وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ - رؤية جينية
وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية
يؤثر العديد من العوامل الداخلية والخارجية في اختلاف النباتات عن بعضها بعضا فياللون والطعم والرائحة والتركيب .
وأهم تلك العوامل التربة الزراعية التي يزرع فيهاالنبات وطبيعة وحجم وتركيب حبيباتها، ونسبة كل من الحصى والرمل والطين والغرينفيها، وما تحتويه تلك التربة من هواء ومعادن وأملاح ومخصبات عضوية وغير عضويةوكائنات حية نباتية وحيوانية ودقيقة، ودرجة حموضتها وتهويتها وصرفها ومكان وجودهاوارتفاعها أو انخفاضها (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة265.
والعامل الثاني: المؤثر في الإنتاج النباتيمياه الري وجودتها ونقاوتها أو تلوثها، ودرجة حرارتها، وما تحمله من معادن وأملاح،ومخصبات ورقمها الأيدروجيني، وتوافرها بالكميات اللازمة لنمو النبات، وطريقة ريهاوصرفها وما تحمله من كائنات حية دقيقة وغيرها.
ويأتي العامل الثالث: وهو الحالةالجوية من حرارة وضوء ورطوبة، ورياح وما تحمله من وأتربة ورمال وأمطار ومواد كيماويةوملوثات حيوية وفيزيائية وكيميائية وتتابع فترات الإضاءة والإظلام وحبوب لقاحوكائنات حية دقيقة وغيرها.
ويأتي العامل الرابع : الخدمة الزراعية، من حيث تهيئةالأرض، واستصلاحها، وحرثها، وريها، ووضع الأسمدة وكميتها ودقتها وإدارتها الإدارةالعلمية الصحيحة، وحمايتها من العوامل الجوية، وتهيئة البيئة الصالحة لنموهاوإزهارها وإثمارها وقطف الثمار ونقلها وتخزينها.
ثم يأتي العامل الجيني والتركيبالوراثي للنبات، حيث تختلف الأجناس والأنواع والأصناف النباتية في جيناتهاالوراثية، وتتابعها على الحمض النووي، وتتابع القواعد النيتروجينية في تلك الجينات،فلكل نبات خريطته الجينية الخاصة به تسجل في إحكام وتقدير معجزين الخصائص الوراثيةلهذا النبات وما يترتب عليها من ألوان وأشكال وأحجام وطعوم وروائح وتركيب كيميائيوخصائص حيوية وفيزيائية وجمالية وغيرها.
وقد لخص الله سبحانه وتعالى العواملالسابقة في كلمات موجزة معجزة بقوله تعالى: "وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (الرعد/4).
قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله فيتفسير الآية السابقة: "و" من الآيات على كمال قدرته (سبحانه وتعالى) وبديع صنعه أنجعل "وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ" فيها أنواع الأشجار من الأعناب والنخيل والزرعوغير ذلك، والنخل التي بعضها (صِنْوَانٌ): أي عدة أشجار في أصل واحد (وَغَيْرُ صِنْوَانٍ): بأنكان كل شجرة على حدتها، والجميع (يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ) وأرضه واحدة (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ) لونا وطعما ونفعا ولذة ثم قال: "وهذه الثمرة حلوة وهذه مرة، وهذه بينذلك، فهل هذا التنوع في ذاتها وطبيعتها أم ذلك تقدير العزيز الرحيم؟ "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: لقوم لهم عقول تهديهم إلى ما ينفعهم وتقودهم إلى ما يرشدونويعقلون عن الله وصاياه وأوامره ونواهيه، وأما أهل الإعراض وأهل البلادة، فهم فيظلماتهم يعمهون وفي غيهم يترددون لا يهتدون إلى ربهم سبيلا ولا يعون له قيلا" انتهىبتصرف.
وإذا أردنا تعقل الآية السابقة وتدبرها تدبرا علميا عقليا اختصاصيا كماأرشدنا إليه تعالى بقوله: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " (الرعد/4)، نجد أن اللهسبحانه وتعالى ثبت في الآية عوامل التربة والماء والبيئة المحيطة "وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ" فمادامت متجاورة وليست متباعدة فإن احتمال تشابه خصائص تلك الأرض عالية،كما أن التجاور يؤدي حتما إلى التشابه الكبير في العوامل الجوية "يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ" واحد في الخصائص والفعل والكمية والتركيب ومع ذلك كله "وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ "، إذاً العامل المتبقي والمؤثر تأثيرا كبيرا في اختلاف اللون والطعم والرائحةوالتركيب الكيميائي والتشريحي هو العامل الوراثي، فالمعلوم علميا أن لكل جنس نباتيخصائصه الوراثية المميزة له عن باقي الأجناس النباتية، وفي داخل الجنس النباتيالواحد توجد الأنواع المختلفة أيضا في تركيبها الجيني، وتحت كل نوع نباتي توجدالأصناف المختلفة أيضا في بعض صفاتها الجينية.
