رسالة إلى الطبيب والعاملين في القطاع الصحي
نقل الخبر للمرضى وأولياء أمور الأطفال المعاقين
الكلمة الطيبة حسنة
الدكتور / عبد الله بن محمد الصبي
حلمت أن أزرع شجرة في أرض التصحر الإنساني.... فكان هذا المقال الذي يشجع المرء على مواجهة النفس... والكشف عن أمراً لم يكن يحسبه يوماً مشكلة... ليكشف نقصاً كان يعتقد أنه الكمال ... فمكاشفة الذات تؤدي إلى البحث عن الحقيقة ... والحقيقة تنير الظلمة .. فالقليل من الجراحين يمكن أن يقوموا بالعلاج النفسي .... كما أن القليل من المعالجين النفسيين يستطيعون القيام بالجراحة، فقد يكون الجراح بارعاً ومتخصصاً في مجاله ولكن في كيفية نقل الخبر يختلف الأشخاص ، فهناك أشخاص لديهم المقدرة الشخصية للتواصل مع الآخرين ، ولكن الأمر يحتاج إلى تدريب ودراسة، والأمر ليس حصراً على الجراحين ولكن لجميع العاملين في القطاع الصحي.
نقل الخبر للمريض أو لوالدي الطفل ذي الاحتياجات الخاصة والتواصل معهم مهمة شاقة وصعبة وان اختلفت طريقة التعامل بين حالة وأخرى، تلك المهمة تقع على عاتق الطبيب المعالج بصفة خاصة والعاملين في القطاع الصحي بصفة عامة، والطبيب أسماه العرب بالحكيم لأن مسئوليته ليس علاج الحالة المرضية للمصاب نفسه ولكن ... علاج الإنسان كروح وجسد .... كما الحكمة والأسلوب في طريقة نقل الخبر وعلاج تأثيراتها السلبية والنفسية على المريض وعائلته قبل حدوثها.
من أجل النجاح والتفوق في تقديم الخدمة الطبية أقمنا المباني وما تحتويه من رخام وفندقه ... استوردنا الأجهزة والمعدات على أنواعها ..... ونجحنا نسبياً في تطوير العلاج بأساليبه التشخيصية والعلاجية.... ولكننا تجاهلنا الكثير من احتياجات الإنسان العربي النفسية بسبب حداثتنا في هذا المجال وانشغالنا بعموميات الخدمة الطبية .... فقد لا يدرك الإنسان أن الكلمات قد تكون أشد تأثيراً من المشرط وأخطر.... فجرح المشرط عادة ظاهر وسريعاً ما يندمل.... أما جرح الكلمات فغائر مختبئ وقد لا يندمل بسهوله ...... ونقل الخبر بطريقة سيئة والتواصل السيء أشد من المشرط وتعتبر من العواقب السيئة للخدمة الطبية.
نقل الخبر بالكلمة الطيبة :نقل الخبر السيئ عملية صعبة ومعقدة .... علم وفن في آن واحد .... فالموقف شديد على الطرفين ناقل الخبر ومتلقيه، قد تبدو العملية بسيطة في ظاهرها ولكنها في الحقيقة عملية معقدة ترتكز على تجارب وأسس علمية تتعلق بفهم ما يجري داخل الإنسان من تفاعلات نفسية، ..... فهم للسلوك الإنساني وفنون التواصل معه، فقد أكدت شريعتنا السمحة على أهمية الكلمة الطيبة وتأثيرها في التواصل مع الطرف الآخر، قال الله تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) ( آل عمران : 159) ، وقال تعالى ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ( سورة النحل : 125 )، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( أتقو النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة ) رواه البخاري.
