كيف تحافظ على صفاء قلبك؟
أحبتى فى الله:
أعجبنى كتاب "صيد الخاطر" للعلامة إبن الجوزى، هذا الكتاب الذى يحتوى مقتطفات جميلة من الخواطر التى تحث القلب على السير على طريق الإستقامة، وتنبه الغافل لتدارك الأمور قبل الفوات، فما أحسنها من خواطر قد أحسن إبن الجوزى صيدها، أنقل لكم منها اليوم فصل فى المحافظة على صفاء القلب، وآخر فى القوة عند الإبتلاء.
يقول الإمام العلامة إبن الجوزى فى فصل المحافظة على صفاء القلب:
من رزق قلباً طيباً ولذة مناجاة فليراع حاله وليحترز من التغيير.
وإنما تدوم له حاله بدوام التقوى.
وكنت قد رزقت قلباً طيباً ومناجاة حلوة فأحضر بعض أرباب المناصب إلى طعامه فما أمكن خلافه.
فتناولت وأكلت منه فلقيت الشدائد ورأيت العقوبة في الحال واستمرت مدة وغضبت على قلبي وفقدت كل ما كنت أجده.
فقلت: واعجباً لقد كنت في هذا كالمكره فتفكرت وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة ولكن التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمداراة.
فقالت النفس: ومن أين لي أن عين هذا الطعام حرام.
فلما تناولت بالتأويل لقمة واستحليتها بالطبع لقيت الأمرين بفقد القلب فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ويقول فى فصل فى القوة عند الإبتلاء:
فصل القوة عند الابتلاء
يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثراً للإجابة ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح.
أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان فإنه لم يحكم عليه بذلك إلا وهو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره أو يريد كثرة اللجأ والدعاء.
فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل فذاك ضعيف الإيمان.
يرى أن له حقاً في الإجابة وكأنه يتقاضى أجرة عمله.
أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام: بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير فلما ضم إلي فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله وقال: « عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتيني بهمْ جَميعاً » .
وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى: « أَمْ حِسِبتُمْ أَنْ تَدْخُلوا الْجَنّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِيْنَ خَلَوْ مِنْ قَبْلَكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللُّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب » .
ومعلوم أن هذا لا يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء وقرب اليأس من الفرج.
ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قيل له: وما يستعجل.
قال: يقول: دعوت فلم يستجب لي.
فإياك أن تستطيل زمان البلاء وتضجر من كثرة الدعاء فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر والدعاء ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء.