حصلوا على معدلات تعدت 90 بالمائة
ثلاثة مكفوفين: تفوقنا بإصرارنا ونطالب بإنصاف المجتمع
الطالب الكفيف ثامر جرادات من جنين
جنين- صفا تتعدد أوجه النجاح والإبداع في الثانوية العامة والتي تجسد بمجملها حالة إبداعية لشعب تحت الاحتلال يصر على النجاح والتفوق في كل المجالات ليثبت أنه يستحق حياة ومستقبلاً أفضل.
وكان لافتاً في نتائج الثانوية العامة في جنين شمال الضفة الغربية لهذا العام تميز ثلاثة مكفوفين، بالرغم مما تعنيه الإعاقة من صعوبات جمة في شتى مجالات الحياة، فكيف إذا كان المعاق كفيفاً.
إنهم ثلاثة شبان مكفوفين برزوا ونالوا تقدير الجميع بعد أن حصلوا على معدلات تعدت التسعين بالمائة ليؤكدوا أن الإعاقة لا تلغي الطاقة.
آلاء صباح (95.5 %)، وثامر جرادات (92.2%)، وياسمين دراغمة (93.6%) ثلاثة مكفوفين أكدوا للقاصي والداني حقهم في بناء مستقبل مشرق بعيدًا عن الاتكالية والشفقة، بالرغم من عدم رضاهم عن هذه المعدلات وقناعتهم بأن مستواهم الفعلي أعلى من ذلك بكثير لو أخذوا فرصاً متكافئة مع المبصرين.
صبر يستحق التقدير
تقول أم أحمد وهي والدة آلاء لوكالة "صفا": "نظرًا لوضع ابنتي الخاص فقد كنت معها لحظة بلحظة، وكل أملي أن أوصلها لمرحلة تعتمد فيه على نفسها وتنهي دراستها الجامعية؛ فقد كنت أتابعها وأسهر معها خلال الليل وكأنني طالبة ثانوية عامة".
وأضافت "وفرت لها المدرسة كتب بلغة بريل وماكينة بريل وكانت تواصل الليل بالنهار للحصول على معدل مرتفع، ولكن رغم تفوقها فقد تأثرت بواقعة حدثت خلال تأديتها للامتحانات أضاع عليها كمًا من العلامات".
وتقول آلاء حول ذلك: "كانت الوزارة توفر لي في كل جلسة امتحان مدرسًا لكتابة الإجابات، وفي الحقيقة لم يقصروا في ذلك وكانت مديرة القاعة متعاونة معي للغاية؛ ولكن المشكلة حدثت في جلسة امتحان اللغة العربية".
وتضيف أنه "تم تكليف مدرسة أول ابتدائي بالمتابعة معي، وليس لها دراية بالعروض والنحو، ولم تكن قادرة على التعامل معي، فطلبت استبدالها لأن ذلك كان خللاً في التنسيق، فضاع من وقت الامتحان ساعة ونصف حتى استبدلت بأخرى ولم يمدد لي وقت إضافي".
وأشارت إلى أنها خسرت 20 علامة في مادة اللغة العربية بسبب ذلك الخلل، ولكنها في نهاية المطاف حصلت على هذا المعدل المشرف.
وحول طموحها في الدراسة الجامعية تقول آلاء: "أرغب في دراسة الأدب الإنجليزي، ولدي شغف كبير بذلك، ولكن المشكلة أن الوضع الاقتصادي للعائلة صعب للغاية، فعدا عن التكاليف الباهظة التي تكفل بها أهلي بسبب وضعي الخاص حتى أوصلوني لهذه المرحلة، فإن المشكلة أن العبء القادم أكبر بكثير".
وناشدت الوالدة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء في رام الله سلام فياض بتبني تكاليف دراسة ابنتها وتقول: "أن تصل طالبة في وضع آلاء لهذا المستوى في هذه الظروف القاهرة فهذا إنجاز كبير، فقد كانت في منافسة كبيرة ونجحت في التحدي وهي تحتاج إلى من يساعدها لإكمال المسيرة".