أخلاقيات الطب ونقل الخبر :لقد أدرك حكماء العرب الأوائل أهمية الكلمة في العلاج كما نقل الخبر ومواساة المريض، وجعلوها من أخلاقيات الطب التي درسوها لمن تبعهم ، فهذا هو المعلم الرازي يقول في رسالته التوجيهية للطبيب : ( وأعلم أن المقابلة نصف العلاج ) ، وطمأنة المريض جزء أساسي من العلاج كما قال أبن قيم الجوزيه في كتاب الطب النووي ( وقد علم أن الأرواح متى قويت ، قويت النفوس والطبيعة تعاونا على رفع الداء وقهره) ، كما أصدرت الجمعية الطبية الأمريكية أحد أخلاقيات الطب عام 1847 م ذكرت فيها: ( أن حياة الشخص المريض يمكن أن تكون أقصر ليس بالعمل على إنهائها ولكن بكلمة أو تصرف يحدث من الطبيب، لذلك فمن أهم مسئولياته حماية نفسه وبعناية في هذا المجال، والابتعاد عن كل الأشياء من قول أو فعل والتي قد تؤدي إلى أضعاف عزيمة المريض وتثبيط همته ، أو تهبط من روحه) ، وكما قال أبو قراط في أحد نصائحه للطبيب ( يجب إخفاء أكثر الأشياء عند الدخول على المريض، أعط ما يحتاج إليه من أوامر بمرح وهدوء، كما يجب عدم تحديد أي شيء عن حاضر المريض ومستقبله، فإن ذلك يعرض الكثيرين للدخول إلى الأسوأ بالتبوء بما سيأتي) ، والمستقبل علمه عند الله سبحانه وتعالى.
نقل الخبر المهمة الصعبة ؟
نقل الخبر عملية بسيطة في ظاهرها ....ولكنها عملية معقدة ترتكز على تجارب وأسس علمية تتعلق بفهم ما يجري داخل الإنسان من تفاعلات نفسية وفهم للسلوك الإنساني وفنون التواصل معه ..... فالموقف شديد على الطرفين ناقل الخبر ومتلقيه ...... وهي الأوقات العصيبة التي يحتاج فيها الطبيب لإعطاء الأمل بالشفاء ..... فالكلمات تكون كالبلسم ليلتئم الجرح، فالطبيب يمكن أن يجد الكثير من الرضى عند قيامه بعلاج إنسان وشفاءه في أكثر الأوقات احتياجاً من قبل المريض ..... ولكن هذا لا يعنى مقدرته على الشفاء التام ... والأدلة والشواهد تدل على أن طريقة نقل الخبر السيئ يمكن أن يزيد أو أن يخفف من شدة البلاء والأسى والمخاوف التي تصيب المريض وعائلته، فنقل الخبر السيئ بشكل مفاجئ ومباغت قد يؤدي إلى زيادة الأثر السلبي والصدمة، والدراسات أظهرت أنه إذا كان الطاقم الطبي صادقاً وصريحاً، واضح الكلمات والتعبيرات المستخدمة، فإن ردود الفعل على المدى القصير قد تكون صعبة ، ولكنها على المدى الطويل فإن المريض وعائلته يكونون قادرين على التكيف وتقبل الحالة، كما أن عدم إعطاء المعلومة كاملة أو عدم وجود المساعدة اللازمة قد يكون له انعكاسات سلبية.
الطريق لتفعيل النية الطيبة :قد لا نكون قد تدربنا أو اهتممنا بهذا الموضوع ولم نعطه حقه كما لم نعط المريض حقه ، فعلينا الرجوع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه ) رواه الخطيب عن أبي هريرة وسنده حسن، وكيفية نقل الخبر علم وفن في آن واحد ... والعلم يحتاج إلى التدريب والتعليم لأداء هذه المهمة الصعبة ... وفن لأن الطريقة ليست خطاً مرسوماً .. ولكن قواعد عامة يبنى عليها الحكيم الطبيب بدراسته لها ... لكي تكون منها قطعة فنية تنال إعجاب الآخرين ويكون لها النجاح.
رسالة مفتوحة لصنّاع القرار للاهتمام بالإنسان وآدميته وليس شفقة، وللقيام بدورات متخصصة في كيفية نقل الخبر، وأن يكون جزءاً من التعليم والتدريب في كلية الطب والكليات الصحية.