وقد اثبت العلم الحديث هذهالحقائق العلمية واستطاع الباحثون تعرف الخريطة الوراثية لكل جنس ونوع وصنف نباتيودراسته جينيا وهذا إعجاز مخف في تلك الآية القرآنية.
ويساعد العامل الزراعيتلك العوامل الوراثية على تحسين الصفات، فالخدمة الزراعية الجيدة واستعمال أساليبالزراعة الحديثة في الزراعة، واستنباط الأصناف النباتية المحسنة والمطورة وراثياوالحماية من الآفات تؤدي إلى ذلك، وهذا يلقي على كاهل العلماء دورا مهما في تعرفالخريطة الوراثية لكل نبات واستنباط الأصناف المحسنة المقاومة للأمراض والمجمعةللخصائص المرغوبة التي تجعلنا نفضل بعضها على بعض في الأكل، وهذه العوامل والخصائصمركزة ومخلوقة في الجزيئات الوراثية لكل نبات خلقه الله سبحانه وتعالى بقدرته، وقدرتركيبها وفعلها بعلمه وحكمته ورحمته، فالعالمون المتفكرون يعلمون أنهم لم يخلقواشيئا جديدا وإنما اكتشفوا وتعرفوا خلق الله في جينات النبات، وتركيبها وترتيبهاوفعلها الحيوي وآلية عملها، وتأثيرها في خصائص النبات فارجعوا الفضل في نتائجهم إلىالخالق سبحانه وتعالى، وحمدوا الله على نعمه الخفية في الجينات النباتية وكيف لاوهم العاقلون المؤمنون؟
أما هؤلاء الجهلاء بعظمة الخالق، العَلمانيون (بفتحالعين) الملحدون الماديون الدارونيون، فيظنون أنهم الذين أوجدوا تلك الأنواعوالأصناف الجديدة والحقيقة أنهم لم يخلقوا شيئا من العدم ولكنهم اكتشفوا ما خلقالله سبحانه وتعالى في النبات من خصائص وراثية، واستثمروا هذا الخلق وهذه المعرفةلإيجاد صفات وأنواع وأصناف جديدة، وهذا يلقي على عاتق العلماء المؤمنين مسئوليةكبرى في الدراسة والبحث والاستنباط للأنواع والأصناف وتحت الأصناف بدلا من تركالساحة العلمية لغير المؤمنين يتولون اكتشاف خلق الله ومحاربة الله بهذا الخلق وصدقالله العظيم القائل: "وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (الرعد/4).
للعنب أصناف متعددة و كلها تسقى تنمو في شروط بيئة متشابهة وتسقى بماء واحد إلا أنه هناك العنب الاسود والعنب الأبيض والأحمر الخ فسبحان الله بديع السماوات والأرض
فجنس العنب واحد وتحته العديد من الأنواع منها العنب البناتيالخالي من البذور، والعنب الأحمر والأصفر والأخضر والمستدير والمستطيل وتحت هذهالأنواع توجد الأصناف وتحتوي ثمار العنب عامة على (24%) ماء، (2,2)% بروتين، (0,5%)دهون، (71,2%) كربوهيدرات كما تحتوي على الفيتامينات , والكالسيوم والفوسفوروالحديد، وتحتوي أوراق العنب على (75,5%) ماء، (3,8%) بروتين (1%) دهن وقليل منالكربوهيدرات وتحتوي على الفيتامينات والكالسيوم والحديد وتفيد ثمار وأوراقالعنب في علاج التيفود، والنقرس، وقرحة المعدة، وعسر الهضم، والتهاب اللثة والأسنانوالرشح والتهابات الجيوب الأنفية وغيرها.
أما جنس البلح (Phoenix ) فيحتوي على العديدمن الأنواع أهمها نوع ( dactylifera ) المحتوي على الأصناف المختلفة مثل الحياني والبرميوالخلاص، والعجوة، وخصبة العصفور وغيرها ومنها الأحمر والأصفر والأخضر والممتازوالرديء وتحتوي ثمار نخيل البلح عامة على (7,6%) سكريات، (2,5%) دهن، (1,9%)بروتين، (1,2%) ألياف، (13,8%) ماء وتحتوي على العديد من الفيتامينات التي تحميالإنسان من سوء التغذية وتفيد ثمرات النخيل في القضاء على الإمساك، وفي معالجةالبواسير والتهابات القولون، وعلاج ضغط الدم، والتسمم الغذائي، وتنقية الكبد وتيسرعملية الولادة وتعالج الدوار وغير ذلك من الأمراض.
وكل هذه الاختلافات والنباتاتوالخصائص مركزة في جزيء (DNA) الخاص بالعنب والنخيل وغيره , وتتأثر الصفات وتتحسن كميابالخدمة الزراعية ونوع التربة ومياه الري، والبيئة الخارجية فسبحان الخالق المقدرالعليم! وصدق الله العظيم القائل "وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (الرعد /4).
أ.د نظمي خليل أبوالعطا موسى