وتشير إلى أن زوجها عاطل عن العمل وهي الخامسة بين إخوتها الستة مما يجعل العبء ثقيل، لذلك يجب أن يتم إيجاد معايير خاصة للتعامل مع ذوي الإعاقة من حيث إقرار حقهم في التعليم.
وتؤكد أنها تحاول منذ سنوات الحصول على آلة "بريل" لابنتها ولكن أيًا من المؤسسات الأهلية أو الحكومية لم توفرها لها.
إرادة تفل الحديد
ولا تختلف كثيرًا حكاية الكفيف ثامر جرادات من قرية زبوبا غرب جنين عن حكاية آلاء من حيث التحدي والإصرار على التفوق.
ويقول ثامر: "وفرت لي وزارة التربية والتعليم كتب بريل ومن خلالها تغلبت على كثير من الصعاب، كما أن عائلتي وقفت إلى جانبي ليل نهار حتى وصلت إلى هذه النتيجة المرضية".
ويضيف "شقيقي مدرس، وكان يساعدني كثيرًا وكذلك أخوتي وزوجة أخي كلهم كانوا يقرءون لي ويوفرون لي كل ما أحتاج، وهذا كان عاملاً هامًا في تفوقي".
ويؤكد جرادات أن "للمكفوفين حكاية خاصة في مجتمعنا ويطمحون إلى إثبات ذاتهم ولكنهم يحتاجون إلى من يمنحهم الفرصة لاستكمال دراستهم، ونحن نناشد الرئيس ورئيس الوزراء توفير هذه الفرصة لنا".
ويستطرد قائلا: "لا تعلمون حجم المعاناة التي مررت بها، والعقبات التي تجاوزتها حتى وصلت إلى هذه المرحلة، فما ينجزه الشخص المبصر في ساعة، كنت أحتاج إلى سهر الليل الطويل حتى أنجزه، فيجب على المجتمع أن ينصفنا".
من جانبها، تؤكد ياسمين دراغمة من طوباس أن حكاية النجاح التي حققتها يجب أن تستمر بتعاون من المجتمع وتقول: "طموحنا كبير فوفروا لنا الإمكانات".
وتشير دراغمة إلى أن والدتها التي تعمل مدرّسة في المنطقة لعبت دورًا كبيرًا في تذليل الصعوبات أمامها وإيصالها إلى هذه النتيجة، "فقد كانت أمًا عظيمة ومكافحة قررت أن تتحدى الإعاقة".
ويقول المدير التنفيذي لمنتدى الكفيف الفلسطيني مصطفى الجوهري: "ياسمين كانت مبدعة في كل شيء، فقد كانت شغوفة بممارسة الأنشطة اللامنهجية عدا عن دراستها، وهو ما أكسبها خبرة كبيرة".
وأضاف الجوهري أن "الطالب الكفيف بحاجة إلى جو عائلي خاص، وهو ما توفر للشبان الثلاثة، إضافة إلى توفير كتب بريل وطابعة بريل والمستلزمات المادية والباقي على المجتمع".
ويؤكد مدير الهيئة الإستشارية المشرفة على منتدى الكفيف في جنين معتصم زايد أن "فئة المكفوفين تمتلك إبداعات كبيرة، ولها قدرة عجيبة على التعلم، ولكنها لم تنصف مؤسساتياً مما جعل أوضاع هذه الفئة سيئة في كل المجالات".
وقال إنه "لا يمكن التعويل على نجاحات فردية في ظل غفلة من المجتمع لتحسين واقع هذه الفئة، فهذا يحتاج إلى عملية تبني شاملة من قبل الحكومة والمجتمع، وعلى رأس الأولويات الحق في التعليم لأنه يؤسس للاعتماد على الذات".