المقامة النبوية
وكنت إذا ما اشتد بي الشوق والجوى *** وكادت عرى الصبر الجميل تقصم
أعلل نفســــي بالتـلاقـــــــي وقربـــه *** وأوهمهــــــا لكننهــــا تتوهــــــــم
المتعبد في غار حراء، صاحب الشريعة الغراء، والملة السمحاء، والحنيفة البيضاء وصاحب الشفاعة والإسراء، له المقام المحمود واللواء المعقود، والحوض المورود، هو المذكور في التوارة والإنجيل وصاحب الغرة والتحميل والمؤيد بجبريل، خاتم الأنبياء، وصاحب صفوة الأولياء، إمام الصالحين وقدوة المفلحين { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]
إن كان أحببت بعـــد الله مثلــك فـي *** بدو وحضر وفي عرب وفي عجم
فلا اشتفى ناظري من منظرٍ حسن *** ولا تفـوه بالقــول السديـد فمـي
مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات، وتسابقت المشاهد والمقالات.
صلى الله على ذلك القدوة وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه، علم الأمة الصدق وكانت في صحراء هائمة، وأرشدها إلى الحق في ظلمات الباطل عائمة، وقادها إلى النور، في دياجير الزور قائمة.
أثني على من أتدري من أبجله *** أما علمت بمن أهديته كلمي
في أصدق الناس لفظاً غير متهم *** وأثبت الناس قلباً غير منتقم
قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة وعساكر ترفع الولاء مؤيدة وخيول مسومة في ملكهم مقيدة، وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة وخدم في راحتهم معبدة.
أما محمد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ونهاية مرغوبه أن يعبد الله فلا يشرك به معه أحد، لأنه فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
يسكن في بيتا من الطين، وأتباعه يجتاحون قصور وقيصر فاتحين، يلبس القميص المرقوع ويربط على بطنه حجرين من الجوع، والمدائن تفتح بدعوته، والخزائن تقسم لأمته.
يا من تضـــــوع بالرضوان أعظمه *** فطاب من طيب تلك القاع والأكم
نفسي الفداء لقبـر أنت ساكنـه *** فيه العفـاف وفيه الجود والكرم
أسلك معه حيثما سلك، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك نزل بزُّ رسالته في غار حراء، وبيع في المدينة، وفصل في بدر، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس، ويا خسارة من خلعه فقد تعس وانتكس، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب، وإذا لم يكن الفرس مسوماً على علامته فلا تركب، بلال بن رباح صار باتباعه سيداً بلا نسب، وماجدا بلا حسب، وغنياً بلا فضة ولا ذهب، أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتب سيصلى ناراً ذات لهب.
مجلة البشرى