للمسجد مكانة عظمى ، وأهمية بالغة في دين الله عز وجل فهو مكان لا غنى للمسلمين عنه إذ هو محل أداء شعائرهم
التعبدية من الصلاة والاعتكاف ، وقراءة القرآن ، وذكر الله تعالى ، وهو منطلق الهداية والتوجيه ، وميدان العلم
والتعليم ، ومنبت التربية والتثقيف ، وينبوع العلم والمعرفة والتثقيف ، وهو النور المشع في قلوب المؤمنين ، وهو
ميدان تخريج العلماء والأبطال والقادة والمفكرين ، وهو ساحة التقاء المسلم بأخيه المسلم ، على منهج الله تعالى ،
وعلى عبادة الله تعالى
يقول الله تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .
وقال سبحانه : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ .
ولأهميتها نسبها الله تعالى إليه ، فقال : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا .
ومما يدل على مكانتها ورفعة شأنها أن عُمَّارها هم صفوة الخلق من الأنبياء والمرسلين ، ومن تبعهم من المؤمنين ،
قال تعالى : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
وقد ندب الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعمارتها ، جاء في الصحيحين عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال :
سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : (من بنى لله مسجدا بنى الله له كهيئته في الجنة ) . وعند ابن ماجه وأحمد مرفوعًا :
من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة .
ولفضلها رغب (صلى الله عليه وسلم) في التعليم فيها وجعلها أفضل دار للعلم والتعليم
فقد روى مسلم وغيره مرفوعًا : وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا
نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )
المشروع في المسجد
1 - الصلاة فيه :
من أهم وظائف المسجد أداء الصلاة فيه بالنسبة للرجال جماعة الذي جعلها بعض أهل العلم فرض عين على
كل مسلم- أعني صلاة الجماعة- ومكان تأدية صلاة الجماعة هو المسجد ، بل قد جعل بعضهم تأديتها في المسجد
شرطًا لا تصح الصلاة إلا به .
وهذه المسألة لا تحتاج إلى استفاضة في الأدلة ، ويكفي أن نشير إلى أن الساعي إلى المسجد لأداء الصلاة ينال
أجرًا عظيمًا ، فكيف بالصلاة فيه ، روى الشيخان أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : من غدا أو راح
أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح . وما رواه مسلم مرفوعًا : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا
ويرفع به الدرجات قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد .
وجاء في سنن أبي داود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور
التام يوم القيامة
2- الأعتكاف فيه :-
والمراد بالاعتكاف : المكث في المسجد لعبادة الله تعالى .
من نعم الله تعالى على بعض المؤمنين أن يوفقهم لعبادته وطاعته بمختلف أبواب الطاعة الكثيرة ، ومنها : المكث
في المسجد مدة معينة من الزمن تطول أو تقصر ليصلي ويدعو ، ويقرأ القرآن ، ويذكر الله تعالى ويتأمل حاله
وحال المسلمين ويحاسب نفسه ، ويخلو مع خالقه .
ولا شك أن لهذه الخلوة الإيمانية أثرًا على الفرد المسلم في تعامله مع مولاه جل وعلا فيصحح مساره ، ويعدل
أخطاءه ، ويصارح نفسه ، ويبكى على خطيئته ، ويصفي فؤاده ، وينقي قلبه ، وتغسل خطاياه ، وتمحى ذنوبه ،
وترفع درجاته ، ويظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) :
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . . وذكر منهم : رجل قلبه معلق في المساجد ، ورجل ذكر الله
خاليًا ففاضت عيناه
3- - خطبة الجمعة :
من فضل الله تعالى أن شرع للمسلمين ، وأوجب عليهم صلاة الجمعة التي تقام مرة في الأسبوع في يوم الجمعة ،
ومن أحكام هذه الصلاة إقامة خطبتي الجمعة التي ندب الإسلام إلى حضورها وشهودها ، بل وشدد في وجوب
الإنصات لها ، قال (صلى الله عليه وسلم) : إذا قلت لصاحبك - يعني والإمام يخطب- أنصت فقد لغوت .
