المرور و سنينه
بقلم
د. غادة شريف
إنه فى يوم من ذات الأيام الكبيسة الخبيثة، كنت متوجهة بسيارتى صباحاً من المعادى إلى مصر الجديدة على طريق صلاح سالم.. وإذا بسيارة أخرى مسرعة يحاول سائقها الالتفاف حول السيارات بطريقة الغرز، وإذا به يصدمنى من الخلف بشدة ثم وقف ورجع للوراء وجرى بسيارته! وفى دقائق فوجئت بالناس قد تجمعت حولى من كل حدب وصوب. خرجت من سيارتى فوجدت الإطار الخلفى تحطم تماماً.
فسألنى أحد المتجمهرين: هتعملى إيه حضرتك؟، فأجبته: «يعنى هأعمل إيه؟!» فقال آخر: «أصل الجبان جرى! بس أنا معايا نمرة عربيته حضرتك هى نمرة جديدة: ك أ ب ٧٤٣٥. فقال آخر: «لأ لأ.. أنا لقطت النمرة الصح هى ل أ مش ك أ». فسألتهم: ويعنى أنا كنت هأعمل إيه بالنمر لو حتى كان وقف، ثم يعنى إيه ك أ، أو ل أ؟.
فتقدم مواطن شكله عليم ببواطن الأمور وقال: شوفى حضرتك أصل الحكومة تعبت من الناس اللى بتخبط وتجرى زى أخينا ده، فعملت النمر الجديدة دى بالرمز وتبقى مميزة لكل واحد زى البصمة، فالحروف دى بتبقى أول حرف من اسم صاحب العربية واسم أمه لا مؤاخذة، فكده هيجيبوه هيجيبوه حتى لو استخبى فين. فقلت له: يعنى لو ده ك أ، أو ل أ يبقى اسمه إيه؟..
فأجابنى بكل ثقة: يعنى سعادتك هيبقى كامل ابن أنيسة برعى! فقال المواطن العليم الآخر: وليه مايكونش كمال ابن أمنية بكرى؟ فتقدم منى رجل مسن كان يراقب المناقشة فى هدوء، وقال: «يا بنتى سيبك من الناس الجاهلة دى، اسمه إيه واسم أمه إيه! كل الحكاية إن الحوادث كثرت مؤخراً على الطرق، وكما نعلم جميعاً أن دائماً اللى ورا هو اللى غلطان، فلذلك قررت الحكومة أن تردع السائقين بأن تضع مع النمر الحروف الأولى من الشتائم، حتى يراها اللى سايق ورا، فيتكسف من نفسه ويهدئ من سرعته»!..
وتعجبت من التفسيرات! لكن للأسف هذه هى الغلطة الأزلية للحكومة! لا تحاول توعية الناس بأى شىء جديد تطرحه عليهم إلا فيما ندر، فيساء استخدام ما يطرح وإذا بنا نتقدم للخلف! وبعد أن كانت المشكلة فى النمر القديمة هى تحرى الدقة فى التقاط النمر، أصبحت الآن المشكلة فى تحرى الدقة فى التقاط النمر والحروف!
وكدت أوافق هذا الرجل فى تفسيره للحروف وأتبنى نظرية الشتيمة، ولكنى عندما نظرت مرة أخرى للحرفين ك أ، وجدت أنهما سيرمزان لشتيمة وحشة قوى! فانتفضت قائلة: يا راجل شتيمة إيه وكلام فارغ إيه؟ طبعاً هى شكلها كده اسم اللى سايق واسم أمه! وأثناء احتدام المناقشة والتفكير فى الأسماء التى ترمز لها تلك الحروف جاء ضابط المرور وبصوت جهورى سأل عن سبب التجمهر. وإذا بالجميع يصمت صمت القبور فلم يجبه أحد! فتقدم أكثر ونظر للسيارة والإكصدام المكسور.
وسأل: دى حادثة دى؟ طب تعالى معايا القسم علشان تعملى محضر، وإخوانا دول برضه ييجوا علشان يشهدوا، دى شكلها خبطة جامدة، أخدت نمرة العربية؟ فأجبته بأن نظارتى تكسرت منالخبطة فلم أتمكن من التقاط نمرة العربية. ونظرت لأحبائى المتجمهرين، وفوجئت بأنه لم يتبق منهم سوى رجلين فقط! فسألهم الضابط: حد فيكم أخد النمر؟ فأجابوه: «نمر إيه يا بيه هو كان فيه حادثة؟ دا احنا جينا على اللمة غالباً الست كانت بتسأل على عنوان ومش لاقياه»! يا ربى!
إلى هذا الحد وصل الخوف بالناس! وقد كنت أظن أن المشكلة مشكلة توعية فقط، فإذا بى أكتشف أن الناس لا تريد الاقتراب من الشرطة ولا أن تقترب الشرطة منهما! وانصرف الرجلان، فنظر لى الضابط بعد أن اطلع على الرخص الخاصة بى وسألنى: طب يا دكتورة إحنا لسه برضه ممكن نعمل محضر، تقدرى تيجى ورايا عالقسم؟..
ساعتها تخليت عن روح جان دارك التى تلبسنى من الحين للآخر دون أى داع، وتذكرت شعارى فى الحياة: مليون كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمه! وأجبته قائلة: مش همه قالولك إن مفيش حادثة، وإنى كنت تايهة وبأسأل على عنوان؟ فنظر لى متعجباً وسألنى: أومال الإكصدام ده ونظارتك دى، إيه اللى دشدشهم كده؟ فأجبته بمنتهى الثقة، أنا سعادتك، أصلى عندى استبحس!
راق لى لانه حدث تقريبا لى
03-30-2009, 03:18 PM
المرور و سنينه
