فنان الشعب سيد درويش
هو فنان شعبي قدم العديد من الألحان الرائعة والتي مازالت تتردد إلي الآن، وغلبت على العديد من ألحانه الطابع الوطني، وعلى الرغم من رصيد ألحانه الضخم إلا أن هذه الألحان قد ولدت في خلال فترة حياة قصيرة، حيث توفى سيد درويش وهو مازال في ريعان الشباب وهو في الثلاثينات من عمره.
قيل عنه إنه مجدد الموسيقى العربية، وهو اللقب الذي يستحقه عن جدارة نظراً لطابع ألحانه المتميز والذي كان مختلفاً إلى حد كبير عن السائد وقتها.
النشأة
ولد السيد درويش البحر في 17 مارس عام 1892م، بحي كوم الدكة قسم العطارين بالإسكندرية، لأسرة متواضعة الحال وكان الولد الوحيد لوالديه وله ثلاثة شقيقات هن فريدة، ستونة، وزينب، التحق سيد وهو في الخامسة من عمره بأحد الكتاتيب وذلك ليتلقى العلم ويحفظ القرآن، توفى والده وهو في السابعة من عمره، وقامت والدته بإلحاقه بأحد المدارس، وبدأ ولعه بالموسيقى والغناء منذ أن كان صغيراً وبدأت تتضح هذه الموهبة من خلال مدرسته وحصة الموسيقى، حيث كان يقوم بحفظ الأناشيد وتفوق في هذا على زملائه، تزوج سيد درويش وهو في السادسة عشر من عمره.
حياته وفنه
عشق سيد الموسيقى والغناء والألحان فأنخرط في هذا العالم منذ الصغر، فكان يقوم بحفظ ألحان وأناشيد الشيخ سلامة حجازي، بالإضافة للتواشيح التي كان يسمعها من كل من الشيخ احمد ندا، وحسن الأزهري، ويقوم بترديدها على أصحابة، كما كان منصتاً جيداً لأناشيد السيرة النبوية.
التحق سيد درويش بالمعهد الديني الذي قام الخديوي عباس بإنشائه، ولكنه لم يستمر بالدراسة به كثيراً حيث قضى به عامين فقط، ذاعت شهرته نتيجة للحفلات التي كان يقوم بإحيائها، وكان دائماً يميل إلى الاستماع للموسيقى وسماع كبار الموسيقيين مثل إبراهيم القباني، داود حسني وحفظ أدوارهم الشهيرة، مثل "المحاسن واللطافة، يامنت واحشني، بأفتكارك ايه يفيدك" وكان يقوم بغناء ما يقوم بحفظه في الحفلات بعد ذلك.
ضاقت الظروف المعيشية على سيد درويش مما اضطره للعمل في عدد من الفرق الغنائية المتواضعة التي تقدم أعمالها في عدد من المقاهي وكان يقدم بعض أغاني الشيخ سلامة حجازي، ومن العمل في الغناء إلى العمل كمناول لعمال البناء في إحدى العمارات تحت الإنشاء، وبينما كان سيد يقوم بالغناء في إحدى المرات تصادف وجود الأخوين سليم وأمين عطا الله بجوار مكان عمله على احد المقاهي، وقد جذبهم صوته وتطور الأمر سريعاً حيث قام الأخوان بالاتفاق معه على السفر إلى سوريا مع فرقتهم من أجل إحياء حفلات هناك وكان ذلك في عام 1909م، وأثمرت هذه الرحلة عن لقاء درويش مع الفنان عثمان الموصلي حيث أخذ عنه الكثير من التواشيح، بعد أن انتهى سيد درويش من رحلته عاد مرة أخرى إلى بلده وتنقل من عمل لأخر فأتجه للفن فترة وعمل بالفرق في المقاهي، ثم كاتباً بمحل لتجارة الأثاث.
ثم قام سيد درويش بالسفر مرة أخرى إلى سوريا وذلك بعد أن أرسل إليه سليم عطالله وذلك في 1912م، وكانت هذه الرحلة هي البداية الحقيقة التي انطلق منها فن سيد درويش حيث استمرت قرابة العامين، تعرف فيهم أكثر على فن عثمان الموصلي وقرأ عدد من الكتب الموسيقية منها كتاب " تحفة الموعود في تعليم العود".
انطلاقات فنية
أتجه سيد درويش إلى القاهرة وذلك من أجل التوسع في فنه ومحاولة أثبات ذاته، جاءت أولى حفلاته في كازينو " البسفور" في عام 1917م، ومنذ أن أنتقل إلى القاهرة استجمع كامل طاقته من اجل هدف واحد وهو التلحين فقدم كم ضخم من الأعمال الرائعة والتي تميزت بالاختلاف، فقد كان يستقي ألحانه دائماً من الشعب فكان يحول الكلمات البسيطة والمواقف إلى لوحات فنية رائعة تنبع من الشعب ثم يضع عليها سيد درويش لمساته السحرية ليصدرها للشعب مرة أخرى، فتنطبع ألحانه في وجدان جميع الأشخاص بجميع شرائحهم الغني منهم والبسيط ، المثقف والمتواضع الثقافة.
واكبر دليل على ذلك هو الاستمرار الذي تميزت به ألحانه، التي ظلت تتردد إلى الآن على لسان المصريين وغيرهم.
ألحانه
تمكن سيد درويش أن ينتقل بألحانه إلى شكل ومرحلة جديدة لم تكن مألوفة في هذا العصر، فتميزت ألحانه بالبساطة بالشكل الذي يتمكن المواطن البسيط من ترديدها، نذكر من ألحانه أغنية البرابرة، أغنية الصنيعية، الحماليين، يا بلح زغلول وغيرها من الأغاني ذات الكلمات السلسة والألحان المتميزة التي تلتصق بإذن المستمع من المرة الأولى.
كما قدم درويش الأغنية الوطنية والثورية التي أشعلت الحماس في ذلك العصر الذي كان المواطن المصري محتاج لمثل هذا النوع من الغناء، ومن الأغاني الوطنية الشهيرة النشيد الوطني المصري " بلادي بلادي"، "قوم يا مصري".
كانت مواضيع الأغاني التي يختارها سيد درويش غير تقليدية فلم ينساق وراء أغاني الحب والهجر، وما إلى ذلك فقط، بل أخترق الحياة اليومية للشعب ولحن أغاني لجميع الطبقات مهما كانت بسيطة ولكنها عبرت عنهم، ولكن لم يمنع ذلك من تعرضه لأغاني الحب والدلال، فقدم مزيج ما بين الاثنين.
قدم العديد من الألحان والتي وصل عددها إلى أكثر من 80 لحن من خلال عدد من المسرحيات الغنائية، لكل من جورج أبيض، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار من المسرحيات الغنائية التي قام بتلحينها رواية "فيروز شاه" لجورج ابيض، كما قام بتلحين عدد من الروايات لنجيب الريحاني كانت أولها هي رواية "ولو" وعدد من الروايات الأخرى التي قام درويش بتلحينها.
من الأوبريتات التي قام بتلحينها العشرة الطيبة، شهرزاد، البروكة، كما قدم العديد من الأدوار والموشحات والطقاطيق والمسرحيات والأوبريتات.
الوفاة
توفى سيد درويش وهو في الثلاثينات من عمره وذلك في 15 سبتمبر عام 1923م بالإسكندرية، جاءت وفاة سيد درويش مفاجئة للكثيرين فقد توفى ولم يتجاوز الواحد والثلاثون من عمره، وقد تعددت الأقوال التي قيلت حول سبب الوفاة.