وقال (صلى الله عليه وسلم) : من مس الحصا فقد لغا ، ومن لغا فلا جمعة له
4- حِفْظ القرآن وتحفيظه :
من أهم المهمات ، وأوضح المشروعات عمله في المساجد إقامة تعلم القرآن وتعليمه ، وقراءته وإقراؤه ، بشكل
فردي يقرؤه الفرد ، ويحفظه ، أو يحفظه ويقرئه غيره ، أو بشكل تدارس جماعي ، جاء في السنن : وما اجتمع
قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم
الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده .
5-تعلم العلم وتعليمه :
ومن مهمات المسجد أنه ميدان للعلم والتعليم ، منه تخرج الأفذاذ والعلماء ، ومنه انطلق المعلمون ، وإليه يأوي
المتعلمون ، فهو مقر التربية والتوجيه والتعليم .
المسجد يقوم بهذه المهمة منذ عهده (صلى الله عليه وسلم) ، فقد كان يتخذه (صلى الله عليه وسلم) مكانا للتعليم
والتربية روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي واقد الليثي (رضي الله عنه) قال : بينما رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) جالس في المسجد ، والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ،
وذهب واحد فوقفا على رسول (صلى الله عليه وسلم) ، أما أحدهما فوجد فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر
فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا ، فلما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (ألا أحدثكم عن النفر الثلاثة؟
أما أحدهم فأوى إلى الله عز وجل فآواه الله ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه .
6-المسجد دار للقضاء والفتوى :
ولا تقتصر مهمة المسجد في الأعمال العلمية فحسب بل اتخذه المسلمون دارًا للإفتاء والقضاء ، فكانت الوفود الكبيرة المستفسرة عن شؤون دينها ، والسائلة في أحكام شريعتها تفد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . روى البخاري وغيره عن أنس (رضي الله عنه) وكان صغيرًا ، قال : بينما نحن جلوس مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في المسجد دخل رجل على جمل ، فأناخه في المسجد ثم عقله ، ثم قال لهم : أيكم محمد؟ والنبي (صلى الله عليه وسلم) متكئ بين ظهرانيهم ، فقال : هذا الرجل الأبيض المتكئ ، فقال له رجل : ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : (قد أجبتك) وقال الرجل للنبي (صلى الله عليه وسلم) : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك ، فقال : (سل عما بدا لك) ، فقال : أسألك بربك ، ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال : (اللهم نعم) فقال : أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال : (اللهم نعم) قال : أنشدك بالله آلله أمرك أن نأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فنقسمها على فقرائنا؟ قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (اللهم نعم) ، فقال الرجل : آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة ، أخو بني سعد بن بكر
وما ورد في ذلك عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنه قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى ،
فقال رجل : هو مسجد قباء ، وقال الآخر : هو مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) : هو مسجدي هذا .
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال : جلس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على المنبر وجلسنا حوله فقال :
(إن مما أخاف عليكم بعدي ، ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها )
7- صيانة المسجد وتنظيفه :
من المشروع المستحب عمله في المسجد صيانته وتنظيفه ، وتفقده من حيث إنارته ، وتوصيل المياه إليه ، وتوفير
أدوات النظافة ، وتوظيف من يقوم بذلك ، ورعاية فرشه وتطييبه وإصلاح ما يفسد منه ، ولا شك أن في ذلك أجرًا
وثوابًا من عند الله سبحانه وتعالى .
روى أبو داود رحمه الله عن أنس (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : عرضت علي أجور
أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي ، فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو
آية أوتيها الرجل ثم نسيها .
وروى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رجلا أسود أو امرأة سوداء- كان يقم المسجد فمات ،
فسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عنه فقالوا : مات ، قال : (أفلا آذنتموني به ، دلوني على قبره ، أو قال قبرها ،
فأتى قبره فصلى عليه)
__________________________________