إذا حجت مع محرمها فإنها مأجورة غير مأزورة وليس من حقه أن يمنعها من حق الله-سبحانه- ، وفي الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال : (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع :
إذا أراد الإنسان أن يحج أو يعتمر عن ميت أو عاجز عن الحج فهل يشترط أن يكون مثله ذكورة وأنوثة أو لا ؟
الجواب :
لا يشترط في الوكيل أن يكون مشابها لموكله جنساً فيحج الذكر عن الذكر أو الأنثى عن الأنثى فالكل يجزيء ويعتبر فيجوز حج الرجال عن النساء وحج النساء عن الرجال ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أفتى الخثعمية بذلك وحينئذ لا حرج في حج ذكر عن أنثى والعكس والإجماع قائم على ذلك ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال العاشر :
إذا توفي الوالدان ولم يحجا ولم يعتمرا وأردت أن أحج عنهما وأعتمر فهل أبدأ بالوالد أو الوالدة وما الدليل ؟
الجواب :
تبدأ بالوالدة ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- عظم حقها فقال لما سأله الصحابي : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أبوك )) قال العلماء : في هذا دليل على أن حق الأم آكد من حق الأب ، حتى إن بعض العلماء قال : إذا تعارض بر الوالد والوالدة يقدم بر الوالدة على الوالد ؛ وذلك لأن النص دل على أنها أحق بحسن الصحبة وهي أولى ، وحينئذ تبدأ بأمك ثم بعد ذلك تثني بأبيك ، والله - تعالى - أعلم